رواية “مرآة بركان الجنرال” للكاتب والشاعر الكوردي العراقي صلاح جلال رواية تستكشف بعمق تاريخ القضية الكوردية، من خلال شخصية الجنرال مصطفى بارزاني (1903 – 1979)، القائد الذي شكل رمزا للنضال الكوردي، والذي واجه تحديات سياسية وعسكرية جسيمة عبر عقود.
تدور أحداث الرواية في غرفة مستشفى بالولايات المتحدة، حيث يعيش بارزاني لحظاته الأخيرة، مستعيدا ذكريات النضال والمآسي التي مر بها، بأسلوب يعتمد على تقنية التداعي الحر، التي تسمح للكاتب بالتنقل بين الماضي والحاضر، وإعادة بناء لحظات مصيرية من خلال عدسة الذاكرة والتجربة الشخصية.
تمزج الرواية، الصادرة عن منشورات رامينا في لندن بترجمة ياسين حسين، بين السرد التاريخي والأسلوب الأدبي المكثف، حيث تتداخل الوقائع الموثقة مع جمالية السرد الفني، ما يجعلها وثيقة أدبية وإنسانية وتاريخية في آنٍ واحد.
يطرح العمل أسئلة جوهرية حول مصائر الشعوب والهوية والصراع من أجل البقاء، وهو ما يجعلها ذات بعد واسع يتجاوز القضية الكوردية إلى الإطار الإنساني الأوسع.
كما تقدم الرواية قراءة نقدية للتاريخ، حيث تبرز دور الأبطال والمقاومين في تشكيل الوعي الجماعي للأمة الكوردية. وتعتمد على فلسفة مفادها أن التاريخ لا يقتصر على كونه سجلاً للأحداث، إنما مرآة تعكس قضايا أكبر، تتجاوز الأفراد لتشمل مصائر الأمم.
يعيد جلال في “مرآة بركان الجنرال”، تركيب الذاكرة الكوردية في قالب روائي مشبع بروح التاريخ وفرادة حكاياته، متجاوزاً السرد التقليدي ليغوص في ثنايا الزمن، حيث يستدعي شخصية الجنرال الملا مصطفى بارزاني؛ القائد الذي يبقى رمزا تاريخيا للكورد، ورجل المبادئ الذي لم تهزمه المحن ولم تزعزعه المؤامرات، والذي حمل لواء الحرية لشعبه، وأضاء دروب المقاومة بصلابته وحكمته.
تمتزج في هذه الرواية تقنيات السرد التاريخي بالمنظور الذاتي، حيث تصبح الغرفة التي يقضي فيها الجنرال أيامه الأخيرة نافذة على زمن يتشظى بين لحظة الموت الآتي وأزمنة الصراع والمقاومة. في تلك اللحظات الحاسمة، تتجلى مآثر بارزاني في استحضار بطولاته، حيث تتحول معاركه من أحداث عسكرية إلى محطات تؤسس لمفاهيم الكرامة والحرية، ويظهر كيف كان صاحب رؤية حملت آمال الأمة بأكملها، وصانع التحولات الكبرى في التاريخ الكوردي الحديث.
يسرد الروائي كيفية تبلور التاريخ في وعي البشر وتحول الألم الشخصي إلى ذاكرة جمعية، وكيف تتشابك الحقيقة والأسطورة في نسيج لا فكاك منه، ويبني معماره السردي في مشهديات أدبية بديعة، ويجدد السؤال عن مصير أمة من خلال تجربة قائد تماهت سيرته مع تاريخ شعبه، حتى باتت ذكرياته صفحات خالدة من النضال، تستعيدها الرواية بمزيج من الحنين والتوثيق.
تترك الرواية القارئ في مواجهة سؤالها الكبير: هل يمكن للزمن أن يكون مرآة للتاريخ، أم أن التاريخ هو الذي يصنع مراياه الخاصة، تلك التي تعكس لنا ما نريد رؤيته، وتخفي عنّا ما لا نطيق النظر إليه؟ وربما، في انعكاس تلك المرايا، سنظل نرى وجه القائد بارزاني، وملامحه المشدودة إلى حلم متجدد لا يموت.
ويمكننا اعتبار هذه الرواية سيرة غيرية، حيث يستعيد الكاتب شخصية تاريخية حقيقية، لكنه يضفي عليها من خياله ليجعل منها شخصية روائية بامتياز، شخصية حاملة لأبعاد ورؤى تسمح بتشكيل النص السردي وفق تصورات الكاتب التاريخية والجمالية والفكرية.
وتسمح حياة مصطفى بارزاني الثرية باستلهامها روائيا، إذ انطلقت مسيرته النضالية مبكرا منذ أن سُجن عام 1906 مع والدته في الموصل وهو في السنة الثالثة من عمره من قبل والي الموصل محمد فاضل باشا بتهمة المشاركة في انتفاضة الشيخ عبدالسلام بارزاني، ليخوض بعدها منذ فترة الشباب المبكر نضالا لأجل تحقيق حقوق شعبه، وافتكاك الاعتراف بهم.
يذكر أن صلاح جلال، روائي وشاعر كوردي من مواليد السليمانية – شهربازار 1963، حصل على شهادة الماجستير في مقارنة الأديان وحوار الحضارات من الجامعة العراقية في بغداد عام 2021، وهو عضو في اتحاد أدباء الكورد، والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، ونقابة الصحافيين في كوردستان.
نشر العديد من الأعمال الأدبية باللغتين العربية والكوردية، من بينها دواوين شعرية مثل “سقوط الكون” و”جبل الماء”، وروايات “مرآة بركان الجنرال” التي صدرت بطبعات متعددة. ويعد من الأصوات البارزة في الأدب الكوردي الحديث، حيث يتناول في كتاباته قضايا الهوية، النضال، والتجربة الإنسانية الكوردية.
أما ياسين حسين، فشاعر ومترجم كوردي، من مدينة عامودا. يعمل مديراً لقسم الطباعة والأبحاث في معهد التراث الكوردي منذ عام 2010، حيث راجع العشرات من الكتب التي نُشرت في المعهد. له العديد من المؤلفات الشعرية والسردية، بالإضافة إلى عشرات الترجمات بين العربية والكوردية.
العرب