أظهرت انتقادات وجهتها قوى شيعية عراقية لحكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني لمجرّد إجرائها مباحثات مع السعودية والكويت، وحتّى قبل الكشف عن محتواها، وجود ممانعة مسبقة لدى تلك القوى المشاركة في حكم العراق لأي تقارب للبلد من بلدان الخليج مخافة أن يكون ذلك على حساب إيران الحليفة للأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة التي لطالما لعبت دور الحارس للنفوذ الإيراني في العراق.
وتعليقا على إجراء وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين لمباحثات في العاصمة السعودية الرياض مع كل من نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والكويتي عبدالله اليحيا، طالب سعد المطلبي عضو ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، حكومة السوداني بالكشف عن تفاصيل الاجتماع الذي وصفه بالمثير للقلق.
وتظهر الحكومة العراقية الحالية رغبة في الانفتاح على مختلف دول الإقليم، وخصوصا تلك التي ترى في الشراكة معها فرصة واعدة لرفد مشروعها التنموي الذي ترغب في تنفيذه، وهو ما يفسّر تحرّكها صوب تركيا وبلدان مجلس التعاون الخليجي.
ونجحت إلى حدّ الآن كل من الإمارات وقطر في التقدّم خطوة مهمّة باتجاه تطوير الشراكة الاقتصادية مع العراق عبر مشروع طريق التنمية الذي تمّ مؤخّرا توقيع اتفاقية تفاهم رباعية عراقية – تركية – إماراتية – قطرية بشأن إنجازه. ولا تزال السعودية تبحث عن مداخل مناسبة لإرساء علاقات مستقرّة مع العراق تناسب سياسة التهدئة الكاملة والمصالحات الشاملة للجميع التي بدأت بانتهاجها ولم تستثن منها حتى غريمتها الكبرى إيران ووكلاءها الحوثيين في اليمن.
وواجهت المملكة خلال السنوات الأخيرة صعوبات كبيرة في دخول مجال الاستثمار في العراق، وذلك بفعل العراقيل التي وضعتها في طريقها القوى الشيعية الموالية لإيران، والمتحكّمة بشكل كبير في زمام الدولة العراقية. لكنّ الرياض عادت مؤخّرا إلى محاولة استمالة تلك القوى ذاتها عبر التوجّه مباشرة إلى حاضنتها الشعبية ومرجعيتها الدينية في المناطق التي تضمّ أبرز المقدّسات والرموز الشيعية، لاسيما في مدينتي كربلاء والنجف.
أمّا الكويت فلا تزال تكتفي إلى حدّ الآن بمحاولة الحفاظ على علاقات هادئة، وإن كانت باردة، مع الجار العراقي لتجنّب استفزازات القوى الشيعية، وخصوصا الفصائل المسلّحة التي تميل إلى التعاطي مع الكويت كطرف “متآمر” مع الولايات المتّحدة ضدّها. وعلى الرغم من ذلك لم تسلم العلاقة بين الطرفين الكويتي والعراقي خلال الفترة الأخيرة من توتّر بسبب تجدّد الخلاف حول اتفاقية خور عبدالله المنظمة للملاحة البحرية في المنطقة المطلة على مياه الخليج، والتي وقفت أحزاب شيعية وراء استصدار قرار من القضاء العراقي بإلغائها، ما أثار احتجاجا كويتيا ورفضا قطعيا للقرار ساندته السعودية.
وخلال زيارة قام بها أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد في وقت سابق إلى الرياض صدر بيان سعودي – كويتي مشترك تضمّن دعما لموقف الكويت من اتفاقية خور عبدالله. وردّ نواب عراقيون شيعة تشارك أحزابهم في حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني بعنف على البيان. واتّهمت عالية نصيف عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون السعودية بـ”التدخل في هذه القضية التي فيها غبن كبير لحقوق الشعب العراقي”، منددة بما اعتبرته “استعدادا لدى المملكة للاصطفاف إلى جانب أي جهة تعادي العراق سواء كانت عربية أو غير عربية”.
ومن جانبها دعت كتلة “صادقون” النيابية الممثلة لميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي “السعودية والكويت إلى احترام سيادة العراق”. وقال رئيس الكتلة النائب حسن سالم في تدوينة على منصة إكس إنّ “خور عبدالله عراقي وإنّ السكوت يعني التفريط بالسيادة البحرية للبلد”، مطالبا وزارة الخارجية العراقية بـ”إيداع نسخة من قرار المحكمة الاتحادية القاضي ببطلان الاتفاقية لدى مجلس الأمن الدولي”.
ولم تكشف وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” عن محتوى المحادثات خلال اجتماع وزراء الخارجية الثلاثة، واكتفت بالقول إنّ وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان “استقبل في مقر الوزارة بالرياض نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية في جمهورية العراق فؤاد حسين، ووزير خارجية دولة الكويت عبدالله اليحيا”. وأضافت أنّه “جرى خلال الاستقبال بحث سبل تعزيز وتطوير أوجه التعاون في العديد من المجالات، كما تطرق الوزراء إلى أهمية تكثيف التنسيق الثنائي ومتعدد الأطراف في القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
وقال المطلبي “إنّ الاجتماع الثلاثي أثار الشكوك والقلق لدى الأوساط السياسية على المستوى العلاقة بين العراق والكويت بشأن طريق التنمية وكذلك محاولة السعودية تحجيم دور العراق في المنطقة وبالخصوص موقفه من حرب غزة”. وأضاف متحدّثا لموقع إخباري عراقي أن “إقدام العراق على استكمال ميناء الفاو أثار قلقا لدى السعودية والكويت خاصة أنهما أعلنتا طلبهما صراحة بضرورة مروره عبر ميناء مبارك”. كما دعا عضو ائتلاف دولة القانون وزير الخارجية العراقي إلى “إطلاع القوى السياسية عن فحوى الاجتماع الثلاثي بكل صراحة”.
ويحيل حديث المطلبي عن ميناءي الفاو العراقي ومبارك الكبير الكويتي على الموضوع الخلافي الأبرز بين العراق والكويت، ذلك أنّ الطرف العراقي كثيرا ما اتّهم الجانب الكويتي بتضييق منفذ العراق على الخليج، بينما ينظر الكويتيون إلى استكمال إنجاز ميناء الفاو وجعله منطلقا لطريق التنمية الذي سيمتد من الميناء الواقع بجنوب العراق إلى الحدود مع تركيا شمالا بأنّه تضييق على الميناء الكويتي وإلغاء لدوره.
وعلى هذه الخلفية تحوّل إنجاز الميناءين إلى نوع من التحدّي لكل طرف وأطلق ما يشبه السباق بينهما، لاستكمال المشروعين. ووعد رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني بالشروع في تشغيل جزء من أرصفة ميناء الفاو في موفى السنة الجارية على أن يتمّ استكمال الميناء سنة 2025.
وعلى الطرف المقابل بدأت الحكومة الكويتية الجديدة برئاسة الشيخ أحمد العبدالله، في اتخاذ إجراءات لتسريع إنجاز ميناء مبارك الكبير المتلكئ منذ سنوات. وشهدت جلسة للحكومة انعقدت مؤخّرا تقديم عرض مرئي لتطورات إنجاز الميناء وسير أعماله الإنشائية، وصدرت خلالها توجيهات من مجلس الوزراء للجهات المعنية بـ”ضرورة سرعة المضي في استكمال الإجراءات اللازمة لإنجاز المشروع”. أمّا بشأن طريق التنمية فلم يُجل تصريح المطلبي اللبس في موقف القوى الشيعية بشأنه، ذلك أنّ تلك القوى لا تزال متردّدة في اتّخاذ موقف نهائي منه.
وبينما يرى بعض تلك القوى أنّ نجاح المشروع سيُحسب في رصيد حكومة السوداني التي شاركت في تشكيلها وتمتلك تمثيلا مباشرا داخلها عن طريق الوزراء والإداريين التابعين لها، كما أنّها جزء من مظلتها السياسية المتمثّلة في الإطار التنسيقي الشيعي، ينظر البعض الآخر بعين الريبة للمشروع باعتباره خصما من رصيد نفوذ إيران، خصوصا وأنّ الأخيرة لا تزال إلى حدّ الآن تلازم الصمت بشأن المشروع ما يعني أنها بصدد تقليب أوجه الفائدة أو الضرر اللذين يمكن أن يترتّبا عليه.
وكانت ميليشيا كتائب حزب الله العراق شديدة الارتباط بالحرس الثوري الإيراني من القوى الشيعية القليلة التي عبّرت عن قلقها الواضح من مشروع الطريق بمجرّد توقيع مذكرّة التفاهم بشأن إنشائه خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد، وذلك عن طريق مسؤولها الأمني أبوعلي العسكري الذي قال إنّ “مشروع ما يسمى طريق التنمية مازال يشكل مصدر قلق لنا”، مضيفا في بيان نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي “يجب توفير الدلالات القاطعة والضمانات الإستراتيجية والمزيد من التطمينات قبل الشروع في تنفيذ المشروع”.
العرب