شهدت الكثير من مناطق العراق في الأشهر الأخيرة عودة قويّة لظاهرة الاغتيالات، معيدة إلى الأذهان ما شهده البلد خلال الانتفاضة الشعبية التي تفجّرت سنة 2019 والفترة التي أعقبتها عندما استُخدمت الاغتيالات بشكل مكثف سلاحا لترهيب المنتفضين والشخصيات السياسية والإعلامية المساندة لهم.
وبدت دوافع أغلب الاغتيالات التي حدثت خلال الموجة الجديدة مختلفة؛ إذ وقفت وراءها دوافع الانتقام وتصفية الحسابات، وجاءت أحيانا في إطار الصراع بين عصابات الجريمة المنظمة بما فيها جريمة المتاجرة بالمخدّرات، دون أن يعني ذلك عدم حدوث بعض عمليات الاغتيال بدافع تصفية الحسابات السياسية.
تأتي عودة الاغتيالات إلى الساحة العراقية لتكسر مسار تحسّن الأوضاع الأمنية في البلد وحالة الاستقرار النسبي التي يعيشها منذ أن تخلّص من ظاهرة التفجيرات الدموية التي عانى منها لسنوات طويلة في فترة ما بعد الغزو الأميركي، وحسمت قواته المسلّحة الحرب ضد تنظيم داعش.
لكن البلد لا يزال رغم ذلك يعاني ظاهرة فوضى السلاح وانتشاره على نطاق واسع خارج يد الدولة وبأيدي ميليشيات مسلحة وعناصر عشائرية وعصابات جريمة منظمة، الأمر الذي يعني أنّ استقراره الأمني مهدّد بالانتكاس في ظل عجز سلطاته الرسمية عن ضبط الفوضى.
وتقدّر مصادر عراقية عدد من سقطوا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة في عمليات اغتيال، وقع جلّها بأسلحة نارية، بأكثر من عشرين ضحية.
وقتل قبل أقل من أسبوعين في محافظة بابل جنوبي العاصمة بغداد الناشط في التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر بطريقة انتقامية بشعة، حيث تم دهسه بسيارة وتعذيبه وقطع يده في جريمة نسبت إلى عصائب أهل الحق الغريم الأكبر للتيار.
وجاءت هذه الحادثة غداة مقتل أحد أفراد عائلة هادي العامري زعيم ميليشيا بدر على أيدي مجهولين أطلقوا عليه الرصاص داخل سيارته في منطقة الراشدية شمالي بغداد.
ومن بين الاغتيالات التي أثارت الرأي العام العراقي اغتيال طبيب أطفال قتل بالرصاص مطلع فبراير الماضي على أيدي أفراد عصابة قرب مقّر عمله في مستشفى حماية الطفل بمدينة الطب شرقي العاصمة العراقية.
كما شدّت انتباه العراقيين عملية اغتيال شخص من أصل عراقي ويحمل الجنسية السويدية قتل في يناير الماضي في منطقة العامرية ببغداد وراجت أخبار بشأن ارتباط عملية اغتياله بنشاط عصابة دولية ضالعة في تهريب المخدرات والمتاجرة بها.
وفي أواخر العام الماضي شهدت العاصمة بغداد عملية اغتيال أحد المحامين طعنا بالسكاكين في مكتبه وسط المدينة. كما شهدت مقتل الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي الملقب بـ”نور بي أم” الذي تلقى ثلاث رصاصات من مسدس أطلقها عليه مسلّح مجهول كان يركب دراجة نارية.
ويثير تواتر مثل تلك العمليات تشاؤم المهتمّين بالشأن العراقي حول مستقبل الاستقرار الأمني في البلد. وقال السياسي عبدالقادر النايل إنّ “المخاوف من تجدد الاغتيالات والتصفيات تعود إلى انتشار الأسلحة لدى الأفراد والجماعات بصورة مرعبة وغياب تنفيذ القانون الذي يمنع امتلاك الأسلحة غير المرخصة”.
وأشار النايل، عضو الميثاق الوطني العراقي، متحدّثا لوكالة سبوتنيك الروسية إلى أنّ الاغتيالات تتجدد في العراق لعدة أسباب، أهمها أن انتشار السلاح بكثرة بين أفراد الشعب العراقي سهّل للجماعات والفصائل المسلحة تبرير اقتناء الأسلحة، لعدم تنفيذ القانون العراقي المتعلق بامتلاك السلاح، معتبرا أن “الكارثة الكبرى تتمثل في أن أسواق بيع السلاح، بما في ذلك الموجود في العاصمة بغداد، منتشرة بشكل علني وتتوافر فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة”.
وأضاف أنّ الجماعات المسلحة أصبحت منظمة ومتدربة على استخدام السلاح ولا يوجد أي محدد قانوني لها أو محاسبة لكوادرها قضائيا لأن جميع أفرادها ممن أدينوا بجريمة الاغتيال، كقاتل الصحافي في البصرة أحمد عبدالصمد أو الإعلامي هشام الهاشمي وغيرهما، إما جرى تهريبهم إلى إيران أو تم تحويلهم إلى المنطقة العسكرية في جرف الصخر التي هي خارج نطاق سيطرة الحكومة ووزارتيْ الدفاع والداخلية وأصبحت تستخدم للتدريب على الاغتيالات واستخدام السلاح.
واعتبر أن جميع الاغتيالات في العراق ممنهجة وهي تتفرع إلى عدة أنواع أبرزها الاغتيالات السياسية وإزاحة المنافسين وتصفية من يمتلكون معلومات، سواء عن فساد مالي أو سياسي، أو يعقدون اتفاقات تضر بطرف سياسي ما أو ببعض الشخصيات النافذة.
ولفت إلى أنّ انتشار المخدرات في العراق ساعد على إيجاد من لديه استعداد لارتكاب الجريمة تحت تأثير المواد المخدّرة، متوقّعا أن تتسع ظاهرة الاغتيالات بسبب تواطؤ بعض الجهات الحكومية وتقاعس البعض الآخر وضعف الحكومة وسلطة القانون مع غياب العدالة في محاسبة المجرمين والإرهابيين الذين يقتلون الناس.