أثار الهجوم الإسرائيلي على مخيم للاجئين في رفح جنوب قطاع غزة، استنكارا دوليا، رسميا وجماهيريا، حيث انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، الإثنين، صور ما بعد الهجوم المروع الذي راح ضحيته 45 شخصا.
وذكر مسؤولون، أن الغارة الجوية الإسرائيلية تسببت في اندلاع حريق هائل، وهو ما أودى بحياة مدنيين كانوا في المخيم هربا من مسارح القتال، ما أثار غضب زعماء في العالم الذين حثوا على تنفيذ حكم محكمة العدل الدولية بوقف الهجوم الإسرائيلي على المدينة.
“الصوت كان مرعبا”
قال ناجون إن الأسر كانت تستعد للنوم عندما وقعت الغارة على حي تل السلطان الذي نزح إليه الآلاف بعدما شنت القوات الإسرائيلية هجوما بريا في شرق رفح قبل أكثر من أسبوعين.
وقالت الفلسطينية أم محمد العطار لوكالة رويترز “كنا قاعدين بنصلي.. وكنا بنفرش للأولاد لننام. مفيش حاجة ولا أي شيء. ما سمعنا إلا صوت عالي جدا والنار ولعت حوالينا”.
وأضافت “الصغار صاروا يصرخوا.. الصوت كان مرعب.. وشظايا مرقت علينا في الغرف”.
وبحلول النهار، كان المخيم قد تحول إلى حطام من الخيام والمعادن الملتوية والمتعلقات المتفحمة.
وكانت النساء ينتحبن فيما أقام الرجال الصلاة على الجثامين.
وهذه ليست المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل منطقة أمرت الفلسطينيين بالفرار إليها، وفق مجلة “بوليتيكو”.
وكانت رفح، وهي المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، تعتبر الملاذ الأخير لأكثر من مليون شخص.
وأظهرت لقطات مصورة حريقا مشتعلا في الظلام والناس يصرخون في ذعر.
وظهر في اللقطات شبان يحاولون سحب صفائح من الحديد المموج وعربة إطفاء واحدة تبدأ في إخماد النيران بالمكان.
ونفذت إسرائيل هجومها على رفح رغم قرار محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، الجمعة، بوقف الهجمات، مؤكدة أيضا على ضرورة إفراج حماس “الفوري وغير المشروط” عن الرهائن الذين تحتجزهم منذ السابع من أكتوبر الماضي.
والاثنين، نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤولين اثنين قولهما إن إدارة الرئيس، جو بايدن، تقوم بتقييم ما إذا كانت الضربة الإسرائيلية تمثل انتهاكا لـ “الخط الأحمر” الذي رسمته واشنطن.
وهدد بايدن في وقت سابق من هذا الشهر بتعليق تسليم بعض الأسلحة الهجومية الأميركية الصنع إذا دخلت إسرائيل المراكز السكانية في رفح.
وكانت واشنطن حثت إسرائيل على بذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين، لكنها لم تصل إلى حد الدعوة إلى وقف العملية العسكرية في رفح.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي “لإسرائيل الحق في ملاحقة حماس، وبلغنا أن هذه الغارة قتلت اثنين من أبرز إرهابيي حماس المسؤولين عن هجمات ضد المدنيين الإسرائيليين.. ولكن كما أوضحنا، يجب على إسرائيل أن تتخذ كل التدابير الممكنة لحماية المدنيين”.
تنديد دولي شديد
على المستوى الدولي، أثارت هذه الغارة تنديدات من قبل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وفرنسا، فضلاً عن الولايات المتحدة ومصر وقطر الدول الوسيطة في جهود التوصل لوقف لإطلاق النار في الحرب الدائرة منذ نحو ثمانية أشهر.
ودان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الضربة الإسرائيلية، وقال الإثنين إن الهجوم “قتل عشرات المدنيين الأبرياء الذين كانوا يبحثون فقط عن مأوى يحميهم من هذا النزاع المميت”.
وأضاف غوتيريش في منشور على منصة إكس “لا يوجد مكان آمن في غزة. يجب وضع حد لهذه الفظائع”
كما دعت واشنطن حليفتها إسرائيل إلى “اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين”.
وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي إن “الصور الكارثية.. تفطر القلب” بعد الغارة التي “أسفرت عن مقتل عشرات الأبرياء الفلسطينيين”.
من جانبها، أدانت السعودية الهجوم الإسرائيلي وقالت قطر إن قصف رفح قد يعيق جهود التوسط لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء، بينما ندّدت الكويت بـ”جرائم الحرب الصارخة”.
كما دان الأردن بشدة استمرار إسرائيل بإرتكاب “جرائم الحرب البشعة” في غزة، معتبراً أنّ الغارة الإسرائيلية “تحدٍّ صارخ لقرارات محكمة العدل الدولية وانتهاك جسيم للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.
على المستوى ذاته، دانت مصر “قصف القوات الاسرائيلية المتعمّد لخيام النازحين”، مطالبة إسرائيل “بتنفيذ التدابير الصادرة عن محكمة العدل الدولية”.
وقالت وزيرة خارجية كندا، ميلاني جولي، إن بلادها “تشعر بالفزع” إزاء ضربات أودت بحياة مدنيين فلسطينيين في رفح.
وأضافت أن كندا لا تؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح، كما طالبت بوقف فوري لإطلاق النار.
ودان مسؤولون في الاتحاد الأوروبي الهجوم ا الإسرائيلي على خيام اللاجئين في رفح والذي ضم العديد من الأطفال.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه “غاضب” من الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، وقال على منصة إكس “هذه العمليات يجب أن تتوقف. لا توجد مناطق آمنة في رفح للمدنيين الفلسطينيين”.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن احترام حكم المحكمة واجب.
وقالت بيربوك “القانون الإنساني الدولي ينطبق على الجميع، وكذلك على سلوك إسرائيل في الحرب”.
وقال وزير الخارجية الأيرلندي ميشال مارتن الاثنين إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أجروا للمرة الأولى مناقشات “مهمة” حول فرض عقوبات على إسرائيل إذا لم تلتزم بالقانون الإنساني الدولي.
كذلك الأمر بالنسبة لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي، الذي قال إن “إسرائيل تواصل انتهاك القانون الدولي مع الإفلات التام من العقاب وفي تحدّ لحكم محكمة العدل الدولية.
موقف إسرائيل
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وصف الغارة بأنها “خطأ مأساوي”، بحسب صحيفة “هآرتس”.
ووصف متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، الثلاثاء، الغارة “خطيرة ومؤلمة”، مؤكدا على مباشرة التحقيق في الحادثة.
وقال آفي هايمان للصحافيين “نحن نحقق في الحادثة، لقد كان أمرا خطيرا بالتأكيد، أي خسارة في الأرواح، في أرواح المدنيين، أمر خطير ومؤلم”.
وأضاف “نسعى إلى ملاحقة حماس والحد من الخسائر في صفوف المدنيين.. ستتكشف تفاصيل القصة”.
بحسب هايمان فإن الغارة استهدفت اثنين من نشطاء حماس مسؤولين عن “العديد من الهجمات في يهودا والسامرة” في إشارة الى الاسم التوراتي للضفة الغربية المحتلة ومناطق قريبة.
وأضاف “لقد كان هذان الشخصان غارقين في الدم الإسرائيلي”.
واستدرك “تفيد التقارير الأولية إلى اندلاع حريق بعد الغارة وكان هؤلاء الإرهابيون يختبئون تحت الأرض ويبدو أن هناك ضحايا من المدنيين”.
وأضاف هايمان أن القصف الإسرائيلي على رفح والذي جاء بعد ساعات من دوي صفارات الإنذار في تل أبيب وسط إسرائيل جراء صواريخ أطلقتها كتائب القسام من رفح، أدى إلى مقتل ياسين ربيع وخالد نجار وكلاهما مسؤولان كبيران في حماس في الضفة الغربية.
وتقول وزارة الصحة في غزة إن أكثر من 36 ألف فلسطيني قتلوا في العملية العسكرية الإسرائيلية.
وشنت إسرائيل عملياتها العسكرية على غزة بعد أن هاجمت حركة حماس بلدات في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، ما أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، وفقا للإحصاءات الإسرائيلية.
وبداية شهر مايو الجاري، استكمل الجيش الإسرائيلي سيطرته على قطاع غزة من ناحية معبر رفح الحدودي مع مصر بعد غارات جوية على المدينة الواقعة جنوب فلسطين.
وقد فعل ذلك بعد يوم واحد من إصداره أوامر لما لا يقل عن 100 ألف فلسطيني بالإخلاء من الجزء الشرقي من المدينة، ما أدى إلى ظهور مشاهد محزنة لعائلات بأكملها تفر شمالاً إلى المناطق التي لحقت بها أضرار جسيمة أصلا بسبب ما يقرب من ثمانية أشهر من القتال.
وقتها، صوت مجلس الحرب الإسرائيلي لصالح المضي قدما في العملية، حتى مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في القاهرة وإسرائيل، ومعارضة الحليفة واشنطن لذلك.
أهمية رفح؟
بعد أن عززت إسرائيل سيطرتها العملياتية على مساحات واسعة من غزة، بما في ذلك الهجمات التي دمرت واستولت على مدن رئيسية مثل خان يونس ومدينة غزة، أصبحت رفح في الأشهر الأخيرة محور الحرب.
وتقول إسرائيل إن أربع كتائب تابعة لحماس تعمل من المدينة الجنوبية.
ورفح هي أيضًا واحدة من الأماكن الوحيدة في غزة التي لم تدمرها القوات الإسرائيلية نسبيا، وهي موقع معبرين حدوديين – وهما طريقان حيويان للمساعدات الإنسانية التي يحتاجها الناس في غزة بشدة، وفق موقع “فوكس”.
وكان من المفترض أن تكون رفح منطقة آمنة لنحو 1.7 مليون شخص يعيشون هناك الآن.
وتقول الحكومة الإسرائيلية إن الهجوم على رفح هدفه القضاء على حماس، ولا سيما قياداتها المتحصنة هناك، وفقها، وإعادة الرهائن، وهو ما لم يتحقق حتى الان.
الهدف الآخر المعلن لإسرائيل هو “إغلاق أنفاق تهريب الأسلحة والأشخاص بين غزة ومصر، وإنهاء نفوذ الجماعة المدعومة من إيران في غزة، والضغط على حماس للموافقة على صفقة من شأنها إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين” وفق موقع “أميريكان جويش كوميتي”.
ورفح التي تعرضت لهجوم إسرائيلي، الأحد، كانت منذ أسابيع محل اهتمام وسائل الإعلام العالمية، إثر تهديد الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ هجوم واسع فيها “لملاحقة مقاتلي حماس”، رغم معارضة المجتمع الدولي لذلك، وعلى رأسه الولايات المتحدة.
وتختزل رفح، مآسي الفلسطينيين في القطاع المحاصر الذي يشهد منذ أكثر من نصف عام، حربا مدمرة أودت بحياة عشرات الآلاف حتى الآن.