لا تلقى “المعركة” القانونية والإعلامية الدائرة في العراق حول تجريم المثلية الجنسية وإنزال عقوبات شديدة بممارسيها صدى شعبيا كبيرا كون القضية هامشية في نظر غالبية سكّان البلد الذي يعاني رغم ثرائه ووفرة عائداته النفطية أوضاعا اجتماعية معقّدة بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في مجتمعه، وضعف الخدمات الأساسية وانعدامها في الكثير من مناطقه.
ولم تنجح قوى الإسلام السياسي الشيعي التي أثارت القضية ومنحتها أولوية الطرح في مجلس النواب في مقابل تأجيل مناقشة قضايا أكثر أهمية والتصاقا بمشاغل رجل الشارع، في استقطاب الاهتمام الشعبي عدا مشاركة عدد محدود من أتباع تلك القوى والمتأثرين بدعايتها القائمة على تقديم نفسها حامية للدين والقيم الأخلاقية من مظاهر “الانحراف والشذوذ”، في الجدل الدائر حول القضية.
كما لم تنجح، على الطرف المقابل، الدوائر والجهات السياسية والحقوقية الدولية في جلب تعاطف العراقيين مع المثليين والتأييد لـ”حقوقهم” التي يراها العراقيون ترفا في ظل افتقار البلد لحقوق أساسية من بينها الشغل والعلاج والغذاء وسائر مظاهر الحياة الكريمة في بيئة صحية وسليمة، فضلا عن الحرية الإعلامية والسياسية التي ضاق نطاقها إلى أبعد حدّ في ظل حكم الأحزاب الطائفية، وهيمنة الميليشيات المسلّحة على المشهد.
وأقرّ البرلمان العراقي مؤخّرا قانونا يجرم العلاقات المثلية والتحول الجنسي بعقوبة السجن حتى خمسة عشر عاما، بعد أن كانت النسخة الأولى تنص على عقوبة الإعدام.
وسارعت دول غربية من بينها الولايات المتحدة إلى إدانة التعديل القانوني والتعبير عن قلقها من تبعاته. كما انتقدت منظمة العفو الدولية “انتهاك حقوق الإنسان الأساسية”، معتبرة أن التعديلات التي اعتمدت “تشكل خطرا على العراقيين الذين يتعرضون بالفعل للمضايقات اليومية”.
واعتُمد هذا النص القانوني الذي يمثل تعديلا لقانون مكافحة البغاء لعام 1988 خلال جلسة برلمانية حضرها 170 نائبا من أصل 329.
وتنص الأحكام الجديدة على عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 10 و15 عاما بالنسبة للعلاقات المثلية فضلا عن تبادل الزوجات.
كما يحظر القانون “نشاط أي منظمة تروّج للبغاء والمثلية الجنسية في العراق”، ويعاقب عليه بالسجن سبع سنوات بتهمة الترويج للعلاقات المثلية.
ويمنع “تغيير الجنس البيولوجي للشخص بناء على الرغبات والميول الشخصية” تحت طائلة تعريض كل من غيّر جنسه وأي طبيب أجرى العملية لعقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات. وتطبّق عقوبة مماثلة على أيّ رجل يمارس التخنّث بشكل مقصود أو يروّج له.
وتقول مصادر عراقية إنّ العراق شهد بالفعل تغيّرات مجتمعية طالت بعض ممارسات سكانه وأخلاقياتهم العامّة، لكنّها تؤكّد في المقابل أن مسألة المثلية الجنسية وبعض الممارسات اللصيقة بها لا تزال تمس أعدادا محدودة من العراقيين.
وبعيدا عن القانون، تمارس جهات دينية وسياسية ضغوطا تلقائية على المثليين. ويقول سيف علي إنّه غادر العراق بعد تعرّضه لتهديدات جعلت حياته صعبة، إلا أن حلم العودة الذي لم يغادره بات اليوم مستحيلا إثر إقرار القانون الذي يجرّم العلاقات المثلية ويعاقب ممارسيها بالسجن.
ويقول علي البالغ ستة وعشرين عاما لوكالة فرنس برس “كانت مغادرة العراق من أصعب الأمور في حياتي. لكني أجبرت على الرحيل حيث لم يكن لدي أي خيار آخر”.
وكانت أولى الضغوط التي سلطت على الشاب قد صدرت عن عائلته التي وضعته تحت “الإقامة الجبرية” ومنعته من الخروج من البيت، حتى إنها سحبت منه مستنداته الشخصية لنحو عامين بسبب مظهره ولكونه ليس مثل باقي الأولاد.
ويقول علي إن أفراد مجتمع الميم كانوا “يتعرّضون أساسا لأشكال مختلفة من العنف، مثل القتل والاغتصاب والاختطاف والابتزاز”. ويضيف “أعتقد أن الفترة المقبلة ستكون أكثر ظلامية” بعد صدور التعديلات القانونية الجديدة.
وحذّر ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي من أن التعديلات تتضمّن لغة غامضة تفتح المجال لتفسيرات واسعة.
وتحدث النائب في البرلمان العراقي مصطفى سند على موقع إكس عن ضغوط مارستها سفارات دول أوروبية والسفارة الأميركية لمنع تمرير التعديل.
وتقول ناشطة طلبت عدم الكشف عن اسمها حفاظا على سلامتها إن “الحياة في العراق غير آمنة”. وكرّست الشابة البالغة من العمر تسعة وعشرين عاما، نشاطها لسرد تجارب أفراد من مجتمع الميم في بلادها لكن مدوّنتها الإلكترونية ما لبثت أن اختُرقت وأُزيلت في العام 2018 إثر تهديدات عدّة.