عاد الحديث عن ترحيل قادة حماس إلى خارج قطر بعد فشلها في الضغط على الحركة لتسهيل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين كخطوة تمهيدية لإنهاء المعارك في غزة مثلما تطالب بذلك إسرائيل والولايات المتحدة، في وقت يجري فيه الحديث عن أن الوجهة القادمة لحماس قد تكون العراق لتجنيب أصدقاء الحركة (قطر وإيران وتركيا) الحرج.
الحديث عن استضافة العراق لحماس رغم نفيه يعني أن الموضوع حُسم قَطريّا أوّلا، وأن تركيا ليست البديل ثانيا، وأن الابتعاد عن الإشارة إلى استضافتها من قبل إيران يعني أن حماس نفسها لا تريد التواجد في بلد منبوذ إقليميا مهما كان بينه وبين الآخرين من ابتسامات دبلوماسية.
ويعني الانتقال إلى إيران عزلة لغوية ومذهبية وإعلامية؛ فكل شيء محسوب في إيران وليس هناك باب مفتوح لقناة الجزيرة مثلما هو الحال في قطر.
وذكرت صحيفة “ذا ناشونال” أن حركة حماس تخطط لمغادرة قطر متوجهة إلى العراق، وأن بغداد وافقت على هذه الخطوة الشهر الماضي، مضيفة أن إيران ستكون مسؤولة عن حماية قادة حماس ومكاتبها وأفرادها في بغداد.
ويعتبر الانتقال إلى العراق حلا مريحا لحماس التي تريد البقاء بعيدة عن إيران جغرافيّا وتحت أعينها عمليّا من خلال وجودها تحت حماية ومتابعة الميليشيات والأحزاب الموالية لطهران، وهو ما يمنحها هامشا من المناورة للإيحاء بأنها لا تزال حركة إخوانية حتى لا تثير غضبا واسعا لدى الشارع الإخواني المناوئ لإيران، والذي لم ينس دورها في هزيمة مشروع التمكين للجماعة في سوريا من خلال تدخلها لإبقاء حكم الرئيس بشار الأسد.
وبالتوازي مع ذلك سيسهّل وجود حماس في العراق على إيران التنسيق مع الحركة ويفتح أمام قادتها أبواب لقاء قادة الحرس الثوري، تماما مثلما يجري مع قادة الميليشيات العراقية التي تأخذ التعليمات باستمرار من زيارات هؤلاء المسؤولين.
ويتيح الوجود المباشر في العراق لحماس أن تحافظ على القنوات التي ربطتها على الأراضي القطرية بالإسلاميين مجموعات وأفرادا، خاصة شبكات الدعم الدعائي والسياسي الذي تحصل عليه من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
وكان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، أعلن أن الدوحة بصدد “تقييم” دور الوساطة الذي تؤديه منذ أشهر بين إسرائيل وحركة حماس، ما يوحي بأن قطر قررت رفع اليد عن حماس وعن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.
ولا يمنع وجود حماس في العراق من أن تستمر علاقتها بقطر كقناة وساطة مستقبلية في حال احتاجت إليها الولايات المتحدة وإسرائيل في ترتيبات قادمة، ما يجعل الانتقال إلى العراق إجراء للضغط أكثر منه قطيعة. كما أنه يخفف العبء عن قطر التي تتخوف بدورها من مرحلة ما بعد الحرب، خاصة عقب التهديدات التي صدرت عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضدها.
وتتخوّف قطر أساسا من الحملات التي يمكن أن يلجأ إليها اللوبي الداعم لإسرائيل ضد مصالحها، ما قد يعيد المناخ المناوئ لها خلال سنوات 2017 – 2020 في الولايات المتحدة والاتهامات التي كانت توجه إليها أيام حكم الرئيس السابق دونالد ترامب بسبب ارتباطاتها مع جماعات إسلامية. ويمكن أن يكون فوز ترامب بولاية جديدة في انتخابات نوفمبر القادم مثار قلق للدوحة.
وكان وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي قد صرح بأن “قبول قطر كوسيط خطأ فادح، قطر ليست وسيطًا، إنها لاعب… وجزء من هجوم السابع من أكتوبر”، معتبرًا أن “قطر وإيران هما عدوّان” لأنهما “جزء من الإسلام الجهادي المتطرف”.
وأثبتت فرضية انتقال حماس إلى العراق ما سبق أن راج بشأن رفض تركيا استقبال الحركة على أراضيها.
وكان يُعتقَد أن تركيا ستكون الدولة المضيفة، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قطع حبل التوقعات بقوله إن مكان حماس هو الدوحة، وذلك بالرغم مما رافق زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى أنقرة من تأويلات أقرّت بأن الزيارة ترتب لهذا الانتقال.
وفي لقائه بهنية لم يلمّح الرئيس التركي، لا من قريب ولا من بعيد، إلى موضوع استقبال قادة حماس.
ويجد العراقيون في انتقال قادة حماس إلى أراضيهم فرصة طرح أنفسهم كوسيط إقليمي بعد نجاحهم في رعاية مفاوضات بين إيران والسعودية في مرحلة أولى قبل أن تنتقل المفاوضات إلى رعاية الصين في مرحلة ثانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن “هذه الخطوة قد تمت مناقشتها الشهر الماضي من قبل رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية وممثلين عن الحكومتين العراقية والإيرانية. وأكد هذه المحادثات نائب عراقي كبير وزعيم حزب سياسي له علاقات وثيقة مع جماعة مسلحة مدعومة من إيران”.
وزعمت الصحيفة أن النائب العراقي نفسه قال إن “هذه الخطوة المحتملة تمت مراجعتها بشكل منفصل الشهر الماضي من قبل هنية ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اللذين تحدثا عبر الهاتف”.
ونفى عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق أن الحركة تخطط لمغادرة دولة قطر والتوجه إلى العراق، وذلك في تصريح له عبر قناته في تطبيق تيليغرام.
العرب