رغم الانتقادات المحلية والخارجية الحادة التي تعرَّض لها البرلمان العراقي بعد مصادقته على تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، فإن البعثة الأممية في العراقي فضَّلت لغةً هادئةً في تصويبها للتعديل الجديد.
وقالت البعثة، في بيان صحافي: «تتابع الأمم المتحدة في العراق آخر التطورات فيما يتعلق بإقرار مجلس النواب العراقي تعديلات على قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، إلى جانب تشريعات مهمة أخرى».
وأكدت البعثة «أهمية ضمان أن تكون الإصلاحات القانونية متماشيةً مع التزامات العراق الدولية في مجال حقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بحماية حقوق ورفاه المرأة والطفل بما يرقى إلى مستوى وتطلعات الشعب العراقي، ويحافظ على الإنجازات والمكتسبات التاريخية».
وتحدَّثت البعثة الأممية، التي يقودها الدبلوماسي العماني محمد الحساني، عن تواصلها «بشكل مكثف مع الجهات العراقية المعنية؛ لتأكيد ضرورة إجراء حوار بنَّاء وشامل في هذا الشأن»، وقالت: «سنواصل جهودنا في هذا الاتجاه، وستظل الأمم المتحدة داعمةً للعراق في تطلعاته نحو دولة القانون واحترام حقوق الإنسان».
وما زال الجدل متواصلاً بين مؤيدين ورافضين لتعديل القانون، إذ يكرر مؤيدون أن الانتقادات التي تُثار حول تعديل القانون هدفها «التسقيط السياسي». وقال النائب حمدان المالكي الذي قدَّم نسخة التعديل إلى البرلمان، في تدوينة عبر «إكس»: «لا تغيير في جوهر مقترح القانون بمنح حرية الاختيار في الالتزام بالأحوال الشخصية، حسب القانون النافذ أو وفقاً لأحكام الشرع الإسلامي».
في حين يصف الرافضون التعديلَ بـ«الرجعي» ويركزون على مسألة سماحِه بتزويج «القاصرات» دون السن القانونية المقدرة بـ18 عاماً في الأوضاع الطبيعية، و15 عاماً في الأوضاع الخاصة شرط موافقة ولي أمر الفتاة، إلى جانب «حق حضانة» المرأة للأطفال دون سن 15 عاماً في حالات الطلاق، ويخشون من أن يقلل التعديل الجديد الفترة إلى 10 سنوات.
وثمة اعتراض متعلق بحرمان المرأة من إرث الأراضي في التعديل الجديد، ويرون أنه تعديل غير عادل، ويكرس التمييز بين الإخوة، ويتجاوز على حق المرأة في الميراث، وأيضاً الاعتراض الذي يتضمَّن حق الرجل في الزواج لأكثر من مرة دون مراعاة رضا الزوجة الأولى الذي يقرُّه القانون السابق.
«نصف نصر» لكل طرف
واستناداً إلى النص المُعدَّل وجملة من آراء الخبراء في المجال القانوني، يلاحظ أن التعديل الجديد حقَّق ما يشبه «نصف نصر» لكل من المعترضين والمؤيدين. ذلك أن الاعتراضات الشديدة من قبل طيف واسع من الشخصيات والمنظمات المحلية والدولية حول التعديل أرغم الجماعات المؤيدة داخل البرلمان على الإبقاء على خيار أن يحتكم المواطنون إلى القانون السابق في تنظيم شؤونهم الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق، إلى جانب أنه لم يلقَ موافقة ممثلي المكون السُّنِّي في البرلمان، وكذلك النواب الكورد الذين يعملون على قانون خاص للأحوال الشخصية، بمعنى أن التعديل الجديد أتاح لـ«فئة محددة» من المواطنين الشيعة العملَ بموجب أحكام التعديل الجديد، ويرجح أن تُفضِّل الأغلبية الشيعية العملَ بالقانون القديم.
أما الاتجاهات المؤيدة للقانون، ففي وسعها الشعور بـ«الانتصار» أيضاً لأنها تمكَّنت من تحقيق رغبة بعض الاتجاهات الدينية التي تناهض القانون السابق منذ عقود طويلة، واليوم بوسع اتباعها من المتدينين الركود إلى قانون وفق «الفقه الجعفري».
وينتظر التعديل الجديد للقانون وصول «المدونة الفقهية» التي سيكتبها رجال دين وخبراء في الشريعة من الوقف الشيعي بهدف العمل به في إقامة أحكام الزواج والطلاق والميراث. وهذه المرة الأولى التي يُصوِّت فيها البرلمان على قانون من «دون نص» أو على «نص تشريعي مؤجل» وكان ذلك أبرز حجج المعترضين على إقراره.
كانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قالت، الأسبوع الماضي، إن تعديل «قانون الأحوال الشخصية» من شأنه أن «يسمح للمرجعيات الدينية العراقية، بدلاً من قانون الدولة، بالإشراف على مسائل الزواج والطلاق والميراث، وذلك على حساب الحقوق الأساسية».
ورأت أن تعديل القانون ستكون له «آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات من خلال السماح بزواج الفتيات في سن التاسعة، وتقويض مبدأ المساواة بموجب القانون العراقي، وإزالة الحمايات المتعلقة بالطلاق والميراث للنساء».
وقبل إقرار القانون تعرَّض إلى اعتراضات محلية ودولية واسعة من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، لكن قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية أصرَّت على تمريره في البرلمان من دون الالتفات لتلك الاعتراضات.
الشرق الاوسط