يسعى رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يبدو أنه لم يعد يتحمل البقاء على هامش العملية السياسية في العراق بعد إعلانه مقاطعتها، إلى العودة عبر الانتخابات البرلمانية المنتظرة العام المقبل، حيث بدأ يعد العدة لهذا الاستحقاق التشريعي الذي يعتزم من خلاله اكتساح الانتخابات.
وكشف مصدر مقرب من زعيم التيار الوطني الشيعي، اليوم الأحد، عن انتهاء التيار من الاستعدادات كافة، تمهيدا للعودة السياسية والانتخابية خلال المرحلة المقبلة.
ونقل موقع “شفق نيوز” عن المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، قوله إن “الاجتماعات واللقاءات السياسية ما بين قيادة التيار الصدري والمسؤولين عن الملف السياسي والانتخابي مستمرة منذ ما يقارب شهرين، وعقدت اجتماعات عدة في النجف وبغداد بشكل غير معلن”.
وأضاف المصدر أن “الصدر وتياره أنهيا كل الاستعدادات من أجل عودة التيار الوطني الشيعي السياسية والانتخابية، والعودة ستكون بشكل تدريجي، وستكون مدعومة في بادئ الأمر من قبل (وزير الصدر) صالح محمد العراقي، وبعدها سيكون دعم العودة بشكل مباشر من قبل الصدر نفسه”، دون كشف مزيد من التفاصيل.
وكان الصدر، قد أخذ في إرسال رسائل مختلفة حول عودته إلى الساحة السياسية، من بوابة الانتخابات التي لا يزال الخلاف حولها دائرا في حال كانت ستُعقد مبكرة أم في موعدها في بحر سنة 2025، أو كانت ستجري وفق القانون السابق أو الحالي.
وكشفت وسائل إعلام عراقية خلال الأيام القليلة الماضية عن تحالف جديد قد يعلن عنه في وقت قريب تمهيدا للانتخابات المقبلة، يضم نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون ومقتدى الصدر زعيم التيار الوطني الشيعي.
ويلعب زعيم دولة القانون على وتر “الانتخابات المبكرة” في أحدث موقف للمالكي داخل الإطار التنسيقي الذي غاب عن آخر اجتماع للتحالف عقد قبل أيام في بغداد.
ومطلب الانتخابات المبكرة، لم يعد دعاية، كما كان يروج له بعض الإطارين، إنما هناك سعي حقيقي لتثبيت هذا الاجراء، فقد قال عبدالرحمن الجزائري، عضو في دولة القانون لوسائل إعلام محلية إن “الانتخابات المبكرة مطلبنا ولن نتنازل عنه”.
ويرفض طيف واسع داخل الإطار التنسيقي الانتخابات المبكرة، أبرزها حيدر العبادي زعيم تحالف النصر والذي سبق له أن ترأس الحكومة خلفا للمالكي نفسه، وعمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، وهادي العامري قائد ميليشيا بدر، وقيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ.
وقال الحكيم في أبريل الماضي إن “الانتخابات المبكرة تأتي لمعالجة انسداد سياسي وهذا غير متحقق حاليا”.
وأضاف أن “تكرار الانتخابات المبكرة سيدخل العراق في جو من الشتات ولا مصلحة للبلد فيها إضافة إلى صعوبة تحقيقها فنيا وواقعيا”.
وبدأت قصة الانتخابات المبكرة في مارس الماضي، حين نجح المالكي، على خلاف الروايات من التيار الصدري، في التواصل مع الصدر.
وقال قيادي في حزب الدعوة في تصريح إعلامي “في تلك اللقاءات لمسنا رغبة التيار في انتخابات مبكرة”، مضيفا “لم نمانع حينها أن نؤيد المطلب إذا دعمه التيار”.
ولم يحدد القيادي مستوى الوفد الصدري الذي التقى به ومدى قربه من الصدر، لكن كانت قبل ذلك تسريبات عن رسائل شفوية نقلها المالكي إلى زعيم التيار.
والصدر هو صاحب أول طلب لإقامة انتخابات مبكرة بعد 2021 (الانتخابات التشريعية)، حيث دعا في صيف 2022 بعد استقالة نوابه، الى حل البرلمان وتعجيل الانتخابات. لكن المالكي كان حينها ضد هذا الاجراء، وكانت أغلب مواقفه معارضة للصدر.
وأمام صعود شعبية رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي أثّر على دور المالكي داخل الإطار التنسيقي، عدّل زعيم دولة القانون موقفه وبات من أبرز المطالبين بالانتخابات المبكرة.
وكان المالكي انتقد في تصريحات تلفزيونية قبل 4 أشهر حملة “المجسرات” في بغداد والتي أطلقها السوداني، وقال بانها “لن تضمن منصب رئيس الوزراء”.
وبدأ السوداني، بحسب بعض التسريبات السياسية الجديدة بالتأسيس لتحالف جديد تمهيدا للانتخابات المقبلة، كان قد كشف عنه أول مرة أحمد الاسدي، وزير العمل والقيادي في الإطار التنسيقي في مارس الماضي، وقال حينها بانه “سينضم اليه”.
وكان رئيس الحكومة قد أبعد في الانتخابات المحلية التي أجريت العام الماضي، عن المنافسة بسبب مخاوف الشركاء من استغلال الموازنة لتلميع صورة السوداني.
ووفق حسابات القوى السياسية الآن فإن السوداني قد يحصل في الانتخابات المقبلة بين 50 الى 60 مقعدا، وهو قريب من نتائج الصدريين في 2021، فيما قد يحصل المالكي على أقل من نصف هذا الرقم.
وعملا بذلك فُسر قفز عالية نصيف، النائبة المتحمسة لمواقف المالكي، مؤخرا من قارب دولة القانون، بسبب “التمايز” داخل الائتلاف، في بيان الانسحاب الذي نشرته على منصة إكس الشهر الماضي.
لكن بالمقابل، تشير مصادر داخل ائتلاف المالكي، بأن التفاهمات مع التيار الوطني الشيعي وصلت الى “مراحل متقدمة” قد تصل الى “مستوى التحالف”.
ونقل موقع “المدى” العراقي عن مصادر في الإطار التنسيقي قولها إن المالكي يريد “نهاية سعيدة لمشواره السياسي بالحصول على ولاية ثالثة”.
وترفض أوساط الصدر التعليق على تلك الأنباء، لكنهم يتحدثون عن وجود بدائل ثانية مثل التقارب مع “المدنيين”، أو خوض الانتخابات منفردا.
وقاطع الصدريون الانتخابات المحلية الأخيرة، بأوامر من زعيم التيار، فيما سحب “الإطار” ثلاثة محافظين من الصدريين (ذي قار، ميسان، والنجف).
والأقرب للواقع أن الصدر لن يخوض الانتخابات قبل حسم مرشحه لرئاسة الحكومة، وتسويق هذا المرشح داخل التيار وخارجه. وعلى الرغم من احتفاظ جعفر الصدر، بحكم مكانته في عائلة الصدر، بموقع أساسي ضمن قائمة المرشحين، فإنه لا يُستبعد أن تُرشَّح أسماء أخرى من داخل التيار.
وفاز التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية عام 2021 لكن الصدر أمر نوابه بالاستقالة، ثم أعلن في العام التالي الانسحاب بشكل نهائي من العملية السياسية في البلاد بعد أن أحبطت أحزاب شيعية منافسة محاولته تشكيل حكومة أغلبية مع الأحزاب الكوردية والسنية فقط.
ويندد الصدر، وهو شخصية بارزة في العراق منذ الغزو الذي قادته واشنطن عام 2003، بنفوذ كل من إيران والولايات المتحدة في العراق.
ويتوقع أن تكون إيران من بين أكثر المرحبين بعودة الصدر، وأنها ستحاول في المرحلة المقبلة إعادة التوازنات معه حتى لو كان ذلك على حساب بعض أنصارها، مع ضمان الاحتفاظ بفصائل ما يسمى “محور المقاومة”، فإن واشنطن ستُحافظ على الأرجح، من جهتها، على مقاربتها الحالية إزاء الوضع السياسي العراقي ودعم جهود التهدئة هناك عموماً، وهو وضعٌ سمح لها بفرض اشتراطات على الحكومة العراقية، ومن المتوقع أنها لن تتخذ موقفاً أكثر تشدداً في حال نجح الصدر في تشكيل تحالف حكومي بعد الانتخابات المقبلة.