لإقليم كوردستان تاريخ عريق ، موغل في القدم ، ويضم المئات من المواقع والمعالم التاريخية التي تعود لآلاف السنين وبعضها لعصور ماقبل التاريخ ، ومن هذا المنطلق ، فإنه لم تعد الحماية والحفاظ على هذه المواقع والمعالم أمراً كافياً، بل يجب التفكير في الاستفادة منها من الناحية الاقتصادية كذلك، لأنها تشكل ثروة وطنية.
وقد أصبحت السياحة الاثرية او الثقافية ، تشكل منتوجا سياحيا رئيسيا في السياحة العالمية وعلى مستوى السياحة الوطنية ، حيث أن من الممكن ان يكون هذا المنتوج نقطة محورية في الصناعة السياحية ، وإقليم كوردستان مؤهل بالكامل لذلك.
وقد أعاد الحديث عن “شاندر Z” ، امرأة إنسان “نياندرتال” التي عاشت في كهف شاندر شمال العاصمة أربيل بإقليم كوردستان ، قبل أيام ، وأعاد علماء الآثار في جامعة كامبريدج بإنكلترا تشكيل وجهها ، السخونة لأهمية موضوع استغلال المواقع التاريخية في الإقليم وتحويلها الى مورد اقتصادي مهم عبر الترويج للسياحة الاثرية في إقليم كوردستان ، وهو امر بالإضافة الى فائدته الاقتصادية ، فإنه في الوقت ذاته ابراز لتاريخ الكورد وكوردستان العريق وتعريف للعالم به ما يحقق فائدة ثقافية وثراء للتاريخ الإنساني ، وكذلك فائدة “قومية” اذا صح التعبير ، إذ تلعب الأماكن التاريخية دوراً حيويا في تشكيل الهوية الثقافية للشعوب والأمم ، والأمة الكوردية لاتشذ عن هذه القاعدة ومن الضروري التعريف به كواحدة من اعرق شعوب المنطقة ومن حقه يكون له كيانه القومي المستقل.
الصدد ، يقول المختص في الترويج للسياحة الاثرية راويژ محمد ، ان ” السياحة التاريخيّة والاثرية نوع من أنواع السياحة تتمثل في استكشاف وزيارة الأماكن والأنشطة التي تحمل قصصا وثقافات ماضية وقديمة حيث يكون بإمكان السائح استكشاف المواقع والمعالم التاريخية والتراثية والتعرف على التطورات والتغييرات التي حدثت في المنطقة عبر آلاف بل ملايين السنين وكونت حضارة المنطقة، والتعرف على ثقافة وتاريخ الشعوب والأرض التي تضم هذه الحضارة” .
موضحاً ، بالقول ان ” السياحة التاريخيّة تركز على المواقع والآثار التاريخية والأماكن القديمة الموغلة في القدم ، فيما السياحة التراثيّة تُركز على الجوانب الثقافية الحديثة أيضًا مثل فنون العمارة المعاصرة في البيوت والابنية والمعالم التراثية الاخرى”.
ويضيف راويژ محمد الذي يحمل درجة الماجستير في مجال الترويج للسياحة الاثرية ، في حديث لوكالة (باسنيوز) ان “إقليم كوردستان لديه كل المؤهلات لان يكون وجهة للسياحة الاثرية بامتياز ، إذ يضم مواقع تاريخية كثيرة هي جزء من الحضارة والارث الإنساني بشكل عام ، بالإضافة الى كونها هوية تاريخية لشعب كوردستان تظهر اصالة هذا الشعب على ارضه”.
ويردف ، بالقول ” نحتاج الى ، الترويج السياحي ، لمواقعنا الاثرية التاريخية ، وهو عملية تتم عبر برامج وخطط يُعرّف بالمنتج السياحي (وهو هنا المواقع التاريخية والاثرية) على أوسع نطاق ،عبر العديد من القنوات وبالتنسيق بين القطاعين الحكومي والخاص ، کالملصقات الاعلانية واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي والتلفاز والسينما للتأثير في المشاهد وجذبه لزيارة هذه الأماكن وابرازها في النشاطات الفنية المحلية والمناسبات والمؤتمرات الدولية عبر تنظيم رحلات للوفود المشاركة فيها الى تلك الاماكن “.
موضحاً ، ان ” الفائدة من عملية الترويج مزدوجة ، فمن جهة نعرِّف العالم بمواقعنا التاريخية والثقافية ومن جهة نتحصل على مداخيل تستعمل في أعمال الصيانة الدورية والترميم لهذه المواقع ما يبقيها حية ومحل اهتمام ويحفظها من الزوال والاندثار والخراب “.
ويتابع ، بالقول “يجب تسهيل إجراءات دخول السياح إلى المواقع السياحية والاهتمام بها وعدم تعقيدها و وضع الإرشادات المتعلّقة بالشوارع والطرق وكل ما يلزم السائح لتسهيل وصوله إلى أي مكان تاريخي او تراثي يرغب في زيارته ، وكذلك تشجيع العمل في القطاع السياحي عند المواطنين وتسهيل إجراءات العمل ، وتعيين المرشدين السياحيين في المناطق السياحية والمكاتب السياحية ، لمساعدة السياح على التعرّف على أفضل المناطق السياحية التاريخية ، والاستمتاع بها بالشكل الصحيح والاهتمام بخريجي قسم الآثار من الجامعيين والاستفادة من خبراتهم الاكاديمية في هذا المجال”.
كما شدد راويژ محمد ، على أهمية البنية التحتية للسياحة ، مثل” تعبيد الشوارع والطرق المؤدية الى المواقع الاثرية المستهدفة بشكل جيد ، لتسهيل حركة السياح عليها، وتأمين الخدمات اللازمة في تلك المواقع مثل المطاعم والكافيهات والمقاعد المريحة وحاويات النفايات ، وكذلك تأمين الحماية اللازمة للسياح لحرية التنقل وضمان سلامتهم وتوعية المواطن بأهمية السّياحة وطرق تنشيطها وتشجعيها”.
وختم الاكاديمي الكوردي ، بالإشارة الى أهمية ان يكون هناك ” كلية خاصة ومستقلة بتدريس الآثار (الموجود الآن هو قسم للاثار في كليات الآداب) وكذلك بناء متحف حضاري وعصري لحفظ الآثار النفيسة والقيمة التي يتم العثور عليها في المواقع الاثرية بإقليم كوردستان”.