تواجه محافظة نينوى العراقية واقعاً مأساوياً وكارثياً على صعيد ارتفاع عدد الإصابات بأمراض السرطان وافتقارها في الوقت ذاته إلى مستشفى متخصص. ولا يُستبعد فقدان السيطرة على الوضع الصحي.
أكد وزير الصحة العراقي صالح الحسناوي في تصريحات أدلى بها منتصف إبريل/ نيسان الماضي، أن محافظة نينوى (شمال)، ومركزها مدينة الموصل، تحتضن أعلى نسبة إصابات بأمراض سرطانية، وليس محافظة البصرة، كما كان يُعتقد.
ووصف خبراء صحيون تصدّر نينوى نسبة الإصابات بأمراض السرطان على مستوى العراق بأنها “مفاجأة”، خصوصاً أنها تخلو من مستشفى تخصصي لعلاج هذه الأمراض، وتفتقر إلى الأجهزة الخاصة بمنح العلاج بالإشعاع للمرضى.
ويضطر المصابون بأمراض السرطان في نينوى إلى السفر إلى محافظات مجاورة في إقليم كردستان أو إلى العاصمة بغداد، أو إلى محافظات في الجنوب لتلقي العلاج بالإشعاع، علماً أن السلطات كانت وعدت بتوفيرها بعد استعادة الموصل من تنظيم “داعش” عام 2017.
ويوضح مدير مستشفى الأورام والطب الذري في نينوى، عبد القادر سالم، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن إحصاءات الإصابات بأمراض سرطانية التي صدرت هذا العام خاصة بعام 2022، باعتبار أن وزارة الصحة تصدر كل عام إحصاءً بعدد المصابين المسجلين قبل عامين.
ويشير إلى أن “إصابات السرطان لا تحسب بعددها، لكن بنسبة حدوثها لدى مائة ألف نسمة. ويتغيّر عدد الحالات بحسب التزايد السكاني. ونسبة حدوث المرض في العراق هي 92 حالة لكل 100 ألف نسمة. وفي نينوى 64 حالة لكل 100 ألف نسمة. ولدى حساب عدد المرضى يبدو أنه أكبر في نينوى لأن عدد سكانها يمثل نسبة 10 في المائة من سكان العراق، وهذه النسبة مقارنة بعدد السكان أعلى بكثير منها لدى سكان محافظات أخرى مثل النجف التي سجلت 123 إصابة لكل 100 ألف نسمة”.
ويذكر سالم أن نينوى سجلت 2926 حالة إصابة بالسرطان في آخر إحصاء أجرته وزارة الصحة خاص بعام 2022، في حين جرى تسجيل 39 ألف إصابة في عموم العراق. ويُشدد على أن “لا زيادة في عدد الإصابات في العراق ونينوى التي لا تزال معدلاتها ضمن تلك السنوية الطبيعية. والزيادة التي سُجلت ترتبط بارتفاع عدد السكان من جهة، ومن جهة أخرى بزيادة معدلات كشف المرض”.
وعن عدد الوفيات، يقول سالم إن “العراق سجل 11421 وفاة عام 2022، بينها 989 في نينوى. وهذه الوفيات لا تشمل جميع الإصابات المسجلة في العام نفسه، بل أيضاً إصابات سُجلت في أعوام سابقة”.
وفي شأن افتقار نينوى إلى مركز طبي تخصصي لعلاج السرطان يقول سالم: “المستشفى المخصص لهذه الأمراض قيد الإنشاء منذ سنوات، وشهدت أعماله تأخيراً كبيراً كونها تُنفذ بمنحة قدمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). كان يفترض أن ينجز المستشفى الذي يقع في مدينة الموصل عام 2022، لكن ذلك لم يحصل، وبلغت نسبة إنجاز الأعمال 70 في المائة. ونحن نأمل في أن يحصل ذلك نهاية العام الحالي تمهيداً لتجهيز المستشفى بالأجهزة الطبية، وبينها أجهزة المعجلات الخطية التي تنتج دفقات من الأشعة السينية تُوجَّه نحو خلايا الأورام لتدميرها، فور الانتهاء من تشييد المبنى. ومن المقرر أن تصل ثلاثة أجهزة “معجلات خطية” إلى المستشفى، أحدها على حساب محافظة نينوى، والثاني على حساب وزارة الصحة، والثالث على حساب صندوق إعمار المناطق المحررة”.
تكاليف باهظة
وحالياً يلجأ مصابون للعلاج خارج العراق، في حال سمحت أوضاعهم المادية بذلك، لكن المشكلة الكبرى تواجه ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون إلا مراجعة المستشفيات الحكومية التي لا تقدم إلا الجزء اليسير من العلاجات.
ويؤكد مصدر في هيئة الصحة بمحافظة نينوى رفض كشف اسمه لصحيفة “العربي الجديد” أن المصابين يضطرون إلى أخذ جرعات العلاج بالإشعاع في المستشفيات الخاصة في بغداد وكوردستان ومحافظات جنوبية، بسبب الازدحام الذي تشهده أجهزة “المعجلات الخطية” في المستشفيات الحكومية، علماً أن مدة حجز الأجهزة تصل إلى نحو ستة أشهر.
ويشير إلى أن تكاليف العلاج بالإشعاع في المستشفيات الخاصة تبدأ من 6 ملايين دينار (4 آلاف دولار) وصولاً إلى 22 مليون دينار (15 ألف دولار). ويلفت إلى أن العديد من المصابين يتلقون العلاج الكيميائي على نفقة الدولة، بينما يضطر آخرون إلى شراء جرعات العلاج الكيميائي على نفقتهم الخاصة بأسعار تتراوح بين 100 و400 دولار للجرعة بسبب عدم توفرها باستمرار في دوائر الصحة الحكومية.
ويذكر أيضاً أن العديد من المصابين بأمراض سرطانية في نينوى غير مسجلين في إحصاءات وزارة الصحة، لأن تشخيصهم وعلاجهم يجري في دول مجاورة مثل الأردن وتركيا وإيران.
ويتحدث محافظ نينوى، عبد القادر الدخيل، عن أن المحافظة تحتاج في شكل ملّح إلى إكمال تشييد مستشفى الأورام السرطانية من أجل إنهاء معاناة المصابين الذين يسافرون إلى محافظات أخرى من أجل تلقي العلاج. ويقول: “تبلغ نسبة إنجاز أعمال بناء مستشفى الأورام الذي موّله برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 70 في المائة، علماً أنه يفترض أن يكون هذا المستشفى الأول والأكبر في المنطقة الشمالية لعلاج وتشخيص الأمراض السرطانية”.
يتابع: “طلبت الحكومة المحلية في نينوى من ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيراً الإسراع في إنجاز مبنى المستشفى وتسليمه لأن الأمراض السرطانية تصاعدت بشكل كبير في المحافظة خلال السنوات الأخيرة”.
من جهته يحذر عضو مجلس محافظة نينوى سعدون الشمري من بقاء نينوى ثاني أكبر محافظات العراق من دون مستشفى تخصصي لعلاج السرطان بعد سبع سنوات من استعادة السيطرة عليها من “داعش”. ويقول لـ”العربي الجديد”: “تصدرت نينوى قائمة المحافظات على صعيد انتشار الأمراض السرطانية، بحسب البيانات التي أصدرتها وزارة الصحة، ومن المستغرب أنها لا تملك أجهزة لعلاج المرض. وقد التقى وفد من مجلس نينوى وزير الصحة، وطالبه بضرورة تسريع التعاقد لشراء أجهزة المعجلات الخطية، وتزويد نينوى بها من أجل العمل لفتح المستشفى المخصص للطب الذري في المحافظة، وتعهد الوزير بالعمل لمعالجة المشكلة، وتوفير كافة الأجهزة والمستلزمات في وقت قريب.
من جهته يتحدث الناشط سعد العامر لـ”العربي الجديد” عن تعرض مصابين بأمراض السرطان في نينوى إلى إذلال بسبب اضطرارهم إلى السفر إلى محافظات أخرى ودول مجاورة من أجل تلقي العلاجات غير المتوفرة في نينوى، خاصة العلاج الإشعاعي.
ويشير إلى “وجود مافيات في المؤسسات الصحية تعمل لعدم تفعيل ملف علاج الأمراض السرطانية في نينوى من أجل تنشيط أعمال القطاع الخاص، كما يتأثر ذلك بتدخلات سياسية تهدف إلى ربط وجود الأجهزة الخاصة بالعلاج في نينوى بفترة الانتخابات لمحاولة استغلال الموضوع في الدعاية الانتخابية”.
ويوضح أن “الوعود التي أطلقتها السلطات المركزية والمحلية في شأن توفير أجهزة المعجلات الخطية في نينوى ذهبت أدراج الرياح، وشمل ذلك أيضاً إصلاح جهازين من هذا النوع في مستشفى جامعة الموصل، بعدما كانا تعرضا لضرر خلال العمليات العسكرية”.
وينتقد العامر غياب الأولويات في قرارات صرف الأموال على المشاريع رغم أن شراء الأجهزة الطبية لعلاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان أكثر أهمية من تبليط الشوارع وإنشاء الحدائق ودهن الأرصفة”.
وعموماً زادت نسبة الإصابة بالسرطان في مختلف مدن العراق التي تعرضت لعمليات عسكرية عامي 1991-2003 وما تلاها من عمليات عسكرية استمرت منذ عام 2003 وحتى نهاية عام 2016، في وقت تعاني فيه مستشفيات علاج السرطان من شحّ في العلاجات اللازمة، ما تسبب في عشرات الوفيات.
ويتحدث خبراء عن وجود خلل كبير في التصدي لأمراض السرطان، خاصة تلك التي تنتشر بين الأطفال، ويتهمون الحكومات المتعاقبة بالتقصير في استحداث مراكز لعلاج السرطان، وتزويدها بالأجهزة الحديثة والأدوية المطلوبة، لذا يتحمّل المرضى تكاليف كبيرة جداً للحصول على الأدوية الخاصة وتلقي العلاج الكيميائي في عيادات خاصة”.