أسفرت غارة أميركية في بغداد عن مقتل قائد بجماعة كتائب حزب الله شبه العسكرية القوية هذا الأسبوع. وسلطت الضوء على وضع الفصائل الولائية المسلحة المتحالفة مع إيران الغامض في البلاد. ويعمل بعضها في وقت واحد كجزء من قوات الأمن الرسمية في العراق وخارج سيطرة الدولة والحصول على أوامر من قيادات تتحرك ضمن أجندات خاصة.
وقد وضع ذلك حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في موقف يتزايد حساسية بينما تحاول فيه تحقيق التوازن بين علاقاتها مع الولايات المتحدة ومع الجماعات الولائية المسلحة التي تخوض صراعا مباشرا مع القوات الأميركية.
وتعدّ كتائب حزب الله واحدة من أقوى الجماعات المسلحة في العراق. وتشكلت بدعم من الحرس الثوري الإيراني خلال فراغ السلطة الذي تبع الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وتندرج ضمن قوات الحشد الشعبي، وهي تحالف من الجماعات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران. وانضمت هذه الجماعات إلى القتال ضد تنظيم داعش بعد أن استولى على أجزاء كبيرة من العراق في 2014.
وأصبحت قوات الحشد الشعبي بهذا “حلفاء مصلحة” مع قوات من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمكافحة داعش. وقاد هذا إلى تغاضي الولايات المتحدة عن أنشطة هذه الجماعات وعن تسليحها وتدخل إيران المباشر في تدريبها.
وسمح هذا التغاضي لكتائب حزب الله وبعض الجماعات الأخرى، التي تشكل جزءا من قوات الحشد الشعبي، بمهاجمة القوات الأميركية في العراق.
وصنفت واشنطن كتائب حزب الله جماعة إرهابية. وقتلت غارة جوية أميركية مؤسس الجماعة، أبومهدي المهندس، والجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020.
وتسببت غارة الأربعاء في مقتل وسام محمد صابر الساعدي، المعروف باسم أبوباقر الساعدي، الذي كان مسؤولا عن عمليات كتائب حزب الله في سوريا. وقالت الولايات المتحدة إنه كان مسؤولا عن التخطيط للهجمات على القوات الأميركية ومشاركا فيها.
وصنفت الحكومة العراقية خلال 2016 قوات الحشد الشعبي “تشكيلا عسكريا مستقلا” ضمن القوات المسلحة العراقية. وكانت بعض الجماعات التي تشكل قوات الحشد الشعبي جزءا من “المقاومة الإسلامية في العراق”، التي شنت حوالي 170 ضربة ضد قواعد تضم قوات أميركية في العراق وسوريا خلال الأشهر الأربعة الماضية.
وقالت الحركة إنها ترد على دعم واشنطن لإسرائيل في الحرب المستمرة في غزة وتهدف إلى طرد القوات الأميركية من المنطقة.
وشملت إدانات الحكومة العراقية الضربات على القوات الأميركية والرد الأميركي، لاسيما حين يشمل شن ضربات في العاصمة أو إصابة فصائل الحشد الشعبي التي لم يكن دورها واضحا في الهجمات على القوات الأميركية.
وقال ريناد منصور، وهو باحث بارز في تشاتام هاوس للأبحاث، إن قوات الحشد الشعبي تعدّ فعليا ذراعا للحكومة العراقية. وأضاف “يعتبرون أنفسهم حُماة الدولة” سواء بالقتال ضد داعش أو قمع المتظاهرين المناهضين للحكومة.
وقالت لهيب هيغل، وهي محللة بارزة لشؤون العراق في مجموعة الأزمات الدولية، إن لبعض الجماعات المسلحة في قوات الحشد الشعبي دورا مزدوجا.
ووضحت هيغل، في تصريح لأسوشيتد برس، أنهم “يشغلون وظيفة يومية، وهي عملهم في قوات الحشد الشعبي. كما أن لهم دورا آخر، ويندرج ضمن عمليات المقاومة هذه ضد الوجود الأميركي”.
وقال رئيس خلية الإعلام الأمني العراقي اللواء تحسين الخفاجي يوم الخميس إن الهجوم الأميركي الذي أدى إلى مقتل الساعدي يعد “انتهاكا عدائيا” لسيادة العراق، وأن تداعياته ستكون خطيرة على المنطقة.
واعتبر يحيى رسول، المتحدث باسم القائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية، ضربة الأربعاء “اغتيالا سافرا من خلال غارة جوية في قلب حي سكني في العاصمة بغداد، دون مراعاة لأرواح المدنيين أو القوانين الدولية”.
وحث الإطار التنسيقي، وهو ائتلاف من الأحزاب السياسية الشيعية المتحالفة مع إيران والذي أوصل السوداني إلى السلطة في أواخر 2022، رئيس الوزراء العراقي على تكثيف الجهود لإنهاء وجود التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في البلاد.
وجمعت محادثات رسمية الشهر الماضي مسؤولين عسكريين عراقيين وأميركيين لإنهاء مهمة التحالف. لكن العملية توقفت بعد يوم واحد إثر هجوم بطائرة دون طيار شنته المقاومة الإسلامية في العراق على قاعدة في الأردن أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين.
وتساءلت الكاتبة آبي سيويل في تقرير لوكالة أسوشيتد برس: ما الذي سيحدث بعد الرد والرد المقابل، هل ستتطور المواجهة إلى حرب شاملة؟
وقال منصور “لا يريد أي طرف في الواقع مواجهة شاملة، أو حربا مباشرة، في العراق” في مرحلة تتصاعد فيها التوترات. وذكر أنه من المرجح أن تواصل الولايات المتحدة والعراق العمل على خروج قوات التحالف والتحرك نحو إقامة علاقات ثنائية بين البلدين.
وقالت لهيب هيغل إن الفصائل المتحالفة مع إيران من المرجح أن تدفع الحكومة العراقية الآن إلى جدول زمني متسارع للتخلص التدريجي من التحالف.
وأضافت “لن تغادر الولايات المتحدة تحت التهديد وبمسدس على رأسها، إذا جاز التعبير… يتوجب خفض التصعيد لإجراء تلك المحادثات والوصول إلى بعض النتائج”.
وكانت الولايات المتحدة قابلت الهجمات ضدها في البداية بنوع من التراخي، ما شجع المجموعات المسلحة على تصعيد هجماتها. لكن الهجوم بطائرة مسيرة على قاعدة في الأردن والذي أدى إلى مقتل جنود أميركيين دفع واشنطن إلى تغيير إستراتيجيتها المرتبكة، وردت بسلسلة من الهجمات الانتقامية في العراق وسوريا استهدفت الحرس الثوري الإيراني والجماعات المسلحة التي يدعمها، ومنها هجوم بطائرة مسيرة في بغداد الأربعاء أسفر عن مقتل الساعدي.
وقال رايدر المتحدث باسم البنتاجون لرويترز إن الجيش الأميركي يواصل “اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية قواتنا التي تؤدي مهامها في مواقع خطيرة، وإعادة تقييم إجراءات حماية قواتنا بشكل مستمر” ولم يخض في تفاصيل بشأن أيّ تعديلات في الدفاعات الأميركية، مشيرا إلى أن ذلك لأسباب أمنية تتعلق بأمن العمليات العسكرية.
ويحذر المنتقدون لنهج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أن الهجمات الانتقامية ليست كافية للضغط على إيران التي تدعم تلك الجماعات المسلحة. ويعتقد بعض المسؤولين الحاليين والسابقين أن إيران بوسعها أن تأمر تلك الجماعات بالتوقف عن تنفيذ عملياتها.
ويطالب بعض الجمهوريين في الكونجرس بتوجيه ضربات أميركية للقوات الإيرانية حتى داخل إيران نفسها، وهو الأمر الذي تحجم عنه إدارة بايدن خوفا من جر إيران إلى حرب أوسع نطاقا.
وقال أحد كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين السابقين “يمكن لإيران أن توقف هذه الهجمات إذا أرادت ذلك”. لكنه أضاف “ولماذا ينبغي عليهم ذلك؟ لم يوجعهم ردنا”.
وحتى السابع من فبراير الجاري، تعرضت القوات الأميركية في العراق وسوريا والأردن لأكثر من 168 هجوما منذ تصاعد التوترات في الشرق الأوسط في أكتوبر مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.
وتسببت تلك الهجمات في إصابة 143 من الجنود الأميركيين بينهم اثنان بجروح خطيرة للغاية وتسعة بجروح خطيرة.
ووقع أسوأ هجوم في 28 يناير عندما ضربت طائرة مسيرة قاعدة أميركية تسمى البرج 22 على حدود الأردن مع سوريا، مما أسفر عن مقتل السرجنت وليام جيروم ريفرز والجندية كنيدي لادون ساندرز والجندية بريونا أليكسوندريا موفيت.