دفع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق إلى إعادة النظر في مساعيها الرامية لإخراج القوات الأميركية من البلاد، وفقا مسؤولين عراقيين وأميركيين تحدثوا لوكالة “أسوشيتد برس”.
وقالت الوكالة إن سقوط الأسد، الحليف لإيران، أدى إلى إضعاف نفوذ طهران في المنطقة، مما جعل الجماعات المتحالفة معها في العراق تشعر بالضعف.
وأضافت أن الكثيرين في العراق يخشون أيضا من أن تنظيم داعش قد يستغل الفراغ الأمني للعودة من جديد، في وقت لا تزال فيه القيادة الجديدة في سوريا تعمل على ترسيخ سيطرتها على البلاد وتشكيل جيش وطني.
ونقلت الوكالة عن مسؤول في الإطار التنسيقي الشيعي قوله إن “معظم قادة الإطار يؤيدون بقاء القوات الأميركية في العراق، ولن يرغبوا في مغادرتها نتيجة لما حدث في سوريا.”
وأضاف “إنهم يخشون أن يستغل داعش الفراغ الأمني إذا غادر الأميركيون العراق، مما قد يؤدي إلى انهيار الوضع في البلاد”.
والإطار التنسيقي هو ائتلاف يضم في الغالب أحزابا سياسية شيعية متحالفة مع إيران، وهو الذي أوصل رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني إلى السلطة أواخر عام 2022.
وبالمقابل، قدم العديد من المسؤولين السياسيين والأمنيين العراقيين تقييمات مماثلة، متحدثين بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالإدلاء بتصريحات علنية.
وقال مسؤول رفيع المستوى في جهاز الأمن الوطني العراقي، إن جهازه أكد خلال اجتماع مع الحكومة العراقية، أنه “ليس من مصلحة العراق طلب انسحاب الولايات المتحدة والتحالف الدولي من العراق في الوقت الحاضر”.
وأضاف أن “الأصوات التي كانت تطالب سابقا بانسحاب القوات الأميركية من العراق تراجعت بشكل كبير، متوقعا “أنه لن يكون هناك انسحاب أميركي هذا العام.”
وبدوره، قال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية إنه ومنذ سقوط نظام الأسد طلب مسؤولون في الحكومة العراقية “بشكل غير رسمي وعلى أعلى المستويات” تأجيل إنهاء مهمة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم داعش في العراق، وكذلك تأجيل انسحاب القوات الأميركية من البلاد.
وأوضح المسؤول أن العراقيين قلقون من أن تنظيم داعش قد يستغل الفوضى التي أعقبت الإطاحة بالأسد ووجود مخازن ضخمة للأسلحة تركها الجيش السوري السابق، من أجل العودة مجددا، واصفا هذا القلق بأنه يمثل “مخاوف مشروعة” بالنسبة للعراقيين.
وبين المسؤول الأميركي، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالإدلاء بتصريحات علنية، أن “داعش لن يعود بقوة في المستقبل القريب، لكنه بالتأكيد يمكن أن يعود.”
من جهتها، لم تصدر الحكومة العراقية أي بيان رسمي بشأن إمكانية تمديد تفويض بقاء قوات التحالف.
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، الجمعة، إن “الأطر الزمنية بين العراق والتحالف الدولي لم تتغير”، مشيرا إلى أن الاجتماعات بين الجانبين لا تزال مستمرة.
ورغم أن العراقيين قد يحتاجون على الأرجح إلى تقديم طلب رسمي مكتوب لتمديد الجدول الزمني للانسحاب، فإن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد يتردد في تقديم الطلب علنا خوفا من أن يصوره خصومه المحليون على أنه تراجع بعد أن دعا في السابق إلى خروج الولايات المتحدة. وقد حاولت الحكومة العراقية الحفاظ على توازن دقيق بين علاقاتها بإيران والولايات المتحدة.
وكانت للجماعات المسلحة العراقية أيضًا علاقة معقدة مع القوات الأميركية، حيث كانت نفس الجماعات تهاجمها أحيانا، وفي أحيان أخرى تصبح حليفة ملائمة في قتال ضد عدو مشترك.
وخاضت قوات الحشد الشعبي، وهي تحالف من جماعات مسلحة شيعية مدعومة من إيران في المقام الأول، معارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2014، عندما اجتاح مسلحو التنظيم البلاد، واستولوا على مساحات شاسعة من الأراضي.
وقال ريناد منصور، الباحث البارز في مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن، إنه في حين لم يكن هناك “تنسيق نشط” بين القوات الأميركية وقوات الحشد الشعبي في ذلك الوقت “فإنهم كانوا يخوضون نفس الحرب على نفس الجانب ضد نفس العدو”.
وخلال الحرب في غزة، شنت بعض المجموعات التي تشكل قوات الحشد الشعبي هجمات بطائرات بدون طيار على قواعد أميركية في العراق وسوريا، لكنها لم تشن أي هجمات منذ سقوط الأسد.
وقال منصور إن الكثير من القلق في العراق بشأن مستقبل سوريا بعد الأسد ينبع من تاريخ العراق نفسه. ويتذكر العديد من زعماء البلاد الحاليين السنوات الفوضوية التي أعقبت سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين إثر الغزو الأميركي لبلادهم في عام 2003.
وقال “إذا كانت الحجة وراء سحب القوات الأميركية من العراق هي أن القتال ضد داعش انتهى وأن المنطقة مستقرة، فإن هذه الحسابات تغيرت بعد تغيير النظام في سوريا”.
وأضاف “إن التهديد الذي يشكله داعش في سياق سوريا غير المستقرة والهشة على مدى السنوات القليلة المقبلة حقيقي للغاية بالنسبة لإطار التنسيقي والحكومة في العراق”.
وكانت بغداد أعلنت في سبتمبر الماضي التوصل لتفاهم مع واشنطن حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق “على مرحلتين”.
وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي حينها إن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى من سبتمبر 2024 وحتى سبتمبر 2025 تشمل “بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين”، يليها انسحاب “في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق”، الإقليم الذي يحظى بحكم ذاتي في شمال البلاد.
وتنشر الولايات المتحدة زهاء 2500 جندي في العراق، في إطار التحالف الذي أنشأته عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ويضمّ التحالف كذلك قوات من دول أخرى لا سيّما فرنسا والمملكة المتحدة.
وكانت منظمة ستميسون الأميركية للدراسات قالت في تقرير تحليلي نشرته في 10 من يناير الماضي، أن الولايات المتحدة الأميركية لن تسحب قواتها من العراق نهائيا، مؤكدة أن الأنباء عن وجود مخطط أميركي للانسحاب خلال العام الحالي 2025، هي مجرد أنباء “للاستهلاك الإعلامي”.
وذكرت المنظمة في التقرير، أن “خسارة سوريا تمثل ضربة مدمرة للمحور الإيراني، الأمر الذي يجعل انسحاب القوات الأميركية من العراق أمرا مستحيلا، كونه سيقدم لإيران بديلا عن خسارتها لسوريا”، مشددة بحسب مسؤولين أميركيين على أن “الانسحاب الأميركي لن يكون ممكنا في المرحلة المقبلة نظرا للظروف الجديدة في المنطقة”.
وأكد السوداني في سبتمبر الماضي، قرب الإعلان عن جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من الأراضي العراقية، وفيما أشار إلى أن مبررات وجود القوات الأجنبية قد انتهت، رأى أن “لا حاجة لوجود التحالف على أراضينا”.
وفي سبتمبر العام الماضي، نشرت وكالة “رويترز”، تقريرا حول توصل الحكومة العراقية والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش، إلى تفاهم بشأن خطة إنهاء عملياته، وأن الخطة تتضمن خروج مئات من قوات التحالف الدولي من العراق، بحلول أيلول سبتمبر 2025، أما البقية فسيتم انسحابهم في العام 2026.