أعلن محافظ البنك المركزي علي العلاق الاثنين عن خارطة طريق للاستدامة المالية للقطاع المصرفي العراقي، في ما أشار إلى أن هذه الخارطة جزء من جهود الارتقاء بأداء البنوك خلال المرحلة المقبلة، وفق المعايير العالمية.
ووقّع العلاق خلال حدث أقيم في العاصمة بغداد اتفاقية مع المدير الإقليمي للسعودية ولبنان والعراق في مؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي، فواز البلبيسي بشأن خارطة طريق الاستدامة المالية.
ويكافح العراق الذي شهد حروبا وفترة حصار طويلة منذ أكثر من أربعة عقود بحثا عن حلول تساعد في تحفيز القطاع المالي حتى يسهم بدور فعال في تنمية الاقتصاد، الذي ظل متوقفا منذ الغزو الأميركي في 2003 عبر تخفيف مستوى البطالة وتضييق دائرة الفقر.
ولطالما حث الخبراء صانعي السياسة النقدية في البلد النفطي العضو في أوبك إلى الإسراع في اعتماد إستراتيجية جديدة لترقية نشاط القطاع حتى يحسّن وضعه لدى وكالات التصنيفات الائتمانية الرئيسية.
ورغم أن البنك المركزي يولي اهتماما بسلامة القطاع في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المتقلبة بتبنيه سياسات رقابية وإشرافية لتحقيق الاستقرار المالي والمحافظة على متانة الأصول، إلا أنه يحتاج إلى أساليب أكثر تطورا بما يتلاءم مع النظم والمعايير العالمية.
ولذلك سعت الحكومة إلى بلورة إستراتيجية تحفز نشاط القطاع المصرفي خلال المرحلة المقبلة بما يتيح له الانخراط أكثر في جهود تنويع الاقتصاد المعتمد على الريع النفطي وتعزيز دعاماته، بعدما ظلت البنوك لسنوات بعيدة عن فلك التنمية.
وحث رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الكثير من المرات المسؤولين الحكوميين وصناع القرار النقدي في البلاد من أجل إعداد خطة واضحة المعالم تشمل مقترحات لتطوير عمل البنوك.
وقال العلاق في كلمة أثناء إطلاق البرنامج الذي يتضمن دليلا للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية للبنوك، بالاستعانة مع مؤسسة التمويل الدولية إن “هذا المشروع يعد جزءا من الجهود المستمرة التي يبذلها البنك المركزي للارتقاء بالقطاع”.
وأوضح خلال الحدث أن الخطوة سيكون هدفها هو الاعتماد على أفضل الممارسات الدولية، فضلا عن مواكبة التطورات الحاصلة في الصناعة المصرفية، بحسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
وأشار إلى أن الجوانب البيئية والاستجابة المتعلقة بالتغير المناخي عوامل رئيسة دافعة لتطوير المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة وتضاف إليها الأهمية المتنامية للعناصر الأخرى الأساسية لاسيما الاجتماعية منها.
وأضاف “إذا كانت تلك المعايير مهمة لأيّ كيان اقتصادي أو شركة بغض النظر عن نشاطها ومهمتها ومنتجاتها، فإن أهميتها للقطاع المالي مسألة في غاية الأهمية، بما تمثله التغيرات الاجتماعية والبيئية من أثر كبير على واقعه”.
ويستلزم هذا المسار، الذي يستمر حتى العام 2029، إدارة القطاع المصرفي وفق قواعد تنظيمية ورقابية وتقنية تدرأ عنه المخاطر لضمان حقوق المساهمين وأصحاب المصالح في إطار من الشفافية والإفصاح.
والهدف الرئيسي جعل البنوك تسهم في تحقيق الاستقرار المالي، الذي تنعكس تداعيات الأزمات فيه على البيئة الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار العام مثلما تنعكس التداعيات البيئية والاجتماعية على الاستقرار.
وتركز الحكومة وصناع القرار النقدي، ممثلا في البنك المركزي، على تحقيق الشمول المالي من خلال تكييف خطط الارتقاء بالقطاع المصرفي مع الإصلاحات الهيكلية التي تستهدف دفع عجلات الاقتصاد إلى الأمام.
وهناك تنسيق بين الطرفين في عملية إصلاح القطاع المصرفي والمستهدف من الهيكلة على وجه الخصوص هو البنوك الحكومية التي تمثل أكثر من 80 في المئة من القطاع.
وتظهر الأرقام الرسمية أن أكثر من 50 بنكا يعمل في السوق المحلية، لكن معظمها لم يدخل على نشاطه أي تحديثات وخاصة من ناحية التكنولوجيا المالية التي أضحت أحد المحددات التي تقيس معايير الشفافية والسرعة في تأمين المدفوعات والتعاملات التجارية.
ووفق المعطيات الرسمية، تستحوذ ثلاثة بنوك كبرى فقط، وهي الرافدين والرشيد والمصرف العراقي للتجارة، على حوالي 85 في المئة من إجمالي أصول القطاع المصرفي.
ولا يوجد سوى بنك دولي كبير واحد يعمل بالبلاد حاليا وهو ستاندرد تشارترد ويمتلك عددا قليلا من الفروع ويركز على المشروعات الحكومية الكبرى.
وتعليقا على الاتفاقية، أكد البلبيسي أن العراق من أوائل الدول التي تتبنى نهجا كاملا للحوكمة والمساءلة البيئية والاجتماعية، مشيرا إلى أن البنك المركزي العراقي يعد نموذجا لوضع الإستراتيجيات التي تخدم تطوير القطاع المصرفي.
وقال إن “هذا الإنجاز الجديد يأتي كثمرة للشراكة الإستراتيجية بين مؤسسة التمويل الدولية والبنك المركزي العراقي بالتعاون مع هولندا وجهودنا المشتركة لتطوير قطاع مصرفي متقدم يسهم في مستقبل العراق المستدام”.
وأكد أن الخطوة بالغة الأهمية للقطاع المصرفي العراقي باتجاه تأسيس “ممارسات رشيدة من معايير البيئة الاجتماعية والحوكمة المؤسساتية تتناسب مع المعايير والقواعد العالمية”.
وأشار إلى أن المعايير البيئية والحوكمة غيرت بيئة وحكم المؤسسة، وهي معيار للتميز مهنيا وأصبحت متطلبا أساسيا لإدارة وتقليل المخاطر وبالتالي الاستدامة المالية وازدهار الأعمال.
وتابع البلبيسي “يكتسب هذا الحدث أهمية كبرى في معرض مواجهة العراق للتحديات التي يقودها التغير المناخي والذي يحتاج إلى ما يقارب 233 مليار دولار حتى العام 2040 للاستجابة للفجوات التنموية اللازمة للسير في المسارات الاقتصادية المستدامة”.
وركزت خطط البنك المركزي خلال الأشهر الماضية على المبادرات الاقتصادية وتنظيم التجارة والانتقال من الاقتصاد النقدي إلى الرقمي وفق المعايير الدولية والمصرفية.
وحتى تنجح بغداد في جهود إصلاح القطاع تعمل رابطة المصارف العراقية على معاضدة جهود الحكومة لجعل البنوك أداة فعالة في الاقتصاد، مع توفير الضمانات بأنها تعمل وفق القوانين والمعايير الدولية.
وسبق أن قال نائب رئيس رابطة المصارف العراقية سمير النصيري إن البنوك المحلية “أثبتت قدرتها ومواقفها خلال الفترة الماضية بمواجهة التحديات الاقتصادية والمحافظة على التواصل والالتزام بتعليمات البنك المركزي”.
وتعمل الرابطة، وهي تخضع لإشراف البنك المركزي، على تنمية وتطوير القطاع المصرفي، ومشاريع التمويل وتوفير بيئة مناسبة رغم التحديات الاقتصادية والصعوبات التي يتعامل معها العراق.
العرب