أعاد التعداد السكاني المقرّر إجراؤه في العراق في العشرين من شهر نوفمبر القادم محافظة كركوك الواقعة شمالي العاصمة بغداد، مجدّدا إلى واجهة الصراع القومي باعتبارها أهم المناطق التي توصف بـ”المتنازع عليها” في إشارة إلى مطالبة كورد العراق بضمّها إلى إقليمهم المتمتّع بحكم ذاتي ضمن الدولة الاتّحادية العراقية على أساس أنها منطقة كوردية تاريخيا وأنّ غالبية سكانها قبل أن تدخل تغييرات على تركيبتها الديمغرافية ينتمون للقومية الكوردية.
ورغم أنّ عملية التعداد أخذت بالفعل طريقها إلى التنفيذ بعد التهيئة لها بعملية الحصر والترقيم التي قطعت شوطا متقدما في إنجازها، إلاّ أنّ قوى سياسية من داخل الإقليم ما تزال تشكّك في سلامة العملية من الاعتبارات الجانبية والأهداف الخارجة عن نطاق هدفها الأصلي المعلن والمحدّد بغايات اقتصادية وتنموية.
كما لا تزال القوى ذاتها تعتبر أنّ كركوك غير مهيأة لإجراء تعداد مهني ذي نتائج سليمة تعكس الحقائق الديمغرافية الأصلية في المحافظة.
ويخشى الكورد أن يكون التعداد وسيلة لإخراج المحافظة نهائيا من دائرة المناطق المتنازع عليها بإثبات عدم كورديتها وبالتالي قطع الطريق على أيّ إجراءات مستقبلية لفض النزاع وفقا لترتيبات كان قد نصّ عليها دستور العراق لسنة 2005 لمعالجة قضية تلك المناطق ولم تجد إلى حدّ الآن طريقها إلى التنفيذ، بينما أصبحت قوى عراقية تعتبرها في حكم المتجاوزة بالزمن والأحداث.
ويتزعّم الحزب الديمقراطي الكوردستاني باعتباره أكبر الأحزاب في إقليم كوردستان العراق والقائد للسلطة في الإقليم الدفاع عن كوردية كركوك، ويشن حملة تشكيك في سلامة شمولها بالتعداد السكاني.
وتقوم الحملة على تأكيد أن الوضع الديمغرافي الحالي في المحافظة لا يعكس الحقيقة وأنّ تدخلات وعوامل أدّت إلى إحداث تغييرات فيه لا يجب إقرارها والاعتراف بها بفعل التعداد.
واعتبر مسؤول الفرع الثالث للحزب في المحافظة محمد كمال أن الوضع غير مهيأ لإجراء التعداد في كركوك، وقال في مؤتمر صحفي عقده الاثنين إن “معظم أبناء كركوك قد رُحّلوا إلى مناطق أربيل والسليمانية”، وباتوا موجودين في جميع مناطق كوردستان كنازحين وخاصة “بعد هدم القرى الكوردية من قبل النظام البعثي عام 1988”.
وأشار كمال إلى أن النظام العراقي السابق “هدم أكثر من 4500 قرية كوردية ورحّل سكانها”.
وأعاد المسؤول الحزبي إثارة قضية الدستور معتبرا أنّ إجراء التعداد في كركوك ينبغي أن يكون بعد تنفيذ المادة 140 منه.
ويعلم المعترضون على إجراء التعداد السكاني في كركوك صعوبة إقناع السلطات الاتّحادية العراقية بالعدول عنه، وباتوا من ثمّ يتوجّهون بنداءاتهم للسكان عساهم يساهمون في منع تثبيت الحقائق التي يراها هؤلاء المعترضون مخالفة للحقيقة.
وقال المسؤول الحزبي إنّه في حال إجراء التعداد في موعده يتوجّب على أهالي كركوك الذين يقيمون خارجها “العودة إلى مدينتهم الأصلية قبل نفاذ الحصر والترقيم وتسجيل أسمائهم عند أقاربهم”.
وكان رئيس هيئة المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان العراق فهمي برهان قد عبّر عن شكوك عميقة في عملية التعداد السكاني في كركوك والمناطق الأخرى، ونقلت عنه وسائل إعلام محلية قوله “صحيح أن وزارة التخطيط بذلت جهودا كبيرة لتقليل التأثيرات السياسية على العملية قدر الإمكان، لكن ذلك لم يبدد شكوكنا. فنحن جميعا عراقيون في التعداد، لكننا نرغب في أن نكون عراقيين بهوية كوردية”.
ويمثّل وجود هيئة للمناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان ضمن هياكل حكومة إقليم كوردستان بحدّ ذاته علامة على تشبث كورد العراق بالمطالبة بضم المناطق المتنازع عليها إلى إقليمهم، مستندين إلى أنّ الدستور العراقي خص ملف تلك المناطق بمادة تحمل الرقم مئة وأربعين.
لكنّ القوى السياسية الحاكمة بشكل رئيسي في العراق والمنتمية قوميا إلى العرب شيعة وسنّة باتت ترفض مجرّد الحديث عن تلك المادة وتعتبر أن إقرارها تمّ في ظرفية زمنية لم تعد قائمة ما يعني أن أمر تلك المناطق بات محسوما بحكم الأمر الواقع.
وترغب القيادات السياسية لكورد العراق في أن يكون التعداد السكاني الذي تعذّر إجراؤه طيلة ربع قرن من الزمان وسيلة لإثبات الغالبية الكوردية في المناطق المتنازع عليها والمشمولة بالمادة الدستورية المذكورة، لكن قرار الحكومة الاتّحادية إزالة خانة (حقل) القومية من استمارة التعداد قطع الطريق على تحقيق تلك الرغبة، وذلك على الرغم من الإبقاء على خانة الديانة الأمر الذي أبقى العملية في دائرة الجدل والصراعات.
وعلى الرغم من الأهمية القصوى التي اكتساها التعداد السكاني في مختلف بلدان العالم نظرا إلى فوائده العملية في ضبط المخططات الاقتصادية والتنموية والخدمية، فإن العراق مازال يعتمد أرقاما تقريبية مستندا إلى حسابات منطلقها عملية التعداد التي جرت آخر مرّة قبل سبع وعشرين سنة ولم تشمل إقليم كوردستان الخارج آنذاك عن سيطرة الدولة العراقية.
العرب