وجدت قوى عراقية متنفذة مجدّدا في بعض فروع القضاء العراقي سندا لها للحفاظ على مكاسبها وامتيازاتها، وذلك في تكريس لظاهرة أصبحت مؤخّرا متواترة بشكل مثير للخلافات والانتقادات، وأيضا لقلق البعض بشأن تراجع منسوب الثقة بحيادية القضاء العراقي ونزاهته بسبب تصرّفات القائمين على بعض فروعه.
واستفاد من دعم القضاء هذه المرّة رئيس مجلس محافظة نينوى أحمد الحاصود المدعوم من قبل الإطار التنسيقي الشيعي والحشد الشعبي والذي مكنّه قرار من محكمة القضاء الإداري من الاحتفاظ بمنصبه بعد أن أقيل منه على يد أعضاء المجلس الذين صوّتوا بالأغلبية على قرار الإقالة.
وتشتكي قوى سياسية عراقية من كثرة تدخلات القضاء في الشأن السياسي وحتى الإداري ما يعكس تعطّل دور باقي المؤسسات التي يفترض أنّها الموضع الأصلي لحل المشاكل وإيجاد المخارج المناسبة لها باستخدام آليات واضحة ومحدّدة الدور.
وتنصبّ الشكوى الرئيسية على كون سلسلة طويلة من قرارات بعض فروع القضاء العراقي تسير في اتجاه واحد وتخدم مصلحة القوى السياسية الشيعية الأكثر نفوذا وتحكّما بزمام السلطة من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة وعدد من حلفائها.
وتمتد تدخلات القضاء لتشمل شؤون الحكومات المحلية للمحافظات والتي ما تزال منذ إجراء الانتخابات المحلية في شهر ديسمبر من العام 2023 موضع صراعات شرسة بين مختلف القوى والأحزاب نظرا لما توفّره تلك الحكومات من امتيازات مادية وسلطوية للممسكين بزمامها.
وينطبق الأمر كأوضح ما يكون على محافظة نينوى الكبيرة وذات الموارد الهامة والموقع الإستراتيجي والتي لم تستقر إلى حدّ الآن حكومتها المحلية وقد جاءت إقالة رئيس المجلس كمظهر على ذلك.
وكان مجلس المحافظة قد صوّت قبل أيام على إقالة رئيسه الحاصود على خلفية اتهامه بارتكاب مخالفات قانونية جسيمة على رأسها حصوله على المنصب باستخدام شهادة علمية مزوّرة.
وعقّد من عملية إدارة مرحلة ما بعد داعش في محافظة نينوى ذات الوضع الحساس تدخّل قوى من خارج المحافظة تتمثّل في أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة في شؤونها الداخلية، ذلك أنّ ميليشيات الحشد الشعبي التي ساهمت في معارك استعادة نينوى من سيطرة التنظيم المتشدّد رفضت مغادرتها وبادرت على العكس من ذلك إلى تأسيس وجود أمني وسياسي واقتصادي راسخ داخلها.
وفي مظهر على الوجود المؤثّر لتلك القوى داخل المحافظة تحظى كتلة نينوى المستقبل التي ينتمي إليها رئيس مجلس المحافظة بدعم قوى الإطار التنسيقي بما في ذلك الحشد الشعبي. وكانت الكتلة ذاتها وراء تأجيج التوتر السياسي حيث بادرت في وقت سابق إلى استخدام أغلبيتها في المجلس للقيام بحملة استبعاد للمسؤولين والموظفين المنتمين لكتل أخرى من مناصبهم في الحكومة المحلية.
ورفض الحاصود قرار إقالته ووصف جلسة استجوابه التي أفضت إلى اتخاذ ذلك القرار بأنها لم تلتزم بالأنظمة القانونية المحددة ما يجعل أيّ قرارات صادرة عنها باطلة قانونيا.
وتوعّد في بيان باتخاذ “جميع الخطوات القانونية لضمان احترام القوانين والأنظمة النافذة،” فيما هبّت كتلة نينوى المستقبل المدعومة من الإطار التنسيقي المشكّل لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدعم عضوها المقال وأعلنت طعنها في شرعية عملية الإقالة مؤكّدة عزمها اللجوء إلى المحكمة الإدارية لإبطال القرار.
واستجابت المحكمة المذكورة سريعا لذلك الطعن وأصدرت أمرا ولائيا يقضي بإيقاف تنفيذ القرار المتضمن إقالة الحاصود من منصبه.
وجاء في وثيقة رسمية نشرت محتواها وسائل إعلام محلية أن المحكمة عقدت جلستها (الاثنين) حيث قررت إصدار الأمر الولائي لصالح المدعي أحمد يونس مصطفى الحاصود.
وبيّن نص الوثيقة أن المحكمة قررت إيقاف تنفيذ قرار الإقالة إلى حين حسم الدعوى المرفوعة بشأنه، مبينا أن الأمر الولائي صدر بصورة مستعجلة قابلة للتظلم أمام المحكمة حيث تم تبليغ جميع الأطراف المعنية بموعد الجلسة المقبلة للنظر في الطعن بشكل نهائي.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يتدخّل فيها القضاء العراقي لحسم الصراعات على المناصب في نينوى، إذ سبق أن تّم اللجوء إلى المحكمة الإدارية من قبل قوى ممثلة في مجلس المحافظة اعترضت على إقالة مجموعة من الموظفين ورؤساء الأقضية من قبل قوى أخرى مقربة أيضا من الإطار التنسيقي والحشد الشعبي، لكن المحكمة ردت دعوى المعترضين.