تبذل الحكومة العراقية جهودا لإحياء مشروع أنبوب النفط الذي سيمتد إلى الأردن، والذي مر بمراحل كثيرة من العثرات على العقود الأربعة الماضية ضمن مسعاها لتنفيذ المشاريع الإستراتيجية ومن بينها النفطية خاصة وأن المنطقة تشهد تقلبات مستمرة.
وتبدو فكرة مشروع أنبوب البصرة – حديثة وصولا إلى العقبة، التي تعود إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إحدى الأدوات لتنفيذ هذه الخطة رغم وجود معارضة من أهالي محافظة البصرة.
وعلى مدى عشر سنوات تفاوتت التقديرات حيال كلفة المشروع، فقد طرح في البداية وتحديدا في 2014 رقم 18 مليار دولار لتنفيذه، لتعلن وزارة النفط في 2022 أن الكلفة حددت بنحو 8.5 مليارات دولار، بطاقة تصدير يومية تبلغ نحو 2.25 مليون برميل يوميا.
وفي عام 2021، سلم العراق العروض التجارية والفنية الخاصة بإنشاء الأنبوب، وكانت كلفة المرحلة الأولى تقدر بحوالي 4 مليارات دولار للتنفيذ، والمرحلة الثانية داخل الأراضي الأردنية 22 مليار دولار بطريقة الاستثمار على مدى ربع قرن.
ومن المتوقع أن يوفر الأنبوب المرتقب منفذا جديدا للنفط العراقي إلى العالم عبر خليج العقبة على البحر الأحمر، مقابل حصول الأردن على كميات منه بكلفة أقل، فضلا عن تقاضيه رسوما مجزية لتمرير الخط عبر أراضيه.
وتؤكد أوساط اقتصادية أن تنفيذ المشروع الطموح سيساهم في زيادة الطاقة التصديرية من الخام، خاصة وأن موانئ البصرة وصلت لطاقتها القصوى، ولذلك لا بد من منافذ جديدة لإيصال النفط العراقي نحو أسواق أوروبا وأسواق أميركا الشمالية.
ويرى مدير عام شركة المشاريع النفطية علي وارد حمود أن أنبوب النفط البصرة – حديثة يعد من أهم المشاريع الاستراتيجية لحركة النفط في العراق وهو يعزز الاقتصاد من خلال تمكين البلد من تصدير النفط عبر منافذ جديدة.
ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى حمود قوله إن “جميع النفط المنتج من الحقول الجنوبية يتم تصديره من خلال موانئنا ونقاط التحميل المطلة على الخليج وهو المنفذ التصديري لغالبية النفط العراقي حاليا”.
وأوضح أنه مع وجود التحديات الجيوسياسية في المنطقة فقد أخذت وزارة النفط على عاتقها تنويع منافذ التصدير وتماشيا مع مشروع طريق التنمية وسعي الحكومة لجعله ممرا للطاقة العالمية، بالإضافة الى دوره في نقل البضائع بين الشرق والغرب.
وأعدت الوزارة في العقد الماضي دراسة لمنظومة التصدير الشمالية مستعينة بأهم الشركات الاستشارية العالمية، ووضع الخطط المناسبة لتطوير منافذ تصدير جديدة بما يخدم التوسع الحاصل في إنتاج النفط من خلال جولات التراخيص التي تطرحها.
ويندرج الأنبوب ضمن هذا التوجه، وسيتم تصنيع الجزء الأكبر منه داخل البلاد من قبل شركة الحديد والصلب المملوكة للدولة.
ومن المتوقع أن يدعم الأنبوب زيادة الطاقة الإنتاجية للبلد من خلال العقود التي وقعت ضمن جولات التراخيص ومن بينها الجديدة والتي ستؤمن زيادة الإنتاج.
ومن شأنه أيضا توفير كميات إضافية من الوقود للمشاريع الكبيرة في البلاد وكميات تسهم بتغطية الحاجة المحلية من البنزين وزيت الغاز والكيروسين.
وقال المختص بالسلامة النفطية والطاقة صباح علو إن “فكرة المشروع تعود للعام 1983 وهو ليس وليد اللحظة، وتعاقبت الحكومات السابقة على التصريح بالرغبة في تنفيذه لكن الموضوع تأخر عدة مرات”.
وأضاف إن المشروع “تم تضمينه في موازنة 2024 وخصص له مبلغ 4.9 مليار دولار تمهيدا لاستكمال المشروع، وهذا سيعطي للعراق إمكانية كبيرة لتنويع منافذ تصدير نفطه، خاصة مع مسعاه لزيادة الإنتاج الى 8 مليون برميل”.
ويعتقد العراق الذي يمثل ثاني أكبر منتج للبترول ضمن دول منظمة أوبك أنه لم يأخذ حصته الحقيقية من إنتاج النفط، وهو يبذل جهودا من أجل الاستفادة من إيراداته في تنمية الاقتصاد الذي تدمر على مدار سنوات طويلة بسبب الحروب.
وتشير التقديرات إلى أن القدرة الإنتاجية للبلد تبلغ حاليا أكثر من 5.5 مليون برميل يوميا، لكن الحصة التي حُددت له من أوبك هي 4 ملايين برميل يوميا فقط.
وأكد الباحث في العلاقات الدولية سعدون الساعدي في أن مشروع أنبوب البصرة – حديثة تم الحديث بشأنه قبل سنوات والآن تحركت الحكومة كونها أخذت على عاتقها تنفيذ المشاريع الإستراتيجية وتم وضعه ضمن موازنة العام الحالي.
ويرى أن أهمية المشروع تكمن في أنه سيخفف الضغط عن موانئ البصرة ويفتح آفاقا جديدة لزيادة السعة التصديرية عبر تسويق مليون برميل يوميا وكذلك سيخصص جزءا من النفط للتكرير وهذه إضافة مهمة لجدواه الاقتصادية.
وقال إن تنفيذه سينهي مشكلة أحادية الموانئ، إذ أن العراق يصدر النفط حاليا فقط عبر موانئ البصرة مع توقف خط كركوك – جيهان والمنطقة تشهد تقلبات مستمرة تحتم على العراق إيجاد منافذ تصديرية جديدة لذا فإنه “بات ضرورة ملحة للغاية”.
وخط أنابيب النفط بين العراق وتركيا الذي كان ينقل ذات يوم نحو 0.5 في المئة من إمدادات النفط العالمية، يشهد أزمة منذ أكثر من عام بعد إغلاقه وسط عقبات قانونية ومالية أمام استئناف التدفقات من الإقليم.
ويشير الأكاديمي والخبير النفطي كوفند شيرواني إلى أن إيجاد منافذ تصديرية جديدة أمر ضروري لتخفيف الضغط على موانئ البصرة التي وصلت لطاقتها التصديرية القصوى ولا بد من منافذ جديدة لاستيعاب القدرات التصديرية العراقية المستقبلية.
وقال إن “الأنبوب النفط يندرج في إطار هذا المسعى ومن الممكن أن ينفذ عبر مرحلتين الأولى من البصرة إلى حديثة والثاني من حديثة إلى ميناء العقبة ما يوفر منفذا تصديريا جديداً للعراق”.
ويعتقد شيرواني أنه من الضروري إعادة تشغيل خط كركوك – جيهان الذي كان ينقل 400 ألف برميل يوميا، بالإضافة إلى إمكانية استثمارية في نقل نفط نينوى وصلاح الدين وبطاقة قد تصل الى مليون برميل يوميا، ما يوفر منافذ تصديرية مهمة للبلاد.