أظهرت “توصيات” وجهتها إيران إلى رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني مدى اهتمام طهران باستقرار النظام الذي يقوده حلفاؤها قادة الأحزاب والفصائل الشيعية في العراق، وحرصها على وحدة هؤلاء الحلفاء حفاظا على سلطتهم ودرءا لنشوء دوائر قرار جديدة منافسة لهم في البلد.
وقال مصدران سياسيان إنّ التوصيات التي تلقاها السوداني “من قبل أطراف إيرانية، تخص مشاركته في الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق”.
وتوصف الحكومة العراقية الحالية بأنّها حكومة الإطار التنسيقي نسبة إلى التحالف الذي شكّلته الأحزاب والفصائل الشيعية إثر الانتخابات البرلمانية الماضية وتمكّنت من خلاله من انتزاع امتياز تشكيل الحكومة من التيار الصدري (التيار الوطني الشيعي حاليا) بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر والذي حقق في تلك الانتخابات نتائج جيّدة جعلته يطمح للسيطرة على السلطة التنفيذية، وهو ما لم تكن إيران ترغب فيه نظرا لعدم ثقتها في الرجل الذي يحظى بقدر كبير من الشعبية في صفوف الجمهور الشيعي في العراق.
ولم تكن إيران بعيدة عن فكرة تشكيل الإطار الذي يبدو أنّه فقد الكثير من وحدته الداخلية بفعل اختلاف مصالح مكوناته واشتداد التنافس بين زعاماته مع اقتراب موعد الانتخابات الجديدة المقررة لسنة 2025.
وتخشى إيران تفكّك الإطار فيما الحاجة إليه ماتزال قائمة للحفاظ على نفوذها في العراق، في مرحلة دخلت فيها قوى أخرى على رأسها تركيا على خط المنافسة على النفوذ في البلد.
وأوضح المصدران اللذان نقلت عنهما، الجمعة، وكالة شفق نيوز الإخبارية العراقية أنّ التوصيات الإيرانية للسوداني تضمّنت حثّه “على خوض انتخابات مجلس النواب المقبل ضمن قوائم الإطار التنسيقي الانتخابية مع وجوب الإبقاء على وحدة القرار في مرحلة ما بعد الانتخابات”.
ولا ترغب إيران في انقسام الإطار، كما لا ترغب بنفس القدر في أن تنشأ من داخله، وكذلك من داخل العائلة السياسية الشيعية العراقية بالمطلق دوائر قرار جديدة قد لا تكون بالضرورة ملتزمة بالخطّ السياسي المتّبع في العراق منذ أكثر من عقدين من الزمن وما يميّز ذلك الخطّ من التزام بالتحالف مع طهران ومن خدمة لمصالحها ونفوذها في البلد.
ويبدو أنّ الخشية الإيرانية لا تستثني السوداني نفسه الذي مكنته نجاحاته النسبية في قيادة الحكومة الحالية قياسا بالأداء الضعيف لرؤساء الحكومات الذين سبقوه من توسيع شعبيته الأمر الذي قد يجعله مرشّحا فوق العادة للفوز في الانتخابات القادمة.
وأظهر رئيس الوزراء حرصا على تحسين مستوى الخدمات المتردّي في العراق، كما أظهر جدية في إطلاق العديد من المشاريع الهادفة لإعادة تحريك عجلة التنمية شبه المتوقّفة في البلد منذ عشريتين من الزمن.
ولا يمكن بأي حال وصف السوداني الذي دخل ميدان السياسة من بوابة انتمائه لحزب الدعوة الإسلامية، بالمعارض للنفوذ الإيراني في العراقي أو بالمتمرّد على سياسات إيران تجاه بلاده، ومع ذلك فإنّ من أبرز ميزاته، المثيرة لقلق الإيرانيين، انتهاجه سياسة براغماتية في البحث عن شركاء في تنمية العراق بعيدا عن الانحيازات الأيديولوجية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل البلاد مفتوحة على قوى منافسة لإيران مثل تركيا وبلدان الخليج.
وتعلم طهران أنّ بقاء السوداني تحت مظلّة الإطار التنسيقي يعني وجود رقيب على سياساته ومانعا لها من الذهاب بعيدا في تحقيق طموحات تتعارض مع المصلحة الإيرانية.
وقال المصدران أن التوصيات جاءت بعد إظهار أطراف سياسية رغبة في التحالف مع السوداني بعيدا عن الإطار وذلك في مقابل حصوله على ولاية ثانية على رأس الحكومة.
ويحظى رئيس الوزراء الذي يقود منذ سنة 2019 تيار الفراتين إلى حدّ الآن بدعم زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ قيس الخزعلي وثيق الصلة بالحرس الثوري الإيراني، لكنّ ذلك الدعم لا يخلو من إشكالات حيث يتسبب بفتور في علاقاته مع قادة كبار آخرين في الإطار التنسيقي من بينهم هادي العامري زعيم ميليشيا بدر، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي مايزال راغبا بقوّة في الهيمنة على مقاليد الحكم في العراق سواء بالعودة لتسنّم منصب رئيس الوزراء أو بتسليم المنصب إلى أحد ثقاته.
ومما تخشاه إيران أيضا أن يؤدّي تفكّك الإطار إلى تشكّل تحالفات جديدة لا ترغب فيها، على غرار ما قد يحدث من تحالف بين الغريمين القديمين الصدر والمالكي الذي فاجأ الأوساط السياسية قبل فترة بـ”التبشير” بعودة التيار الصدري عن قرار مقاطعته للحياة السياسية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة.
وكان رئيس الوزراء الأسبق من أوائل من أعلنوا إمكانية عودة زعيم التيار الصدري عن قرار مقاطعة الانتخابات. وقال المالكي الذي يرأس حزب الدعوة الإسلامية ويقود ائتلافا برلمانيا تحت مسمّى ائتلاف دولة القانون إنّ هناك معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات القادمة سواء تمت في موعدها أو أجريت بشكل مبكر. وأشار إلى أنّ الصدريين هم الأكثر مطالبة بإجراء انتخابات مبكرة.
وبحسب مراقبين سياسيين، فإنّ حديث المالكي المعروف ببراغماتيته السياسية وبراعته في تشكيل التحالفات السياسية المصلحية والظرفية عن عودة التيار الصدري إلى العملية السياسية أبعد ما يكون عن القيام بدعاية مجانية للتيار.
ولا يستبعد هؤلاء أن يكون زعيم دولة القانون بصدد التهيئة لإبرام اتفاق سياسي مع غريمه القديم الصدر لمواجهة قوى شيعية أخرى صاعدة بشكل لافت من خلال الإطار التنسيقي المشكّل للحكومة الحالية، وعلى رأس تلك القوى ميليشيا عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي الذي تصفه المصادر بأنّه الحليف الأول لرئيس الحكومة والداعم له في مواجهة طموحات المالكي لاستعادة رئاسة الوزراء المنصب التنفيذي الأول في الدولة العراقية في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي.
وبالإضافة إلى سيناريو اقتراب المالكي من الصدر دار الحديث بقوّة خلال الفترة الأخيرة حول إمكانية إحياء التحالف الثلاثي بين التيار الصدري وحزب تقدم بزعامة رئيس البرلمان السابق محمّد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، خصوصا وأنّ الطرفين الأخيرين يشاركان مقتدى الصدر غضبه من الإطار التنسيقي وسياسته التي أضرت بالأطراف الثلاثة على حدّ سواء.
وتلعب كلّ من إيران والولايات المتّحدة أدوارا في اختيار من يتولّى رئاسة الحكومة العراقية، وهو ما يدركه المرشحون للمنصب ومن يتولونه ويرغبون في البقاء فيه، والذين كثيرا ما يبذلون جهودا كبيرة لنيل رضا الدولتين الغريمتين، في لعبة توازن صعبة.
وينطبق ذلك على السوداني الذي زار الولايات المتحدة في أبريل الماضي في ظل ضغوط كبيرة مارسها عليه حلفاء إيران المشاركون في تشكيل حكومته بشأن ملف إخراج القوات الأميركية من العراق، كما زار طهران خلال المدة المنقضية من وجوده على رأس الحكومة ثلاث مرّات، بينما تقول مصادر عراقية إنّ قيامه بزيارة رابعة لإيران بعد انتهاء الأخيرة من ملف اختيار رئيس جديد لها، أمر حتمي لترتيب أمور الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة.