تضمنّت زيارة مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان العراق إلى الولايات المتّحدة بناء على دعوة رسمية تلقاها من إدارة الرئيس جو بايدن رسالة أميركية واضحة بشأن تجديد واشنطن لاهتمامها بالإقليم في ظلّ تطورات غير إيجابية في علاقة واشنطن ببغداد.
ويلمس مراقبون ملامح توجّه من قبل إدارة بايدن نحو اتّخاذ الإقليم مركز ثقل رئيسيا للنفوذ الأميركي في العراق الذي تقول حكومته إنّها تعمل على إنهاء مهمة القوات الأميركية فيه.
وجاءت الزيارة في ظلّ الجدل الدائر بشأن تأثير استهداف الفصائل الشيعية المقرّبة من إيران لمواقع تمركز القوات الأميركية في سوريا والعراق على العلاقات الأميركية-العراقية وإمكانية لجوء الولايات المتحدة إلى تسليط ضغوط مالية على بغداد بدأت بوادرها تلوح مع فرض الخزانة الأميركية لعقوبات على العديد من المصارف العراقية وعلى شركة طيران يديرها رجل أعمال عراقي متهم بالقرب من الميليشيات وتقديم خدمات للحرس الثوري الإيراني.
ويتوقّع مراقبون أن لا يكون تمادي حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني المرتبطة بشكل وثيق بأحزاب وفصائل شيعية مقرّبة من إيران ومنحازة إليها في صراع النفوذ الذي تخوضه ضدّ الولايات المتّحدة، ضمن مسار إخراج القوات الأميركية من العراق من دون تأثير على علاقة تلك الحكومة بالإدارة الأميركية، على اعتبار أن مغادرة تلك القوات سيمثّل انتقاصا من النفوذ الأميركي في البلد وإخلاء للساحة أمام إيران.
ويمكن للولايات المتّحدة أن تجد في إقليم كوردستان الذي يتمتّع بحكم ذاتي وقفت الولايات المتّحدة وراء إنشائه، ساحة مناسبة للحفاظ على نفوذها في العراق.
وتعارض قيادة الإقليم بشكل معلن إخراج القوات الأميركية من العراق وذلك مخافة حدوث المزيد من اختلال التوازن في البلد لمصلحة إيران وحلفائها المحليين.
وظلّ الإقليم خلال السنوات الأخيرة يتعرّض لضغوط شديدة من قبل القوى الشيعية الحاكمة في العراق، اتخذت عدة مظاهر؛ مالية من خلال تشدّد تلك القوى في منحه حصّته من موازنة الدولة الاتحادية، وأمنية من خلال استهداف الميليشيات الموالية لإيران لأراضيه، وهو استهداف انخرط فيه الحرس الثوري الإيراني في أكثر من مرّة بتوجيهه صواريخ باليستية لأهداف داخل مجاله، وأخيرا قضائية وقانونية من خلال تدخّل المحكمة الاتّحادية في شؤون انتخابات الإقليم والقانون المنظّم لها.
وبدأت تلك الضغوط تثير القلق بشأن استقرار الإقليم واستمرار تجربته التي تراجعت كثيرا بعد أن ظلتّ لسنوات تشكّل حالة استثنائية للاستقرار والرخاء في العراق الذي ما يزال يبحث عن توازنه منذ أكثر من عقدين.
وجاءت دعوة واشنطن لبارزاني لتؤشّر على بداية جهود أميركية لحماية إقليم كوردستان العراق من تلك الضغوط.
ويتوقّف تقييم مدى فاعلية تلك الجهود على ما ستسفر عنه الزيارة من إجراءات عملية ومساعدات فعلية أميركية للإقليم.
ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ أي تراخ أميركي في دعم الإقليم سيجعل الزيارة تسفر عن نتائج عكسية بزيادة ضغوط الأحزاب والفصائل الشيعية عليه.
وشهدت لقاءات بارزاني مع كبار المسؤولين في إدارة بايدن تأكيدات أميركية بمواصلة “دعم إقليم كوردستان الصامد”، وفق تعبير وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن.
وقال بلينكن في تعليق عبر حسابه في منصة إكس عقب لقائه برئيس حكومة إقليم كوردستان “التقينا مع مسرور بارزاني لمناقشة الشراكة الأميركية مع إقليم كوردستان العراق وتشجيع التعاون المستمر مع الحكومة الاتحادية العراقية”.
وأضاف “لا تزال الولايات المتحدة تدعم الإقليم الصامد باعتباره حجر الزاوية في علاقتنا مع العراق”.
وبشأن محتوى محادثات بلينكن-بارزاني في واشنطن ورد في بيان للخارجية الأميركية أنّ الوزير جدّد التذكير خلال اللقاء بإنّ “للولايات المتحدة شراكة طويلة الأمد مع إقليم كوردستان تتمثل بالقيم المشتركة والمصالح المشتركة والتضحيات المشتركة والتاريخ المشترك”.
كما أشار إلى التزام إدارة بايدن “بمواصلة شراكتها مع الإقليم كوردستان”، واصفا الإقليم بـ”المنطقة النموذجية في منطقة الشرق الأوسط”، ومعتبرا أنّ حكومته تُشكّل عاملا للاستقرار في المنطقة ولها أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية التي ترى أنّ من المهم أن يكون إقليم كوردستان ناجحا وأن يكون الأكراد متحدين وعلى وفاق”.
ومن جانبه أشار بارزاني إلى أنّ إقليم كوردستان يواجه العديد من التحدّيات وأنّ لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين “تهدف لبحث تلك التحدّيات والتطورات في العراق والمنطقة”.
وقالت مصادر سياسية إنّ المحادثات التي جرت بين بلينكن وبارزاني تطرقت لحماية أمن إقليم كوردستان وحلّ المشاكل المالية مع الحكومة الاتّحادية العراقية واحترام النظام الاتحادي والكيان الدستوري للإقليم وحماية حقوق مكوناته واستئناف تصدير نفطه بالإضافة إلى تنفيذ اتفاق سنجار وإخراج الميليشيات من المنطقة.
كما توافق الجانبان على اعتبار قرارات المحكمة الاتحادية بشأن رواتب موظفي الإقليم وقوانينه الانتخابية ومثيرة للقلق ويجب احترام الكيان الدستوري للإقليم والنظام الاتحادي.
وأولى متابعون للشأن العراقي أهمية بالغة لزيارة بارزاني إلى الولايات المتّحدة بالنظر إلى كونها جاءت في أوج اشتداد الضغوط على الإقليم. وقال المحلل السياسي ياسين عزيز إنّ الإقليم يمر بمرحلة مهمّة وإنّ دعوة رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة بمثابة تجديد للعلاقات وكسر للفتور الذي لوحظ في الفترة الأخيرة، فيما اعتبر الخبير في السياسة الدولية كرمانج عثمان أنّ دعوة رئيس الوزراء مسرور بارزاني لزيارة واشنطن مهمة لأنّها تأتي في توقيت صعب تمر به منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف عثمان متحدثا لموقع كوردستان أربع وعشرون الإخباري أن الإقليم “مهم للولايات المتحدة ويتم التعامل معه كشريك أساسي”.
وترى قيادات سياسية كوردية عراقية أنّ الدعم الأميركي لكوردستان استحقاق له على اعتبار أن ما يتعرّض له من ضغوط شديدة من قبل حلفاء إيران في العراق على علاقة مباشرة بتحالفه مع واشنطن الذي يجعل قياداته في نظر الأحزاب الحاكمة في العراق محسوبة ضمن معسكر الولاء للولايات المتّحدة.
وتقول تلك القيادات إنّ ما يتلقاه الإقليم من دعم أميركي فعلي يظل ضئيلا مقارنة بالوعود المقدّمة من قبل الإدارة الأميركية الحالية التي تتسبب سياساتها في خيبة أمل كبيرة لأغلب حلفاء واشنطن في المنطقة بسبب التراجع المسجل في عهدها في التزام الولايات المتّحدة بحماية استقرار هؤلاء الحلفاء والحفاظ على مصالحهم.
وعلى الصعيد المالي الذي يمثّل أحد أكبر مواضع الضغط على إقليم كوردستان العراق لا تبذل الولايات المتحدة سوى مقدار ضئيل من الدعم يوجّه لدفع جزء من مرتّبات البيشمركة التي تعتبر حليفا للقوات الأميركية في مواجهة الإرهاب.
العرب