تلقت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني سلسلة من الضربات المسيئة لصورتها في أوج تدفّق الملايين من الزوار الشيعة من داخل العراق وخارجه على المناطق التي تضمّ أبرز المعالم المقدّسة في عقيدتهم لإحياء مراسم أربعينية الإمام الحسين.
وألقت جملة من الحوادث الدامية شهدتها المناسبة بظلال من الشكّ على قدرة السلطات على تنظيم مثل تلك المناسبات وعلى إحكام ضبط الأوضاع الأمنية خلالها، على الرغم مما تمتلكه من مقدرات ووسائل بشرية ومادية ضخمة.
وكثيرا ما تقدّم الحكومة المشكّلة من قبل الأحزاب والفصائل الشيعية المنضوية ضمن الإطار التنسيقي نفسها للرأي العام المحلّي وكذلك الإقليمي والدولي باعتبارها ضامنة لإطلاق مرحلة جديدة من الاستقرار في البلد، والمحفّز على تنشيط الدورة الاقتصادية وتحريك عجلة التنمية والمشجّع على جلب المستثمرين الأجانب.
لكنّ معارك دامية واشتباكات مسلّحة تخللت مراسم الأربعينية أظهرت أنّ فوضى السلاح ما تزال على حالها في العراق، وأنّ أجساما دخيلة على الهياكل والمؤسسات الرسمية للدولة ما تزال تسجل حضورها في المشهد الأمني في البلاد وتحاول أن تفرض سطوتها على قواته المسلّحة بحدّ ذاتها.
ولا تتعلق الدعاية السلبية التي جنتها حكومة السوداني من الأربعينية هذا العام بصورتها في الخارج فحسب، ولكنّها تزعزع مكانتها في الداخل أيضا وهي التي ما تزال ملاحقة من قبل خصوم لها يعملون على إنهاء فترتها القانونية مبكرا من خلال دعوتهم لإجراء انتخابات سابقة لأوانها.
وما يضاعف من حرج الحكومة أنّ الفشل التنظيمي يتعلّق بمناسبة ذات قيمة كبيرة للشيعة الذين يمثلون أساس تجربة الحكم القائمة في العراق ورافعتها الأساسية. وتظهر أرقام متداولة في العراق توافد أكثر من ثمانية ملايين زائر عراقي وأجنبي إلى مدينة كربلاء المقدّسة لدى الشيعة لإحياء أربعينية الحسين. وقدم أكثر من ثلاثة ملايين من هؤلاء الزوار من إيران، وقدمت أعداد أقل من بلدان أخرى مثل باكستان وأفغانستان ولبنان.
وكثيرا ما ينتقد خبراء اقتصاديون عجز السلطات العراقية عن استثمار تلك المناسبة مؤكّدين أن عوائدها على البلد تكاد تكون صفرية، وأن هذا العدد المهول من الزوار يتحوّل في الغالب إلى عبء اقتصادي وأمني على السلطات بدل أن يشكّل فرصة اقتصادية للسكان كما هي الحال بالنسبة إلى مناسبات شبيهة في أماكن أخرى من العالم.
وتوّجت الحوادث التي شهدتها أربعينية هذا العام بأخطرها على الإطلاق والمتمثّل في اشتباك اندلع الخميس بين عناصر من الجيش العراقي وأفراد فصيل مسلح ينتمي الى الحشد الشعبي في مدينة كربلاء خلال مسيرة للزوار المتوجهين إلى المدينة.
ووقع تبادل إطلاق النار وسط جمع كبير من الزوار قرب حاجز تفتيش تابع للجيش، وعلى إثره تم اعتقال ستة من أفراد الحشد الشعبي المتورطين بالحادث. واندلع الاشتباك عندما حاولت أربع مركبات من قوات الحشد عبور حاجز تفتيش للجيش، على طريق مخصص للمشاة ومغلق أمام حركة السيارات بينما منعها الجنود من ذلك.
وجاءت الحادثة غداة مقتل شخص وإصابة عدد آخر من زوار الأربعينية في شجار مسلح بين أفراد إحدى العشائر جرى في منطقة الزركة بالنجف. وقامت السلطات على إثر ذلك باعتقال ثلاثة وخمسين من المشاركين في الشجار، بحسب بيان صادر عن وزارة الداخلية العراقية جاء فيه “أن قوات مشتركة من التدخل السريع وشرطة محافظة النجف ضبطت أسلحة وباشرت عمليات البحث عن باقي المتورطين في الحادث”.
كذلك شكّل تواجد أعداد كبيرة من الزوار بشكل متزامن في أماكن محدّدة ضغطا كبيرا على البنى التحتية المتهالكة أصلا في العراق بما في ذلك الطرقات، وتسبب في حوادث بعضها مميت.
وكان قد أعلن في وقت سابق عن مقتل إيرانيين وإصابة أكثر من سبعين آخرين في حادثين مروريين منفصلين حدثا في محافظة الديوانية بجنوب العراق وفي ديالى شرقي العاصمة بغداد لدى عودتهم مع أفواج إيرانية من كربلاء بعد المشاركة في مراسم الأربعينية. كما أعلنت مديرية الدفاع المدني العراقية إنقاذ سبعين زائرا من جنسيات مختلفة خلال إخماد حريق اندلع داخل بناية مكونة من سبعة طوابق في كربلاء.
ولا تخلو الزيارة من ظواهر سلبية ملازمة لها من ضمنها استغلال عصابات تهريب المخدّرات وسائر المواد الممنوعة لحالة الاكتظاظ الشديد بما في ذلك بالمنافذ الحدودية وانشغال السلطات الأمنية بتأمين الأربعينية لتسريب كميات كبيرة من المواد المخدّرة إلى البلاد، وخصوصا من إيران وسوريا اللتين تحولتا إلى بؤرتين كبيرتين لتصدير تلك المواد إلى بلدان المنطقة.
وأزعجت الأحداث التي رافقت أربعينية الحسين هذا العام رئيس الوزراء العراقي الذي قام بزيارة عاجلة إلى مقر قيادة العمليات المشتركة لمتابعة الخطة الأمنية للزيارة الأربعينية، حيث دعا القيادات الأمنية والعسكرية إلى رفع الجهوزية لمواجهة أيّ خرق أمني وسرعة معالجته لتأمين الحماية للزوار، قائلا إن “نجاح الخطة الأمنية هو مفتاح نجاح باقي الخطط”.
العرب