قطع رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي حالة الغموض والتردّد التي طبعت موقفه من إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وطالب صراحة بتقديم موعد الانتخابات من سنة 2025 إلى نهاية العام الحالي 2024.
وبدت مطالبة زعيم حزب الدعوة الإسلامية الذي يقود ائتلافا برلمانيا تحت مسمّى دولة القانون مفتقرة لأي سند موضوعي نظرا لاستقرار الحكومة الحالية وتوفّقها في تحقيق بعض النجاحات السياسية والاقتصادية والأمنية.
واستند المالكي في مطالبته إلى كون إجراء انتخابات مبكرة بند مثبت في البرنامج الحكومي، وهو سبب اعتبرته مصادر سياسية عراقية ضعيفا ومجرّد ذريعة للتغطية على الهدف الأصلي للمالكي والمتمثّل في قطع مسار الصعود السياسي اللاّفت للسوداني والذي يجعل منه مرشّحا فوق العادة لترؤّس الحكومة القادمة، ما يعني قطع آمال زعيم ائتلاف دولة القانون للهيمنة مجدّدا على مقاليد السلطة التنفيذية سواء بالعودة إلى رئاسة الحكومة، وهو ما ينفي إلى حدّ الآن رغبته فيه، أو باختيار أحد مقربيه لترؤسها.
وتوضّح المصادر أن لنوري المالكي هدفا آخر من وراء مطالبته بإجراء انتخابات مبكرة، وهو التعجيل بتفكيك الإطار التنسيقي المشكّل من عدد من القوى الشيعية والذي يقوم بدور المظلّة السياسية للحكومة، وذلك بعد أن تحوّل الإطار الذي وقف المالكي نفسه وراء فكرة إنشائه، إلى منصة لصعود جهات منافسة لرئيس الوزراء الأسبق على السلطة والنفوذ.
ونشأ داخل الإطار التنسيقي تحالف جانبي مساند لرئيس الوزراء يقوده زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.
وفور إعلان المالكي مطالبته بإجراء انتخابات مبكرة بدأت الخلافات تدب داخل الإطار التنسيقي بإعلان جهات فاعلة فيه رفضها للفكرة.
ووصف تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم دعوة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بأنها ولدت ميتة ولا يمكن تطبيقها.
وتكشف تفاصيل مقترح الماكي بشأن الانتخابات المبكرة بوضوح نيته تفكيك دوائر النفوذ المنافسة له والتي نشأت في ظل حكومة السوداني، ومنع شخصيات بعينها من ضمنها السوداني نفسه من تركيز أقدامها في السلطة.
وظهر ذلك خصوصا في مطالبته باستقالة جميع أعضاء الحكومة قبل موعد الانتخابات بستة أشهر، قائلا “إنّ “عددا من الدول تعمل وفق ما نطرحه أي أن التنفيذي يستقيل قبل ستة أشهر من إجراء الانتخابات، وهي فكرة مطبقة حتى في إيران ودول أخرى ولا تظلم أحدا. فإذا أراد التنفيذي أن يرشح للانتخابات فيجب عليه الاستقالة حفاظا على إرادة العملية الانتخابية، وهي ضرورية جدا إذا ما أردنا أن نحمي كرامة وحرمة تلك العملية”.
وقال المالكي في تصريحات لقناة تلفزية عراقية “نحتاج إلى إجراء الانتخابات المبكرة، لكن المتعارف عليه أن الانتخابات تفرض أن يحل البرلمان نفسه، وأنا قد راجعت واستذكرت المواقع والمحطات التي مرت، فوجدت أن البرلمان لا يحتاج أن يحل نفسه بل أنه يستمر إلى ليلة الانتخابات، وعندما تتم الانتخابات يحل البرلمان أوتوماتيكيا”.
وبحسب زعيم دولة القانون فإنّ “العقدة” التي كانت لديه “هي أن الانتخابات تحتاج إلى أن يحل البرلمان نفسه، وأرى أنّ النواب لا يحلون أنفسهم، وقد تيقنت لاحقا أننا لا نحتاج إلى حل البرلمان، ويستطيع النواب قبل أسبوع أو قبل شهر أو إلى ليلة الانتخابات أن يبقوا على البرلمان موجودا، وامتيازات الأخوة وصلاحياتهم مستمرة”.
وعن مبررات دعوته، قال المالكي إنّ الانتخابات المبكرة هي”فقرة في البرنامج الحكومي والحكومة ملزمة بتنفيذها”. ودعا إلى أن “تكون الانتخابات عبر دوائر متعددة، لا كما جرت الانتخابات الأخيرة”.
وبشأن شروط ترشّح أعضاء الحكومة الحالية للانتخابات قال المالكي “قد يقول البعض إن التنفيذيين من حقهم خوض الانتخابات، لكن القانون الانتخابي يمنع ترشيح العراقيين بالخارج كما أن القضاة ممنوعون من المشاركة في الانتخابات إلا في حال استقالتهم، والعسكر ممنوعون من المشاركة إلا في حال استقالتهم، فالقضية ليست كما يتحدث عنها بعض الكتاب المتمنطقين بأنّ كل مواطن من حقه المشاركة”.
ورأى أنّ “الانتخابات الأخيرة التي جرت كشفت ظاهرة واضحة، هي أن المشاركين فيها استأثروا بكل الأموال والإمكانات الموجودة تحت تصرفهم سواء أكانوا وزراء أم محافظين”، بينما الانتخابات حسب رأيه “حِكمتها أنها تكشف توجهات المجتمع لكن تلك الانتخابات كانت عبارة عن انتخابات فلوس ومصالح وامتيازات وتوزيعات، ولم تكشف حقيقة عن توجهات الناس، وإنما أستطيع أن أقول إن الأموال التي جاءت بالتصويت أحدثت خللا، وهذا الخلل إذا استمر ستنتهي حكمة الانتخابات”.
وأثارت تصريحات المالكي سيلا من ردود الفعل تراوحت بين السياسي والقانوني.
وقال الخبير القانوني علي التميمي إنّ “الدعوات التي أطلقتها نخب سياسية لإجراء الانتخابات المبكرة في العراق لا يمكن أن تمضي دون غطاء قانوني يحدد وفق السياقات الدستورية”.
وأضاف في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية أنّ “إجراء الانتخابات المبكرة لا يكون إلاّ بحل البرلمان لأن المجلس منتخب لمدة أربع سنوات وفق المادة السادسة والخمسين من الدستور”.
وأوضح أن “الحل يتم بطريقين هما طلب ثلث أعضاء البرلمان وموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه أو طل رئيس مجلس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية، فضلا عن موافقة الأغلبية المطلقة في البرلمان، قبل أن يدعو رئيس الجمهورية إلى انتخابات عامة في البلاد خلال شهرين من تاريخ الحل كما تتضمن المادة الرابعة والستّين من الدستور”.
وأشار إلى أن”السياق الدستوري والمادة الثانية والسبعين من الدستور توجب أن يكمل رئيس الوزراء ما تبقى من عمر حكومته ولا يوجد شيء في الدستور العراقي اسمه انتخابات مبكرة أو حكومة مؤقتة، بل لابدّ من حل البرلمان قبل إجراء الانتخابات المبكرة”.
وسياسيا كان تيار الحكمة المحسوب ضمن التحالف الفرعي الداعم لرئيس الوزراء الحالي داخل الإطار التنسيقي الشيعي عن رفضه الصريح لدعوة المالكي لإجراء انتخابات مبكرة.
وقال رحيم العبودي القيادي في التيار إن “دعوة زعيم ائتلاف دولة القانون لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة نهاية العام الحالي تمثل وجهة نطره ورغبته الشخصية، وهذه الفكرة لم تطرح أو تناقش ما بين قوى الإطار التنسيقي، كما أن فكرة الانتخابات المبكرة مرفوضة من قبل الإطار”.
وسبق للمالكي أنّ أكّد في تصريحات سابقة له أن قال إنّ فكرة الانتخابات المبكرة موضع نقاش بين القوى المشكّلة للإطار التنسيقي. وقال في تصريحاته الأخيرة إنّ هناك تأييدا للفكرة يتراوح بين خمسين وستين بالمئة، لكنّه لم يذكر الأوساط التي احتسبت منها النسبتان ولا طريقة احتسابهما والتوصّل إليهما.
ويبدو أنّ رئيس الوزراء الأسبق يشير بحديثه عن تأييد فكرته بشكل أساسي إلى التيار الصدري الذي شرع زعيمه مقتدى الصدر في الاستعداد للعودة عن قراره السابق بمقاطعة الحياة السياسية، إثر فشله في احتكار امتياز تشكيل الحكومة إثر الانتخابات الماضية.
ويعدّ الصدر عدوا طبيعيا للحكومة الحالية التي شكّلها خصومه الذين تحالفوا ضدّه تحت راية الإطار التنسيقي بعد أن حصد عددا كبيرا من مقاعد البرلمان في تلك الانتخابات.
ويعتبر المالكي أحد ألدّ أعداء الصدر وسبق له أن استخدم القوات الحكومية في مواجهة عسكرية ضدّ الميليشيا التابعة له والمعروفة آنذاك بجيش المهدي.
ورغم ذلك كان زعيم ائتلاف دولة القانون أوّل من “بشّر” بعودة الصدر عن قراره المقاطعة والسماح لتياره بالمشاركة في الانتخابات القادمة.
ويذهب أغلب العارفين بشخصية المالكي وقدرته على نسج التحالفات المصلحية الظرفية المضادة للمنطق في أحيان كثيرة إلى توقّع إمكانية دخول الرجل في تحالف سياسي مع غريمه القديم لمواجهة توسّع نفوذ قيس الخزعلي، وذلك على أساس العداوة المستحكمة بين قائد ميليشيا العصائب وزعيم التيار الصدري والتي تعود إلى زمن إنشاء الميليشيا المنشقة عن جيش المهدي.
وأضاف العبودي في تصريحات لوكالة شفق نيوز الإخبارية أنّ “رفض فكرة الانتخابات المبكرة من قبل الإطار التنسيقي، هي لإدامة الاستقرار السياسي ولإكمال الحكومة لمشاريعها وخططها في ظل الرضا الحاصل عنها سياسيا وشعبيا، لهذا لا توجد أي مبررات لاجراء هكذا انتخابات، ونعتقد أن دعوة المالكي ولدت ميتة ولا يمكن تنفيذها”.
العرب