تواجه قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضغوطا عسكرية متزايدة من دمشق وأنقرة، الخصمين الذين لم ينجحا حتى اليوم في الوصول إلى تفاهم بشأن تطبيع العلاقات بينهما، بينما تلتقي مصالحهما في إضعاف الإدارة الذاتية شمال سوريا وتفكيكها وتعتبر هذه القضية من أبرز الملفات التي قد تساهم في التقارب بينهما.
ودعا مظلوم عبدي قائد “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا الوسطاء الدوليين إلى مواصلة الضغط من أجل إيجاد حلول دبلوماسية لشبكة الصراعات المعقدة في الدولة الشرق أوسطية، بما في ذلك القصف التركي المتصاعد للمناطق الكردية.
وتحدث عبدي عن العلاقة المعقدة بين الثلاثي الكوردي والسوري والتركي، وتطرق إلى مسار التطبيع بين النظام السوري وتركيا ومآلات ذلك على “الإدارة الذاتية”، معتبرًا أن “تركيا تدفع باتجاه صفقة تقضي بتفكيك “الإدارة” في شمال شرقي سوريا.
وأضاف “الحكومة التركية قالت بوضوح إنها ستتصالح مع النظام السوري على أساس إنهاء الوضع الحالي لهذه المنطقة، مما يجعلنا هدفهما”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته هاكان فيدان، وضعا هدف التطبيع مع النظام السوري ضمن مسارين، الأول يتعلق بـ”إنهاء التهديدات الإرهابية في شمال شرقي سوريا”، في إشارة إلى “قسد”، والثاني بضرورة إعادة اللاجئين “بصورة طوعية”.
وكثفت تركيا غاراتها الجوية في أقليم كوردستان وشمال شرق سوريا في أعقاب هجوم 23 أكتوبر على شركة دفاع في أنقرة أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين. واستهدفت الغارات الجوية التركية العشرات من المواقع التي يعتقد أنها مرتبطة أو تابعة لحزب العمال الكردستاني.
واعتبر عبدي في تصريحات لقناة “الحرة” الأميركية، إن الهجوم في أنقرة كان بمثابة ذريعة لعملية تركية مخططة منذ فترة طويلة في سوريا، وأوضح أن “الهجمات التركية الأخيرة، تجاوزت حدود الرد. فهمنا أن الهدف لم يكن الرد فقط، بل استهداف المؤسسات التي تخدم الشعب لإجبار الناس على الهجرة. استهدفت الهجمات مصادر الحياة، كالمواقع النفطية ومحطات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى المخابز العامة، وألحقت ضرراً بالاقتصاد المحلي والقطاع الخدمي، كما قُتل العشرات من المدنيين”.
وعن العلاقة مع النظام السوري قال “منذ أكثر من سنة ازدادت وتيرة الاشتباكات بيننا وبين القوات السورية والميليشيات المتحالفة معها في دير الزور. يرتكبون أخطاءً فادحة ومصرون على شن هجماتهم، لكنهم لم يحققوا أهدافهم”.
وأشار في نفس الوقت إلى أن قضية “الاعتراف” بـ”قسد” هي ما جعلت مسار الحوار مع النظام السوري دون نتائج. وأضاف في تصريحات لوكالة “أسوشيتد برس”، أن النقطة الرئيسة التي تعوق التوصل إلى اتفاق هي “تردد” حكومة النظام السوري في الاعتراف باستقلالية “قسد”.
وتابع أن تلك “الاستقلالية” تخص الإدارة والأمن العسكري في مناطق شمال شرقي سوريا.
وقوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكوردية السورية لكنها تضم أيضا مقاتلين من العرب، هي شريك رئيسي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على نحو ربع مساحة سوريا بما في ذلك حقول نفط ومناطق بها نحو 900 جندي أميركي.
ومنذ عام 2019، أبرمت “قسد” تفاهمات مع النظام السوري برعاية روسية، وقضت بانتشار قوات من حرس الحدود التابعة للأخير في مناطق الرقة وريف الحسكة، لكن لم تشمل تلك التفاهمات محافظة دير الزور شرقي سوريا، ولأكثر من مرة اتهمت “قسد” النظام السوري بتحريك سلسلة من الهجمات العشائرية ضدها في المنطقة.
وسبق أن اتهم الرئيس السوري بشار الأسد، “قسد” بـ”الخيانة“، واعتبرها أدوات بيد الولايات المتحدة الأميركية.
كما تعتبر تركيا “وحدات حماية الشعب” وهي العماد العسكري لـ”قسد” ذراعًا سورية لحزب “العمال الكردستاني” المصنف على قوائم “الإرهاب”.
وتؤكد تركيا بشكل متكرر مواصلة عملياتها العسكرية في شمال شرقي سوريا وإقليم كوردستان ضد حزب “العمال” من منطلق حماية أمنها القومي.
ويبدو أن تركيا تشن هجماتها ضد الكورد بضوء أخضر أميركي، حيث قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إن هناك “تنسيقًا واتصالًا جيدًا” بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن العمليات التي شنها الجيش التركي ضد قسد في سوريا، ردًا على الهجوم الذي استهدف شركة الصناعات العسكرية التركية (توساش).
وجاء ذلك على لسان المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر، خلال مؤتمر صحفي، الثلاثاء الماضي حيث أكد أن واشنطن تدعم المخاوف الأمنية المشروعة لأنقرة المتعلقة بـ”الهجوم الإرهابي” في أنقرة.
وأضاف رايدر أن الولايات المتحدة تعتبر حزب العمال الكوردستاني” بي.كي.كي “منظمة إرهابية”، مشيرًا إلى أن الرئيسين الأميركي والتركي مصممان على الحفاظ على قناة اتصال مفتوحة لدعم بعضهما، خصوصًا كحليفين وشريكين في “الناتو”.
وتعليقًا على العمليات التي شنتها القوات التركية على “قسد” في سوريا خلال الأيام الماضية، قال المتحدث باسم البنتاغون، “لدينا تنسيق جيد واتصال فعال مع حلفائنا الأتراك، وسنواصل ذلك في المستقبل”.
وجاءت التصريحات الأميركية بناء على الاتصال الهاتفي الذي جرى بين وزير الدفاع التركي، يشار غولر، ونظيره الأميركي، لويد أوستن، في 28 أكتوبر الحالي، لمناقشة تداعيات الهجوم “الإرهابي” على منشأة عسكرية في أنقرة.
وقال أردوغان، إن جيش بلاده ضرب 470 هدفًا لحزب “العمال الكردستاني” في سوريا والعراق، منذ أن نفذ “الحزب” هجومًا على شركة صناعات عسكرية مملوكة للدولة التركية الأسبوع الماضي.
العرب