قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن العلاقات مع العراق تدخل مرحلة جديدة بعد أن اتفق البلدان على التعاون ضد المسلحين الكورد وتعزيز العلاقات الاقتصادية عبر مشروع “طريق التنمية” ودراسة احتياجات العراق للحصول على المياه الشحيحة من دون الحصول على تعهد تركي واضح.
وحقق الرئيس التركي ما كان يهدف إليه من الزيارة بالحصول على موقف عراقي واضح يقضي بإدانة أنشطة حزب العمال الكوردستاني وحظر نشاطه، حيث قال إنه بحث مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الخطوات المشتركة التي يمكن أن يتخذها البلدان ضد مقاتلي حزب العمال الكوردستاني (بي كي كي)، ورحب بتصنيف العراقِ “بي كي كي” جماعةً محظورة.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع السوداني أن وجود حزب العمال الكوردستاني في الأراضي العراقية سينتهي في أقرب وقت ممكن.
ولم يسمع أردوغان خلال الزيارة ما كان يطلقه المسؤولون العراقيون عادة في تصريحات علنية باحتجاجهم على “استباحة” تركيا للحدود أثناء مطاردة المسلحين الكورد
وأكد رئيس الوزراء العراقي أنّ أمن العراق وتركيا وحدة واحدة لا تتجزأ. وقال “نتمسك بعدم السماح لأي قوة أن تستخدم أرض العراق منطلقا للاعتداء على الجوار”، مشيرا إلى أنه اتفق مع أردوغان على التعاون الأمني الذي من شأنه أن يحقق استقرار البلدين.
وعلى مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية أقامت تركيا العشرات من القواعد العسكرية في كوردستان العراق لمحاربة حزب العمال الكوردستاني.
ويعلن الجيش التركي بشكل متكرّر تنفيذ عمليات عسكرية جوية وبرية ضد مقاتلي الحزب ومواقعهم في إقليم كوردستان. ودفع ذلك الحكومة العراقية المركزية إلى الاحتجاج مرارا من دون أي نتائج.
وتعتزم تركيا شن عملية جديدة على المسلحين هذا الربيع، وتسعى إلى تعاون العراق معها عبر تشكيل غرفة عمليات مشتركة.
وذكرت الرئاسة التركية في بيان عقب محادثات بين الرئيس التركي ونظيره العراقي عبداللطيف رشيد أنه “يجب أن يقضي العراق على جميع أشكال الإرهاب”.
وقال رشيد، وهو أكبر مسؤول كردي في العراق، إن بغداد تؤيد العمل المشترك لمكافحة الإرهاب وتعارض استخدام أراضيها لمهاجمة أي دولة مجاورة، كما أعرب عن رفضه الشديد لشن أي هجوم على أراضي العراق.
وحاول العراق في الأشهر الماضية تهدئة مخاوف تركيا إزاء حزب العمال الكوردستاني مع التركيز على تنمية العلاقات الاقتصادية والحصول على حصص أكبر من المياه الشحيحة من نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا وسط تزايد معدلات الجفاف داخل البلاد.
وقال بيان صادر عن مكتب السوداني إن العراق وتركيا وقعا خلال زيارة أردوغان أكثر من 20 مذكرة تفاهم في مختلف المجالات، بدءا من التعاون الثقافي والزراعي ووصولا إلى التعليم والصحة.
كما شهد أردوغان والسوداني مراسم توقيع مذكرة تفاهم رباعية بين تركيا والعراق وقطر والإمارات للتعاون المشترك في مشروع طريق التنمية العراقي الذي تبلغ قيمته 17 مليار دولار.
وأُطلق المشروع، الذي يضم طرقا وخطوط سكك حديد بطول 1200 كيلومتر، العام الماضي بهدف تحويل العراق إلى مركز لتجارة الترانزيت بين آسيا وأوروبا من خلال ربط ميناء الفاو في جنوب العراق -الغني بالنفط- بتركيا في الشمال.
وأكد البيان أن “مشروع طريق التنمية الإستراتيجي سيسهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز علاقات التعاون الإقليمي والدولي من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي والسعي نحو اقتصاد مستدام بين الشرق والغرب، كما سيعمل على زيادة التجارة الدولية وتسهيل التنقل والتجارة، وتوفير طريق نقل تنافسي جديد، وتعزيز الرخاء الاقتصادي الإقليمي”.
وقال الرئيس التركي إن “مشروع طريق التنمية يكتسي أهمية بالغة في هذا الإطار، لاسيما وأنه سيساهم في استقرار ورفاهية دول المنطقة بأسرها وفي مقدمتها العراق”. وتابع “رسخنا عزمنا على هذا التخطيط الإستراتيجي بمذكرة التفاهم التي وقعناها”.
وبلغت قيمة التجارة البينية لتركيا والعراق 19.9 مليار دولار في 2023، مقارنة بنحو 24.2 مليار دولار في 2022، وفقا لبيانات رسمية تركية. وفي الأشهر الثلاثة الأولى من 2024 ارتفعت الصادرات التركية إلى العراق بنحو 24.5 في المئة، فيما انخفضت الواردات بواقع 46.2 في المئة.
وكان العراق خلال الربع الأول من السنة الحالية خامس مستورد للمنتجات التركية من الحبوب والمواد الغذائية والمواد الكيميائية والمعادن وغيرها.
وقال المستشار السياسي علي الموسوي إن “طريق التنمية الذي تدعمه تركيا سيكون عاملا أساسيا من عوامل الثبات والاستقرار في المنطقة لكل الدول، ليس للعراق وتركيا فحسب إنما لكل دول الخليج والعالم”.
وفي ملف المياه وقع البلدان “اتفاقا إطاريا” لتحسين إدارة مياه نهري دجلة والفرات مدته عشرة أعوام.
وقال السوداني “هذا الاتفاق سوف يستمر لمدة عشر سنوات وسيكون كفيلا بتحقيق إدارة مشتركة وعادلة للموارد المائية (…) إذ ليس من مصلحة أحد أن تتفاقم الأوضاع في ما يتعلق بالمياه وحصة العراق”.
وذكر أردوغان أن “الأزمة المناخية تؤثر سلبا في تركيا (…) وكذلك العراق”، لافتا إلى أن “استخدام المياه بشكل فاعل عبر تجنب الهدر يوازي في أهميته كمية المياه”.
ولطالما انتقد العراق إقدام جارته الشمالية على بناء سدود تسبّبت بانخفاض كبير في منسوب مياه دجلة والفرات اللذين ينبعان من أراضي تركيا، قبل أن يعبرا العراق من أقصاه إلى أقصاه.
وفي حين تدعو الحكومة العراقية إلى تقاسم أفضل للمياه، تبدي تركيا دائما امتعاضها إزاء إدارة الموارد المائية من السلطات ومن قطاع الزراعة والري في العراق.