كشف التراجع السريع عن قرار إقالة أبوزينب اللامي العضو القيادي في ميليشيا كتائب حزب الله العراق من منصب مدير لأمن الحشد الشعبي، وذلك بعد حوالي أربع وعشرين ساعة فقط من صدور القرار عن رئاسة هيئة الحشد الشعبي، عن حالة الاضطراب الكبير الناتجة عن اشتداد الصراعات داخل الهيئة المشرفة على المنظومة المشكّلة من العشرات من الميليشيات والتي تحوّلت إلى جيش رديف يتحكّم بمقدّرات مالية ضخمة ويتمتّع بنفوذ كبير يتجاوز حدود الأمن إلى مجالي السياسة والاقتصاد.
وأعلن في وقت سابق هذا الأسبوع عن قرار رئيس هيئة الحشد فالح الفياض إقالة اللامي من منصبه كمسؤول عن مديرية الأمن والانضباط في الهيئة.
لكنّ الهيئة عادت بعد ذلك بحوالي أربع وعشرين ساعة لتتراجع عن القرار بسبب ما سمّته مصادر عراقية متعدّدة ضغوطا شديدة على الفياض مارسها قادة ميليشيات وسياسيون نافذون في حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني.
وقالت المصادر إن التراجع عن قرار إقالة اللاّمي بقدر ما أخرج إلى العلن صراع الأجنحة داخل الحشد الشعبي، فقد كشف عن مكانة الرجل وعن نفوذ ميليشيا كتائب حزب الله التي ينتمي إليها والتي تعتبر إحدى أقوى الأذرع الإيرانية المسلحة في العراق وأكثرها التزاما بتنفيذ تعليمات الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك ما يتعلّق منها بالتعرّض للقوات والمصالح الأميركية على الأراضي العراقية.
وسبق للولايات المتّحدة أن فرضت عقوبات على اللاّمي واسمه الحقيقي حسين فالح لدوره في قمع وقتل المتظاهرين المشاركين في انتفاضة أكتوبر 2019 بالعراق.
وتحدّث أحد المصادر عن دور لعبدالعزيز المحمداوي المعروف باسم أبوفدك قائد أركان الحشد الشعبي في إعادة اللامي إلى منصبه وذلك بهدف إحباط محاولات فالح الفياض والجناح المساند له إدخال تغييرات في تركيبة الهيئة الإدارية للحشد يمكن أن تطال المحمّداوي نفسه.
وحرص نفس المصدر على التوضيح بأن ما يجري داخل الحشد من صراعات أجنحة إنّما يدور في نطاق المعسكر الواحد الموالي لإيران التي عادة ما تتدخل عند اشتداد تلك الصراعات لتلعب دور الحكم بين أقطابها.
ويُعتبر فالح الفياض الذي سبق له أن شغل منصب مستشار مجلس الأمن القومي العراقي من الموالين لإيران لكن اللامي يبدو أكثر قربا منها وولاء لها.
وينتمي الحشد الشعبي الذي مثل منذ إنشائه بهدف محدّد هو مواجهة تنظيم داعش مصدر مشاكل أمنية ومثار قلاقل طائفية، صوريا للقوات المسلّحة العراقية ويفترض أنّه خاضع لإمرة رئيس الوزراء الذي يتولى أيضا منصب قائد أعلى لتلك القوات، لكنه في الواقع لم يتخّل عن ولائه لقادته الأصليين زعماء الميليشيات التي يتشكّل منها، كما لم يقطع صلته بالحرس الثوري الإيراني.
وسبق للامي أن انخرط بفعل انتمائه لكتائب حزب الله في أعمال مضادة لمصالح الولايات المتحدة ولقواتها ومن ذلك قيادته عملية اقتحام أسوار السفارة الأميركية في بغداد سنة 2020 بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وأبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي في هجوم بطائرة مسيرة أميركية.
وكان اللامي على صلة مباشرة بسليماني الذي كان يتمتع بنفوذ واسع وسلطة على الميليشيات الشيعية العراقية. ومنحت هذه العلاقة المسؤول عن الأمن والانضباط في الحشد نفوذا واسعا وحصانة إيرانية تجاوزت حتى سلطة الفياض نفسه.
وقال المصدر إنّ إعادة اللامي إلى منصبه تشكّل هزيمة شخصية للفياض المستهدف منذ فترة طويلة من قبل خصومه ومنافسيه على منصب رئاسة هيئة الحشد.
وتوقّعت أن تحيي قضية اللاّمي الحملة ضدّه كونه لامس خطّا أحمر بإقالته عنصرا يمثّل حلقة مهمّة في شبكة نفوذ متداخلة ذات امتدادات سياسية وأمنية تتصل بإيران وحرسها الثوري ولها تشعبات مالية واقتصادية عبر صلتها بشبكات تهريب العُملة والأسلحة والمخدّرات وتحويل أموال المشاريع العمومية والاستيلاء على أملاك الدولة من أراض وغيرها.
ورغم أنّ اللامي يترأس جهازا داخل الحشد الشعبي مسؤولا عن معاقبة قادة الحشد في حال ارتكابهم مخالفات، إلاّ أن اتهامات لاحقته هو نفسه من قبل سياسيين وبرلمانيين بالاستيلاء على أراض زراعية تابعة للدولة، وبالتورط المباشر في صراعات الميليشيات وقادتها على محلات القمار وتجارة الخمور والدعارة.
وارتبط اسم اللاّمي بعمليات اقتحام صالات القمار العاملة تحت حماية ميليشيات منافسة للميليشيا التي ينتمي إليها وسط العاصمة بغداد.
وبعد رواج خبر التراجع عن قرار إقالته كتب اللاّمي عبر منصة إكس متوجّها بالشكر لن سمّاهم “الشرفاء” الذين وقفوا معه “وقفة مشرفة” وكانوا سندا له “في هذه الفترة الحرجة والقرارات الظالمة التي كانت بتوجيه من الاحتلال الأميركي”، بحسب تعبيره.
وتضمنت العبارة الأخيرة إشارة غير مباشرة لفالح الفياض الذي لم يعد تخوينه واتّهامه بالتواطؤ من أعداء الحشد الشعبي أمرا مستثنى من وسائل خصومه لإزاحته من منصبه المهمّ.
ويشن منافسون للفياض على رئاسة هيئة الحشد الشعبي حملات متلاحقة على الرجل الذي تمكّن إلى حدّ الآن من الصمود في وجه المحاولات المتكررة لإقالته من المنصب الذي أصبح من أهم المناصب في الدولة العراقية بفعل القوة الكبيرة الأمنية والسياسية التي اكتسبها الحشد منذ إدماجه ضمن القوات المسلحة النظامية وحصوله على تمثيل تحت قبة مجلس النواب، بالإضافة إلى الهالة الدينية التي رافقته منذ تأسيسه استنادا إلى فتوى من المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني والسمعة التي اكتسبها من خلال مشاركته في الحرب ضد تنظيم داعش ما حدا ببعض القوى الشيعية العراقية لإطلاق تسمية “الحشد المقدّس” عليه.
وقبل أشهر قليلة استغلّ خصوم الفياض قيامه بتعديلات على تموقع القوات في بعض المناطق لاتهامه بالسعي لإشعال فتنة داخل الحشد، ولتحريك احتجاجات ضدّه في تلك المناطق.
وبلغت الحملة على الفياض مداها إثر قيامه بزيارة إلى محافظة الأنبار غربي العراق التقى خلالها الوجيه القبلي السنّي علي حاتم السليمان الذي تتهمه الأحزاب الشيعية بدعم الإرهاب واحتضانه.
واستغلت كتلة صادقون التابعة لعصائب أهل الحق في مجلس النواب العراقي الزيارة داعية على لسان النائب علي تركي الجمالي إلى طرد الفياض من رئاسة هيئة الحشد.
وقال الجمالي إنّ الفياض أصبح رئيسا لهيئة الحشد بالصدفة وإنّ موارد الهيئة أصبحت ملكا له ولأصدقائه، كما اتهمه بتسخير إمكانيات الهيئة من خلال التعيينات لكسب أصوات الجمهور، معتبرا ذلك مخالفة يجب أن يحال بسببها إلى هيئة النزاهة.
وسبق للفياض أن أقيل سنة 2018 من قبل رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من منصب مستشار الأمن الوطني بسبب معلن تمثل في انخراطه في العمل السياسي، بينما السبب الحقيقي للإقالة هو انسحابه من كتلة رئيس الحكومة.
وللفياض خصوم أشدّاء من بينهم هادي العامري زعيم ميليشيا بدر وقيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق الذي سبق له أن اعتبر العمل السياسي أنسب للفياض من العمل الأمني مقترحا عليه أن يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية.
لكن الفياض ردّ على ذلك بالقول إنه “لا يمكن اعتبار الحشد الشعبي مؤسسة عسكرية صرفا بل يتداخل فيها الملف السياسي والأمني”، مشيرا إلى أنه “مسؤول عن مقاتلين مستعدين للموت في سبيل الوطن” ويعمل “على تأطير هذه المؤسسة”، ومضيفا قوله “أنا موجود على رأس الحشد الشعبي أقوم بواجبي ولن أتخلى عن هذا المهمة إلا بفعل القانون”.
وتُظهر السجالات بين الفياض والساعين لإزاحته من منصبه تصاعد الصراع على الحشد الشعبي الذي لم تتوقّف فاعليته عند مواجهة تنظيم داعش وهي المهمّة الأصلية التي أنشئ من أجلها، لكنّه تحوّل إلى أداة رئيسية لحماية النظام السياسي الذي تقوده الأحزاب الشيعية.
وظهر ذلك عندما تفجّرت سنة 2019 أعتى انتفاضة شعبية في وجه النظام قادها شبّان غاضبون ينتمون إلى المناطق ذاتها التي تعتبر معاقل رئيسية لتلك الأحزاب، وتدخّل الحشد بعنف لقمعها وإخمادها. كما تحوّل الحشد إلى قوّة سياسية ممثلة تحت قبةّ البرلمان عبر ائتلاف يحمل تسمية تحالف الفتح.
العرب