خلق توجيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإيقاف جل المساعدات الخارجية حالة من الفوضى بين مجموعات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية العاملة في العراق، ما يوحي بأن العراق سيكون أول من يحس بسياسة “أميركا أولا” التي يطبقها ترامب.
وتدعم أموال وزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية مجموعة واسعة من البرامج في العراق، بما يشمل ملاجئ النساء الهاربات من العنف المنزلي، والتدريب على ريادة الأعمال لتعزيز القطاع الخاص، والجهود المبذولة لإيواء اللاجئين الذين تكاثرت أعدادهم بعد الحرب على داعش.
ويمكّن التمويل من إعادة إدماج اللاجئين والنازحين داخليا، مثل سكان مخيم الهول في سوريا. وتعتمد وسائل الإعلام المستقلة على المنح الأميركية للتوغل في مشهد إعلامي مرتبط بأجندات حزبية وطائفية.
واحتفلت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية خلال يناير الماضي بنجاح برنامج يهدف إلى تنشيط صناعة السياحة المحلية في العراق، وتوقعت أن يخلق هذا الأمر فرص العمل ويدعم التنويع الاقتصادي. لكن هذا التقدم توقف الآن بعد قرار تجميد المساعدات الأميركية.
ويواجه المستفيدون من البرامج التي تدعمها الولايات المتحدة حالة من عدم اليقين بشأن ما إذا كان تمويلها سيستأنف أم لا. ويستعد الآلاف من موظفي المنظمات غير الحكومية لسيناريو تسريح العمال أو الإجازات الممتدة، وتخشى بعض المنظمات من نفاد الموارد قبل انتهاء فترة التوقف المؤقت، وهو ما قد يدفعها إلى الإغلاق الدائم في ظل غياب تام للحكومة العراقية.
وعلى عكس اهتمام دول مثل مصر بموضوع تعويض المساعدات الأميركية، فإن الحكومة العراقية لم تظهر أيّ اهتمام بنتائج القرار الأميركي ولم تعلن عن خطط طارئة لتعويض المتضررين.
وقال أحد العاملين في منظمة غير حكومية أجنبية في أربيل لعرب دايجست بعد وقت قصير من الإعلان “نشهد هذه الموجة من الفوضى. لا يعرف أحد كيفية التعامل معها”.
وأبرز المتضررين من تجميد المساعدات الأميركية النساء اللاتي يواجهن العنف المنزلي والنازحون الذين يواجهون إهمالا متواصلا منذ أكثر من عشر سنوات.
وأعلنت وزارة الخارجية في 24 يناير أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أوقف مؤقتا جميع المساعدات التي تمولها وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية في انتظار المراجعة. ويهدف التقييم إلى ضمان توافق هذه البرامج مع أجندة “أميركا أولا”. وينطبق هذا التوجيه على مستوى العالم، ويؤثر حتى على أقرب حلفاء واشنطن.
وأوضح أحد مسؤولي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الموظفين أن الإيقاف المؤقت يعني التوقف التام وأن كل برنامج سيواجه تقييما صارما، منذرا بالإجراءات التأديبية في حال عدم الامتثال للتوجيهات.
وبعد فترة قصيرة من هذا، بدأت أوامر وقف العمل تتدفق إلى صناديق البريد الإلكتروني الوارد العراقية. وأكدت العديد من المنظمات تلقي هذه الإخطارات في غضون أيام.
ولا تزال مجموعات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الدولية وشركات القطاع الخاص تحاول تحديد تبعات وقف العمل على عملياتها. ولئن كان التمويل الأميركي لا يمثل سوى جزء من الدخل، بالنسبة إلى البعض، فإنه غالبا ما يشكل جزءا مهما من محفظتهم المالية.
ويحمل تجميد المساعدات تداعيات جيوسياسية أوسع نطاقا، مما قد يقوض علاقات الولايات المتحدة مع شركائها الرئيسيين، بما في ذلك إقليم كردستان العراق ذو الأهمية الإستراتيجية. وأعرب رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، خلال منتدى دافوس الذي انعقد في 20 يناير، عن “أمله في استمرار الدعم الأميركي”.
لكن توجيهات روبيو توجه ضربة إلى هذا التفاؤل. وعلى الرغم من أن إقليم كوردستان لم يكن مستهدفا مباشرة، إلا أنه يشعر بالتأثير العالمي الناجم عن التوقف المؤقت.
ويعد قطاع التنمية محركا اقتصاديا بالغ الأهمية في مناطق مثل أربيل، حيث يدعم تمويل المساعدات الآلاف من الوظائف المستقرة ذات الأجور الجيدة. وتدعم القوة الشرائية التي يحظى بها هؤلاء العمال سبل عيش إضافية بشكل غير مباشر.
ويتزامن سحب التمويل الإنساني وتمويل المجتمع المدني مع خطط لتقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق. وستنتهي مهمة التحالف الدولي بحلول 2026 تزامنا مع انتهاء مذكرة تفاهم وزارة الدفاع لدعم إصلاح البيشمركة في حكومة إقليم كوردستان والتمويل المرتبط بها.
ويخشى البعض أن يفتح هذا الأبواب أمام خصوم واشنطن، لكن التداعيات المباشرة تبقى محلية، حيث ستتراجع فرص الوظائف ذات الأجور المرتفعة، وتتلاشى أصوات المجتمع المدني المهمة، وستعاني الفئات التي تحتاج إلى المساعدة العاجلة.