على ضفاف نهر الراين، في قلب مدينة كولن الألمانية، ارتفعت راية كوردستان لتعانق السماء بمجدها وعزتها، فيما تراقصت أصوات الطبول وألحان الزرنا مع زقزقة العصافير، لترسم لوحةً زاهيةً من الفرح والأمل. احتشد الآلاف من أبناء الجالية الكوردية، القادمين من مختلف أنحاء أوروبا والعالم، في مشهد مهيب يعكس عمق الانتماء والهوية.
وسط هذا الزخم الجماهيري، اعتلى رئيس الجالية الكوردية، شفاء بارزاني، المنصة، ملقيًا كلمة ترحيبية بهذه المناسبة العظيمة، عيد نوروز القومي، الذي يحل في الحادي والعشرين من شهر آذار من كل عام، معلنًا بداية ربيع القلوب، ربيع الخير والعشق. وفي خطابه، وجّه بارزاني تهنئته إلى شعوب العالم كافة، وإلى الشعب الكوردي على وجه الخصوص، ناقلًا برقية تهنئة من الرئيس مسعود بارزاني. كما أكد التزام الجالية الكوردية بأن تكون صوت كل كوردي في جميع أجزاء كوردستان، متمنيًا أن يكون نوروز هذا العام رمزًا لحرية غرب كوردستان.
جاء شعار نوروز كولن هذا العام تعبيرًا واضحًا عن التضامن مع الشعب الكوردي في غرب كوردستان، حيث تجلّت الوحدة في الهتافات والزغاريد التي علت إلى عنان السماء، احتفالًا بانتصار كاوا الحداد وكسره قيود الظلم والاستبداد، وأيضًا رفضًا للدستور المؤقت في سوريا، الذي وصفه الشباب الكوردي بأنه دستور جائر لا يمثلهم، ولا يتضمن أي بنود ديمقراطية تضمن حقوقهم المشروعة.
في لفتة تاريخية، شارك رئيس بلدية كولن في الاحتفال، مهنئًا الشعب الكوردي بهذه المناسبة، ومشيرًا إلى أن هذا التجمع الجماهيري غير المسبوق في ألمانيا يعكس بوضوح مطالب وحقوق الشعب الكوردي في غرب كوردستان، مؤكّدًا أن لهذه الرسالة صدى واسعًا في أوروبا والعالم، وأن الشعب الكوردي شعب مسالم يعشق الحرية والسلام. وقد حمل علم كوردستان بين يديه، فيما بادله الجمهور التحية بزفه بأوراق الورود، في مشهد جسّد معاني الاحترام والتقدير.
بثّت قنوات كوردية وعالمية، مثل روداو، وكوردستان تي في، وكوردستان 24، فعاليات هذا الحدث التاريخي مباشرةً، ناقلةً للعالم صورة شعب يناضل من أجل قضيته العادلة بأسلوب حضاري وسلمي. أثبت الكورد في المهجر أنهم ليسوا مجرد مهاجرين، بل أصحاب قضية راسخة، يرفعون راية الحرية أينما حلّوا.
كتب نوروز كولن هذا العام صفحةً جديدة في تاريخ النضال الكوردي، حاملًا رسالة سلام ومحبة مستوحاة من قائد الأمة الكوردية، رمز النضال، الرئيس مسعود بارزاني. لقد تركت الجالية الكوردية في هذا الاحتفال بصمةً لا تُمحى في سجلات التاريخ، مؤكّدةً أن النضال الحقيقي ليس بالسلاح وحده، بل بالإصرار، بالوحدة، وبالإيمان بالحق.
نوروز كولن لم يكن مجرد احتفال، بل كان صرخةً مدويةً في وجه الظلم، ونشيدًا للحرية والكرامة. إنه يومٌ حمل فيه الشعب الكوردي شجرة الزيتون المباركة، رمزًا للسلام الذي ينشده، لكن هذا السلام لا يزال يواجه الاحتلال والقمع. ومع ذلك، يبقى نوروز شعلةً متقدةً، تلهم الأحرار، وترسّخ في الأذهان أن النصر حتميٌ لمن يؤمن بقضيته العادلة.
وفي نهاية الاحتفال، حتى السماء باركت مجد نوروز كولن بزخّات المطر التي بلّلت وجوه الحاضرين برسالة سماوية، مباركةً لهذا الشعب العظيم والمقاوم منذ الأزل إلى الأبد، مطالبًا بحقه: “يان كوردستان يان نه مان”.