ئاژانسی هەواڵی زاگرۆس

التراث الإسلامي الكوردي.. كنوز حضارية أهملها التاريخ

لقد كان لغير العرب دور كبير ومحوري في نشر الإسلام وإغناء المدونة العربية بالكثير من المآثر، ومن ذلك ما قدمه الكورد في حفظ القرآن وتدوينه وتفسيره ونشره، ولكن هذا الدور الهام الذي لعبه هؤلاء بقي مهمشا في التاريخ العربي الإسلامي، ولا يكاد يذكر الأكراد في جهودهم الكبيرة خدمة للحضارة الإسلامية وخاصة للنص القرآني الذي يمثل عماد الديانة الإسلامية وحضاراتها.

 

غرست في نفس محمد علي القره داغي محبة القرآن، وتعلق به منذ الصغر على عادة أهل قريته ذلك الزمان، الذين كانوا يكنون حبا وتقديرا جما للكتاب المبين.

 

ولد محمد علي عام 1949 في قرية تكية بناحية قره داغ بمحافظة السليمانية في إقليم كوردستان العراق، وفي سن الخامسة لمس عمليا ذلك الحب والتقدير، عندما كان يذهب إلى السيدة التقية خديجة (داده خه جي) التي كانت تعلم أطفال القرية القرآن الكريم، متأبطا ورقة مقوى خطت عليها عبارة “يا الله، يا فتاح، يا رزاق”، ثم حروف الهجاء، إذ كان كل من يصادفه من الأشخاص في طريقه ينتصبون قياما ويضعون أياديهم على رؤوسهم إجلالا للعبارة المكتوبة على تلك الورقة، ولا يجلس أحد منهم حتى يتوارى عن أنظارهم.

 

عاشق القرآن

 

ولد محمد علي وفي نفسه حالة من الهيام بالقرآن الكريم والمعارف، ما دفعه إلى الغوص فيهما مبكرا بتشجيع من عائلته، وفي ذلك يذكر أنه عندما سقط من سطح دارهم ذات يوم وكسرت يده اليسرى من الرسغ، طلبت والدته من خبير تجبير الكسور (يسمونه المجبرجي) ألا يجبرها جيدا، لأنه إن تمتع بيدين سالمتين قويتين قد لا يميل للتعلم وينشغل بأمور كسب لقمة العيش، لأن أهل القرية كانوا يرون العزة في تعليم أبنائهم، حتى إنهم كانوا يعيبون على الأسر التي لا يكون فيها متعلم أو خاتم للقرآن.

 

هكذا نشأ وترعرع على حب العلم ونشر المعرفة، ليواصل تعليمه في بغداد، ويتخرج من كلية الإمام الأعظم، ويواصل نهل العلم عن علماء أجلاء، حتى نال الإجازة العلمية من مفتي العراق الأول، العلامة الشيخ عبدالكريم المدرس (1901 – 2005)، كما حصّل إجازة قراءة القرآن الكريم بقراءتين من العلامة الشيخ عبدالقادر الخطيب (1896 – 1969)، وإجازة في رواية الحديث الشريف من العالم الأزهري د. محمد السيد ندا.

 

وكرس الشيخ والمحقق الكوردي حياته للتعريف بأنجم لامعة في سماء العلم والأدب الإسلاميين، لاسيما التراث الأدبي الإسلامي في إقليم كوردستان، وسيرة وتراجم علماء الكورد والكشف عن آثارهم ومؤلفاتهم.

 

أصدر 54 مؤلفا تضم 80 مجلدا، ونشر أكثر من 600 بحث أو مقال باللغتين العربية والكوردية. ومن آخر ما أصدره الجزء الأول من كتابه “تاريخ القرآن الكريم في كوردستان”، عن “مركز كوردستان للفن والثقافة”، الذي يقع بـ448 صفحة من القطع الكبير. وتضمن التعريف بـ121 مصحفا تراثيا مخطوطا، فضلا عن أسماء 16 من المفسرين الكورد للقرآن الكريم، و66 عنوانا للتفاسير، مع الإشارة إلى براعة قراء القرآن الكورد. وقد اعتمد المؤلف في ترتيب عرض المصاحف على التسلسل التاريخي والترتيب الزمني لما عليها من تفاصيل، دون التطرق إلى التفاصيل الفنية من زخرفة وفن كتابة وغيرهما.

 

مشاريع رائدة

يقول الشيخ القره داغي إن القرآن الكريم “يحظى بأهمية كبرى في كوردستان لكن تاريخه لم يخدم بمستوى تلك الأهمية وذلك الحب والتقدير”، ويشير إلى أن تاريخ العلماء والأدباء الكورد “لم يوثق بالمستوى المطلوب.”

 

ويضيف أن أقدم مخطوطة في كوردستان “تعود إلى القرن الثالث الهجري بالتزامن مع وصول جيش الفتح الإسلامي إلى المنطقة”، ويلفت إلى أن جانبا كبيرا من تاريخ الكورد “لا يزال مهملا.”

 

ويرى القره داغي أن التراث الكوردي “لو كان موجودا ومحفوظا لكان في قامة أعلى جبال كوردستان”، ويدلل على ذلك بأن فهارس المخطوطات التي اطلع عليها أو سمع بها في بريطانيا وألمانيا وتركيا والسعودية ومصر وإيران وغيرها من البلدان “تزخر بإنجازات علماء كوردستان ومفكريها وخطاطيها.”

 

ويوضح أن ذلك دفعه إلى “تبني مشروع كنوز الكورد في دور المخطوطات العالمية الذي يتناول مخطوطات العلماء الكورد المنتشرة في أنحاء العالم”، ويبين أن المشروع “تمخض عن إصدار خمسة مجلدات حتى الآن.”

 

وينبري الشيخ المحقق أيضا لتنفيذ مشروع آخر عن إحياء تاريخ العلماء الكورد الذين لم يذكروا في المصادر التاريخية، أو وردت شذرات نادرة عنهم، من خلال مخطوطاتهم، إذ أصدر في إطاره عشرة مجلدات من أصل 12 حتى الآن.

 

كما يواصل تنفيذ مشروع “كشكول التراث الأدبي الكوردي” الذي يجمع فيه ما ورد في المخطوطات بشأن الشعراء الكورد، وقد أصدر منه ثمانية أجزاء حتى الآن.

 

ويعمل الشيخ القره داغي حاليا على تأليف الجزء الثاني من كتابه القيم “تاريخ القرآن الكريم في كوردستان”، وينوي إصدار طبعة مزيدة ومنقحة من كتابه الموسوم بـ”مكتوبات مولانا خالد النقشبندي”، الذي يتناول بعض رسائل النقشبندي إلى مريديه وردوده على رسائلهم، الذي صدر من قبل باللغتين العربية والفارسية بواقع 700 صفحة.

 

القرآن في كوردستان

حول كتابه “تاريخ القرآن الكريم في كوردستان”، يقول الشيخ المحقق إنه “محاولة للتعريف بالكورد الذين استقبلوا النسخ الأولى من القرآن الكريم التي أرسلها الخليفة الراشدي عثمان بن عفان، إلى مختلف البلاد، ورصد لعدد المصاحف التي كتبت أول الأمر في كوردستان وماذا حل بها”، ويستدرك برغم أنها أسئلة “تبقى معلقة لعدم وجود مراكز متخصصة تتولى جمع تلك المصاحف المخطوطة وحفظها في مكان واحد، من جراء تشتت الشعب الكوردي وما تعرض له من حوادث وكوارث على مر الزمن.”

 

ويوضح أنه يقصد بمصاحف كوردستان أو المصحف الكوردستاني تلك التي كتبها خطاط كوردي أو كتبت خصيصا لأمير أو شخص كوردي ويشمل ذلك المصاحف التي أخرجت من كوردستان وتحمل الهوية الكوردية، أو التي منحت من قبل أشخاص كورد لأماكن أو مدارس أو مساجد حتى لو كانت من خارج جغرافية كوردستان (تشمل المناطق الكوردية في إيران، تركيا، العراق وسوريا)، كما يقصد المصاحف التي كتبت خارج كوردستان من قبل خطاطين كورد ثم نقلت بجهود كوردية إلى كوردستان، واستقرت في مدارسها أو مساجدها أو مكتباتها.

 

ويبين أن كتاب “تاريخ القرآن الكريم في كوردستان” تضمن نماذج من المصاحف الموجودة في كوردستان مما قدمه الخطاطون الكورد للقرآن الكريم على امتداد التاريخ الإسلامي، ساعيا إلى توضيح بعض الأدلة على ضياع مصاحف لا تعد ولا تحصى لاسيما أن المصاحف لم تكن مطبوعة، وأن المصدر الوحيد لقراءة القرآن الكريم وابتغاء الأجر والثواب من ورائها كان المصاحف المخطوطة التي لم تكن بالكثرة المعهودة حاليا، وقد تعرض الكثير منها للتلف وباتت غير صالحة للقراءة نتيجة كثرة التداول أو سوء الحفظ والخزن أو من جراء العوامل الطبيعية.

 

ويذكر الشيخ القره داغي أنه لاحظ أن “أعمار أغلب المصاحف المخطوطة الموجودة حاليا لدى بعض الأسر أو المكتبات لا يتجاوز 400 عام، إلا ما ندر، وأن المصاحف حينها ما كانت تخط لتحفظ في المخازن والأدراج، بل كانت تكتب لتكون وسيلة للتعلم والحفظ ونشر الإسلام ابتغاء للأجر والثواب، إذ كان ‘الواقفون’ للمصاحف يشترطون ألا يحبس أو يمنع أحد من قراءتها.”

 

ويتابع أنه هكذا كانت المصاحف “تتداول وتنقل من يد إلى أخرى ما جعلها عرضة للتلف على مدار السنين والأعوام مهما كانت محكمة الصنع، وهذا كان السبب الرئيس في جعل المصاحف المخطوطة عرضة للتفكك والتضعضع حتى أصبحت غير صالحة للقراءة أو الاستفادة منها. وحين ذلك كان أصحابها يعمدون إلى جمع المصاحف المتهالكة أو التي لا يمكن الاستفادة منها للتخلص منها بنحو يحافظ على قدسيتها، إما بدفنها في المقابر، أو وضعها في الكهوف، أو إلقائها في الأنهر، من دون أن يفكر أحد بتدوين أو جمع ما في خواتيمها من ذكريات وملاحظات وأسماء النساخ ومكانهم وتواريخ نسخها، فضلا عن الصيغ الوقفية الجميلة التي وقف بها الأمراء والمتنفذون وسواهم ممن أرادوا ابتغاء الأجر والثواب كصدقات جارية لهم على مر الزمن.”

 

وهكذا وجد الشيخ المحقق محمد علي قره داغي أن السبيل الوحيد أمامه كان “جمع العينات النادرة المتبقية من تلك المصاحف وهي كثيرة، إذ وجد كما كبيرا من النماذج التي تصلح للبناء عليها لكتابة تاريخ المصاحف في كوردستان، على أن تتم الإضافة عليها كلما سنحت الفرصة وتوافرت نماذج أخرى”، لكنه يعرب عن أسفه لأن معظم المصاحف المخطوطة الباقية في كوردستان “لم تجمع بعد في مكان واحد، بل وحتى لا يمكن معرفة مكان الكثير منها والوصول إليها لعدم وجود مراكز متخصصة تتكفل بجمع تلك المصاحف وحفظها في مكان واحد نتيجة تشتت الشعب الكوردي وتفرقه، وعدم تمكن أبنائه ومثقفيه من إدارة شؤونهم والعناية بموروثهم الثقافي والحضاري.”

 

ويذكر أن ما نجا من تلك المصاحف من الكوارث والعوامل الطبيعية تفرق على الأسر العلمية والمكتبات الخاصة، وتمسك من بحوزتهم نسخ بها، ولم يسمحوا لأحد بالاطلاع عليها، بل لم يبوحوا بأي معلومات عنها، فضلا عن تباعد المناطق واختلاف اللهجات والمذاهب وإخراج عدد لا بأس به من تلك المصاحف إلى خارج كوردستان.

 

جنود مجهولون

يمضي الشيخ القره داغي قائلا إن القرن العاشر وما يله “تميز بأنه شهد ضياع أو تلف عدد أقل من المصاحف المخطوطة مقارنة بما سبقه”، مشددا على أن “معظم ما حصل عليه من مصاحف أو صورها كان من كوردستان إيران، كما أنه اطلع على مصاحف موجودة في مكتبات بلاد الحرمين الشريفين (المملكة العربية السعودية)، وسمع عن أخرى موجودة في إسرائيل، دون أن يعني ذلك خلو باقي مناطق كوردستان من وجود مصاحف نفيسة لخطاطين كورد.”

 

ولم يغفل المؤلف ذكر أسماء مجموعة من الخطاطين، الذين يسميهم بـ”الجنود المجهولين”، وعدد المصاحف التي خطوها، وهم كل من عمر بن محمود الأيوبي، الذي خط أكثر من مئة مصحف، الشيخ عبدالله ابن الشيخ يوسف، الملا نذير الطويلي، محمد الجديد، الشيخ محمد الشيخ يوسف. علما أن لكل واحد منهم أكثر من مصحف لم تتسن معرفة عددها بالتحديد، لأسباب عدة منها التلف والضياع، أو إهمال الخطاطين أنفسهم توثيق أعمالهم ابتغاء للأجر والثواب.

 

ويؤكد الشيخ المحقق محمد علي القره داغي أن حب الكورد للقرآن الكريم “لم يقتصر على كتابة المصحف واستنساخه ونشره فحسب بل إنهم سعوا أيضا إلى تفسير القرآن وشرح آياته البينات وبيان إعجازه وتوضيح أساليبه البلاغية”، وينوه بأن المفسرين الكورد “شرحوا القرآن بأساليب مختلفة انتشرت في شتى البلدان الإسلامية والكثير منها لم ير النور برغم الرسائل أو الأطاريح العلمية التي تناولت بعضها مؤخرا.”

 

ويورد أن الكورد “برعوا أيضا في تجويد القرآن الكريم”، لافتا إلى أن من بين أولئك القراء من “برع وكان يقرأ القرآن ويعلمه للناس بالقراءات العشر فضلا عن تأليف مؤلفات طار بها الركبان إلى شتى البلاد الإسلامية ولا تزال تدرس إلى يومنا الحاضر.”

 

ويتمنى الشيخ المحقق محمد علي قره داغي من المعنيين “الاهتمام بالمخطوطات وآثار العلماء لأنهم يمثلون أركان الحضارة”، ويدعو إلى “استحداث جهة رسمية كوردية تعنى بجمع المخطوطات والمحافظة عليها.”

 

وتكللت مسيرة الشيخ القره داغي بالحصول على عدة جوائز محلية أو عالمية، منها جائزة اليونسكو لأفضل باحث عالمي بالأدب الإسلامي عام 2017، الجائزة الأولى من مؤسسة الفارابي العالمية لأفضل باحث بالأدب الإسلامي عام 2017، تكريم من قبل الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، وآخر من محافظة كوردستان الإيرانية كأحد مشاهير الكورد، وآخر من جامعة كوردستان بمدينة سنندج الإيرانية، وتكريم من قبل الأكاديمية الكوردية ومن جامعة سوران.

 

 

العرب

هەواڵی پەیوەندیدار

رئيس حكومة إقليم كوردستان يهنئ رئيس أذربيجان بفوزه بولاية جديدة

کەریم

مسرور بارزاني يعزّي رئيس الوزراء الاتحادي الأسبق عادل عبد المهدي بوفاة ابن أخيه

کەریم

بتوجيه من السوداني.. قاسم الأعرجي يصل أربيل

کەریم