يفقد العراق نحو (400) دونم سنوياً بسبب التغيرات المناخية، ويتبين ذلك في الخطة الزراعية الشتوية والتي تضمنت زراعة (5) ملايين ونصف دونم فقط بعدما كانت (14) مليون ونصف دونم في عام 2020 و(16) مليون دونم في عام 2019، وبرغم التعويل الكبير على موجة الأمطار التي شهدها العراق خلال الفترة الماضية إلا أن العديد من المزارعين في محافظة بابل قد تظاهروا أمام مبنى المحافظة احتجاجاً على شحة المياه وتردي واقع الطاقة الكهربائية والذي أدى لتفاقم أزمة المياه، مما ينذر بتهديد للأمن القومي والاقتصادي للعراق بما يخص قطاع الزراعة.
وأكد اتحاد الجمعيات الفلاحية معاناة القطاع الزراعي بسبب شحة المياه بالدرجة الأساس وعوامل أخرى ومن ضمنها ضعف قطاع الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة بعد تأثر العراق بالتغير المناخي، داعياً إلى استثناء مضخات المياه الزراعية من قطع الكهرباء وتحديداً في فصل الصيف لإدامة واستمرار المياه للمزروعات، فيما أعلن خبير مائي عن امتلاك العراق لمنسوب مياه جيد يؤهله للحد من تأثير التغير المناخي وإنهاء معاناة المواطنين والمزارعين من شحة المياه، ولكن سوء الإدارة يحيل دون ذلك.
قطع الكهرباء
وقال عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية حاتم الدفاعي لوكالة (باسنيوز)، إن «القطاع الزراعي يعاني كثيراً من شحة المياه بالدرجة الأساس، وهناك عوامل أخرى ومن ضمنها ضعف قطاع الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة بعد تأثر العراق بالتغير المناخي بشكل كبير، وكذلك السياسة الزراعية والمبنية على قوانين قديمة قد أكل عليها الدهر وشرب مثل قانون (117) لسنة 1970 وقانون (35) لسنة 1983 وغيرها، ونحن بالتالي نحتاج لثورة زراعية تتضمن تعديل تلك القوانين بما يتناسب مع المتغيرات الحالية».
وأضاف الدفاعي، أن «الثورة الزراعية تتطلب وضع استراتيجية مركزية تشرف عليها رئاسة الوزراء بالإضافة لوزارة الزراعة لتطوير القطاع الزراعي واستخدام وسائل الري الحديثة وإعادة البنى التحتية للزراعة من خلال تبطين القنوات الإروائية وإعطاء الاستثناءات لمضخات المياه الزراعية من قطع الكهرباء وتحديداً في فصل الصيف لإدامة واستمرار المياه للمزروعات».
وبين عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية، أن «العراق لديه الآن خزين مائي جيد ومع ذلك تعاني مناطق الوسط والجنوب من الجفاف وأزمة المياه، ولا نعلم أسباب ودوافع عدم إطلاق المياه للمزارعين إن كان سوء إدارة وتخطيط، أم لا يوجد تنسيق بين وزارتي الزراعة والموارد المائية بهذا الخصوص، ونحن ننتظر من الجهات المعنية أن تبين لنا الأسباب بكل شفافية».
ويعاني نحو 60 بالمئة من الفلاحين في العديد من المحافظات العراقية جراء تقليص المساحات المزروعة وخفض كميات المياه المستخدمة، وفقا لاستطلاع أجرته منظمة المجلس النرويجي للاجئين غير الحكومية، داعية السلطات إلى إدارة الموارد المائية بشكل أفضل.
وكشف مسح أجراه المجلس أن دخل بعض المزارعين زاد في 2023 مقارنة بالعام 2022، عازياً الفضل في ذلك إلى هطول الأمطار بنسبة «أعلى من التقديرات» الأولية، مما أدى لتحسن معدلات المحاصيل.
سوء إدارة الملف
من جانبه أوضح الخبير في مجال المياه عادل المختار، أنه «عند حصول موسم الأمطار وحصول موجات الفيضان والوفرة المائية وارتفاع الخزين المائي قبل أشهر قليلة، كنت قد حذرت من كون فصل الصيف الحالي سيكون قاسي جداً، وهذا متوقع بسبب سوء الإدارة وباتت شحة المياه تضرب محافظات الوسط والجنوب وتحديداً محافظة بابل، حتى أصبح وضعها صعب جداً».
وأوضح المختار لـ (باسنيوز)، أن «العراق يمتلك خزين مائي يقدر بنحو (20) إلى (21) مليار متر مكعب، وفي سد الموصل على سبيل المثال وصل مستوى المياه لأعلى منسوب بارتفاع (325) متر للمياه، وهو يفترض أن يكون (321) ولكن قد عبرنا ذلك ولم يستطيعوا خفض مستوى المياه نظراً لوفرة الكميات المائية التي تأتي للسد، وبالتالي فإن الوضع المائي جيد، ولكن هناك مشكلة بإدارة ملف المياه، حيث أنها متوفرة وبما يمكن عبور الأزمة خلال فصل الصيف».
وأشار الخبير في مجال المياه، إلى أن «العراق يحتاج إلى إطلاق 400 متر مكعب من المياه في الثانية في مجاري الأنهار من أجل معادلة الوضع البيئي والمائي، ومع بدء فصل الصيف بالتزامن مع بدء الخطة الزراعية، وبسبب ارتفاع ظاهرة ‹النينو› وارتفاع درجات الحرارة بشكل قاسي، فإننا نحتاج إلى إطلاق 400 متر مكعب من المياه الإضافية ليكون المجموع 800 متر، ويكون ذلك لمدة شهرين فقط، بمعنى نحتاج إلى إطلاق ملياري متر من المياه خلال فصل الصيف الحالي ليكون الوضع المائي جيداً ويريح المواطنين ويوفر المياه للمزارعين».
وفي ظل انحسار كمية الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، يعاني العراق جفافاً للسنة الرابعة على التوالي. وتندّد السلطات العراقية بسدود تبنيها تركيا وإيران على نهري دجلة والفرات، تتسبب بانخفاض منسوب النهرين وروافدهما حينما يصلان إلى العراق.
إلا أن المجلس النرويجي للاجئين حمّل المسؤولية كذلك إلى «إدارة الموارد المائية» في البلاد خصوصا «ممارسات الري في العراق وعدم الكفاءة في استخدام الموارد المائية المتناقصة».
وذكر تقرير المنظمة بأن «نحو 70 بالمئة من المزارعين الذين شملهم المسح» يقولون إنهم «يستخدمون الري بالغمر»، وهي طريقة تعتبر على نطاق واسع «الأكثر استهلاكاً للمياه» وغير مناسبة للمناطق «المعرضة للجفاف الموسمي».
واقترح المجلس النرويجي للاجئين تحسين الإمكانات الزراعية عبر «رصد وتنظيم وتوزيع الموارد المائية».
وحذّر مدير المكتب الوطني للمجلس أنتوني زيليكي من «تغيّر مناخ العراق بشكل أسرع من قدرة الناس على التكيّف».
وأجبر هذا الوضع عشرات الآلاف من العائلات على النزوح إلى أطراف المدن. وأكدت وزارة البيئة العراقية استمرار عمليات النزوح القسري لعدد كبير من العائلات بسبب شحّ المياه وتزايد رقع التصحر في عموم المحافظات العراقية.