شهدت القوى السياسية السنية في العراق انقساماً جديداً بشأن انتخاب رئيس البرلمان العراقي الجديد، على أثر إعلان تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر وتحالف العزم بزعامة مثنى السامرائي تمسكهما بترشيح محمود المشهداني للمنصب المعطل منذ أشهر عدة، فيما يصر حزب تقدم الذي يرأسه رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي على فتح باب الترشيح مجدداً لتقديم أحد نوابه للمنصب. وعقدت أطراف سياسية سنية عدة يتقدمها حزب الحلبوسي، قبل أيام، اجتماعاً أعلنت فيه أن لديها 55 نائباً عن المكون السني، داعية في الوقت نفسه إلى فتح باب الترشيح لمنصب رئيس مجلس النواب لتقديم مرشح جديد يمثلها، الأمر الذي يرفضه الإطار التنسيقي الحاكم في العراق.
وبعد مرور أكثر من تسعة أشهر على إنهاء عضوية رئيس البرلمان العراقي السابق محمد الحلبوسي بقرار من المحكمة الاتحادية العليا بتهمة التزوير، ما زالت الخلافات قائمة على اختيار بديل له بين القوى السياسية العراقية، على الرغم من كل الوساطات التي أطلقتها أطراف سياسية مختلفة داخل البيت السياسي السني، ومن قبل أطراف ضمن التحالف الحاكم في العراق (الإطار التنسيقي)، وآخرها وساطة زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود البارزاني.
ووفقاً لعضو “الإطار التنسيقي” علي الفتلاوي، فإن “الأطراف السياسية السنية ما زالت تعطل وتعرقل انتخاب رئيس جديد للبرلمان، بسبب الخلافات والصراعات فيما بينها”، مبيناً لصحيفة “العربي الجديد” أن “أي حل يُطرح يتم الاختلاف عليه مجدداً، وهذا ما عطل حسم الملف طيلة الأشهر الماضية”. وأضاف أن “دعم محمود المشهداني كان يجب أن يكون حلاً للاتفاق على مرشح واحد، لكن حزب تقدم اختلف عليه، وهو يريد تقديم مرشح جديد من خلال إعادة فتح باب الترشيح، وهذا ما يرفضه الإطار التنسيقي، وأبلغ الأطراف السياسية السنية بذلك”، مشدداً على أن “فتح باب الترشيح لمرشح جديد يُعدّ مخالفة دستورية ويخالف قرارات المحكمة الاتحادية”.
وأوضح الفتلاوي أن “الإطار التنسيقي أعطى القوى السياسية السنية فرصة أخيرة، وهي هذه الأيام قبل زيارة الأربعين، وبعد الزيارة، إذا لم تتوافق القوى السياسية السنية فيما بينها، فسوف نذهب لعقد جلسة انتخاب جديدة، ويُترك الأمر للنواب للتصويت على من يرونه مناسباً، ومن يحصل على أعلى الأصوات يكن هو رئيس البرلمان العراقي الجديد، فلا يوجد أي مبرر لاستمرار هذا التعطيل”. والاثنين، أكد رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في كلمة متلفزة أن هناك لغطاً أثير حول إرادة المكون الأكبر للسيطرة على رئاسة البرلمان وهذا غير صحيح، وأن الإطار التنسيقي حريص على اكتمال العملية السياسية، وإنهاء أزمة رئاسة البرلمان، وأن الإطار بادر أكثر من مرة لإيجاد حالة توافقية بين القوى السنية بشأن القضية.
بدوره، قال عضو حزب تقدم محمد الغريري، : “ما زلنا متمسكين برئاسة مجلس النواب، كونه استحقاقاً انتخابياً وسياسياً لنا، ولا تنازل عن هذا الاستحقاق، ولا يوجد أي اتفاق مع أي طرف سياسي بشأن أي تنازل”. وأضاف الغريري أن “ملف رئاسة مجلس النواب تحوّل حسمه حالياً إلى ما بعد زيارة الأربعين، لكن الحوارات والمفاوضات ستبقى مستمرة ومتواصلة من أجل نيل حق حزب تقدم الانتخابي والسياسي، وعلى الجميع الالتزام بهذا الأمر، واحترام الأعراف السياسية”، مشيراً إلى أن “حزب تقدم ليس لديه أي مانع من الحوار مع أي طرف سياسي، ما دام هناك احترام لحق الحزب السياسي والانتخابي، وعملنا وسنبقى نعمل سياسياً من أجل الحصول على استحقاقنا، ولا شيء غير استحقاقنا”. وأكد أن “هناك من يريد الاستحواذ على المنصب بصورة غير صحيحة ويعرقل تحقيق الأعراف السياسية، من خلال عدم احترام من يمثل الأغلبية السنية داخل البرلمان العراقي”.
وشدد عضو حزب تقدم على أنه “بعد جمعنا الأغلبية البرلمانية الواضحة بـ55 نائباً، فإننا مع فتح باب الترشيح من جديد، حتى يتم تقديم مرشح يمثل هؤلاء النواب، وهذا استحقاق لنا، وهذا الأمر يمكن أن يتم دون أي خرق دستوري أو قانوني، من خلال تعديل النظام الداخلي للبرلمان”. في المقابل، رأى المحلل السياسي محمد علي الحكيم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “أزمة رئاسة البرلمان العراقي تتعمق يوماً بعد يوم، وأن أي حل يُطرح يزيد من الخلافات والصراعات، فبعد إعلان دعم محمود المشهداني من قبل تحالفي السيادة والعزم، حصل انقسام وخلاف جديد سني – سني، وهذا ما يؤكد صعوبة حل الملف”. وبيّن الحكيم أن “حل هذه الأزمة ممكن من خلال توجه الإطار التنسيقي لعقد جلسة انتخاب لرئيس البرلمان، حتى دون اتفاق القوى السياسية السنية، لكن هناك رغبة لدى بعض قوى الإطار في أن يبقى الوضع على ما هو عليه، ويبقى محسن المندلاوي رئيساً للبرلمان لغاية نهاية الدورة البرلمانية الحالية، ولهذا نرى تعطيلاً لهذا الملف رغم الأشهر الطويلة من المفاوضات والحوارات، والوساطات الداخلية والخارجية”.
وكان البرلمان العراقي قد أخفق خمس مرات تباعاً في حسم الملف، في ظل انقسام بين الأطراف السياسية في دعم أحد المرشحين للمنصب، وهما محمود المشهداني مرشح حزب تقدم، وسالم العيساوي مرشح السيادة والعزم والحسم، الذي حصل على أغلبية الأصوات خلال جلسة البرلمان العراقي الأخيرة. وشهدت الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس البرلمان العراقي الجديد، التي عقدت في نهاية مايو/ أيار الماضي، عراكاً بالأيدي، وأصيب أحد النواب بجرح في رأسه جراء مشاجرة بين نائبين ينتمي كل واحد منهما إلى حزب يُنافس الآخر للظفر بالمنصب، فضلاً عن شتائم وسباب بين نواب ورئيس البرلمان بالوكالة محسن المندلاوي، الأمر الذي أفضى إلى تدخل قوات الأمن لفض الشجار، ومغادرة معظم النواب ورؤساء الكتل السياسية قاعة البرلمان، ورفع الجلسة حتى إشعار آخر.