كشف إحجام السلطات العراقية عن تهنئة أحمد الشرع بتوليه منصب الرئيس الانتقالي لسوريا عن الموقف الحذر لبغداد من التعامل مع الوضع السياسي المستجدّ على الساحة السورية وذلك في تراجع عن الانفتاح الذي أبدته حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على السلطات السورية الجديدة ولاحت بوارده من خلال إيفادها رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري إلى دمشق بعد أقل من أسبوعين على سقوط نظام بشار الأسد، وما تلا ذلك من مواقف رسمية عراقية صبت في اتّجاه التعامل بإيجابية مع ما حدث في البلد الجار.
وأرجعت مصادر عراقية توقّف التواصل بين بغداد ودمشق عند تلك الزيارة التي طغى عليها الطابع الأمني إلى تأثير الأحزاب والفصائل الشيعية المتنفذة في الدولة العراقية والمشاركة في تشكيل الحكومة من خلال الإطار التنسيقي الشيعي، وهي قوى حليفة لإيران غير المرتاحة لما حدث في سوريا من تغيير أفضى إلى إزاحة حليفها الأسد من السلطة التي آلت إلى حلفاء قطر وخصوصا تركيا منافستها الرئيسية على النفوذ في المنطقة.
وتحدّثت ذات المصادر عن ضغوط إيرانية غير مباشرة على بغداد وعن طريق تلك الأحزاب والفصائل نفسها بهدف منع إقامة علاقات جيدة بين حكومة السوداني والنظام الجديد في دمشق.
ويظهر ذلك من خلال الخطاب السياسي والإعلامي السلبي الذي ما تزال الأحزاب والفصائل الشيعية العراقية تستخدمه في الحديث عن التغيير الذي حدث في سوريا وفي توصيف قيادتها الجديدة التي ما تزال وفقا للخطاب ذاته مجرّد فرع لتنظيمات متشدّدة.
ويخالف ذلك الخطاب الأسلوب البراغماتي الذي رغبت الحكومة في التعامل به مع الوضع في سوريا عندما أعلنت إثر سقوط نظام الأسد عدم نيتها التدخل في الشأن السوري وقرّرت استئناف عمل البعثة الدبلوماسية العراقية في دمشق.
وقال مصدر نيابي عراقي إنّ تركيا الصديقة للقيادة السورية الجديدة لم تكن بعيدة عن الموقف الإيجابي الذي ظهر بداية في التعاطي الرسمي العراقي مع الوضع السوري الجديد، كاشفا عن مقترحات تقدمت بها الحكومة التركية لنظيرتها العراقية بشأن تعاون ثلاثي بين أنقرة ودمشق وبغداد مفيد في عدّة مجالات أكثرها استعجالا الملف الأمني الذي قفز إلى صدارة اهتمام السلطات العراقية بمجرّد سقوط نظام الأسد ورواج مخاوف بشأن انفلات تنظيم داعش من جديد وعودته لتهديد أمن العراق واستقراره.
وأوضح ذات المصدر أنّ الحكومة العراقية أبدت ترحيبا مبدئيا بالمقترح لكنّها لم تكن تستطيع التسرّع في تبنيه وإعلانه نظرا لصعوبة تجاوز مواقف حلفاء إيران ذوي السطوة على قرارها، ولذلك آثرت الحذر والتريث، ملخصا الموقف الحكومي بأنّه موزع بين الرغبة في الانحياز للبراغماتية التركية والتخوّف من ردة فعل إيران عن طريق حلفائها المحليين.
وغير بعيد عن هذا السياق ذكرت صحيفة ديلي صباح التركية أن هناك إمكانية لتعاون عراقي-تركي-سوري في مكافحة الإرهاب، مشيرة إلى أن نجاح هذا التعاون يعتمد على موقف بغداد تجاه الحكومة السورية الجديدة وحزب العمال الكوردستاني.
وأصبحت قيادات حزبية عراقية تتخّذ من الهجوم على السلطة الجديدة في دمشق والتحذير من تبعات الوضع السوري على العراق مصدر دعاية سياسية وانتخابية خصوصا مع بدء المسير نحو الانتخابات البرلمانية المقررة خلال الثلاثي الأخير من السنة الحالية.
وحذّر نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون من تكرار التجربة السورية في العراق قائلا في خطاب بتجمع عشائري في كربلاء إنّ “الطائفيين والبعثيين بدأوا يتحركون في غفلة من الأجهزة الأمنية.”
ولائتلاف المالكي نفسه موقف سلبي من الحكام الجدد لسوريا عبّر عنه في وقت سابق على لسان عضوه القيادي حيدر اللامي الذي قال إنّه “من السذاجة الاطمئنان إلى الجماعات الإرهابية في سوريا أو إلى شخصيات مشبوهة ذات ارتباطات خارجية،” مشيرا إلى أن “هذه العلاقات محملة بشتى أنواع الفتن والتدخلات،” ومعتبرا أنّ “الدعم الدولي لهذه الجماعات يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية من وراء ذلك على الرغم من تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، إلا أن بعض القوى تغض الطرف عن أنشطتها سواء بحكم الضرورة الجيوسياسية أو بهدف استخدامها كأداة لتحقيق توازنات معينة في سوريا.”
ورأى أن أحمد الشرع “مهما حاول تبييض صورته فإن الحقائق على الأرض تثبت أن هيئة تحرير الشام لا تزال جماعة متشددة تعتمد على العنف وتخدم أجندات لا تتوافق مع مصلحة السوريين أو دول الجوار.”
وفي ضوء هذا الموقف ظل الماضي الجهادي للرئيس السوري الجديد يلقي بظلاله على العلاقة بين بغداد ودمشق، وهو ما تجلّى في إحجام السلطات العراقية عن تهنئة الشرع بتوليه رئاسة سوريا.
ولم توجّه أي جهة نيابية أو حكومية أو رئاسية في العراق تهنئة لأحمد الشرع بتوليه الرئاسة، وذلك على خلاف غالبية دول المنطقة التي سارعت إلى تهنئته.
وأعلنت الإدارة السورية الجديدة الأسبوع الماضي عن تعيين الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية، بينما فوضته إدارة العمليات العسكرية لتشكيل مجلس تشريعي مؤقت يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد.
وقال القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي محمود الحياني إن “العراق لم يقدم التهاني إلى أحمد الشرع بتسلمه رئاسة سوريا، بسبب وجود ملاحظات وإشكاليات على الرجل نفسه وكذلك على أشخاص آخرين ضمن حكومته خصوصا وأن عليهم قضايا إرهابية داخل العراق.”
وأضاف في تصريح لوكالة شفق نيوز الإخبارية أن “العراق ليس ضد تغيير النظام في سوريا إطلاقا وإنما لديه ملاحظات على بعض شخوص هذا النظام، وعدم التهنئة لا يعني القطيعة الدبلوماسية بين بغداد ودمشق، بل العلاقة مستمرة وهناك تواصل خاصة في ما يتعلق بالجانب الأمني لتأمين الحدود وإبعاد أي مخاطر إرهابية عن العراق خلال المرحلة المقبلة.”
العرب