حث أبومحمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام في سوريا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في بيان مصور الخميس على عدم السماح للحشد الشعبي المدعوم من إيران بالتدخل في سوريا، وحذر من تصعيد التوتر في المنطقة.
ويحمل كلام الجولاني رسالة تذكّر رئيس الوزراء العراقي بأن عيون الولايات المتحدة وإسرائيل عليه وعلى الحشد الشعبي، تماما مثل ما هي على الجولاني نفسه، وأن الحياد تجاه ما يجري في سوريا سيظهر أن السوداني ملتزم بالنأي بالعراق عن التوترات الإقليمية، في حين أن سماحه لمجاميع الحشد الشعبي بإرسال مقاتلين لإسناد الرئيس السوري بشار الأسد، كما تم في السابق، سيعني أن العراق لا يزال تحت نفوذ إيران.
وقال الجولاني “فكما نجح العراق، والسيد محمد شياع السوداني، (في) أن ينأى بنفسه عن الحرب بين إيران والمنطقة في الآونة الأخيرة، نشد على يده أيضا أن ينأى بالعراق من أن يدخل في أتون حرب جديدة مع ما يجري في سوريا (نشد على ساعده أيضا لينأى بالعراق عن الدخول في أتون حرب جديدة تجري في سوريا).”
وأضاف “نرجو ونأمل من الساسة العراقيين وعلى رأسهم محمد شياع السوداني أن ينأى بالعراق من الدخول في مثل هذه المهاترات وأن يقوم بواجبه بمنع تدخل الحشد الشعبي العراقي في ما يجري في سوريا بالوقوف في صف هذا النظام الزائل (نرجو ونأمل من الساسة العراقيين -وعلى رأسهم محمد شياع السوداني- أن ينأوا بالعراق عن الدخول في مثل هذه المهاترات وأن يقوموا بواجبهم؛ وذلك بأن يمنعوا تدخل الحشد الشعبي العراقي في ما يجري في سوريا بالوقوف في صف هذا النظام الزائل).”
ويتركز حديث الجولاني إلى العراقيين على قاعدة “اتركونا نُنه المهمة وسنتحدث لاحقا”، واعدا بعلاقات طبيعية مع العراق.
وكان العراق قد أكد منذ تحرك فصائل المعارضة الأسبوع الماضي أنه لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يحدث في سوريا وبرر ذلك بمخاوف من تكرار سيناريو 2014 عندما تسللت مجموعات متطرفة إلى العراق وسيطرت على مناطق واسعة منه.
وفي خطوة من شأنها تعميق الجدل بشأن مشاركة الحشد الشعبي من عدمها في العراق، شدد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الخميس على “ضرورة عدم تدخل العراق حكومة وشعبا وكل الجهات والميليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري كما كان ديدن بعضهم في ما سبق،” داعيا “الحكومة إلى منعهم من ذلك ومعاقبة كل من يخرق الأمن السلمي والعقائدي.”
ومثلما أن السوداني يدرك أنه تحت الأنظار، يعرف الجولاني أيضا أن الجميع ينتظرون ليعرفوا كيف سيتصرف، لأجل ذلك قدم خطابا تواصليا مختلفا يظهر فيه شخصية منفتحة وهادئة وحريصة على طمأنة السوريين، وخاصة الأقليات من مسيحيين وعلويين، في خطوة جعلته يظهر كما لو أنه يقرأ من كتاب تسلم طالبان السلطة من أميركا في أفغانستان.
ومن الواضح أن رسالة الجولاني القائمة على الطمأنة موجهة إلى الخارج، وإلى الولايات المتحدة بصفة خاصة، من أجل فتح قنوات التواصل معه كما فعلت مع طالبان وعدم الممانعة في سيطرته على سوريا أو على جزء منها، والتعامل معه كزعيم سوري وليس كقائد لتنظيم مصنف إرهابيّا في الولايات المتحدة.
وضمن هذا المسعى يمكن التعامل مع إشارته إلى حل هيئة تحرير الشام، فهي تمثل الماضي المرتبط بالإرهاب والهجمات ضد المدنيين، والاحتفاظ بها يعني أن يظل زعيما لهيئة مكروهة في الداخل والخارج، وهذا سيعيقه عن لعب دور قيادي من موقع أشمل وأكثر جاذبية في المستقبل.
وكان الجولاني ألمح في بداية الهجوم على حلب إلى أن هيئته ليست معنية بالحكم الآن، ويعرض تشكيل هيئة انتقالية مدنية، في رسالة تمهد لإعلان التزامه بانتقال سياسي مدني في سوريا يفضي إلى انتخابات يخطط زعيم هيئة تحرير الشام لأن يترشح لها كشخصية جامعة وينتظر أن يتبنى خطابا يدعو إلى الديمقراطية والتعددية الحزبية، كما فعلت حركات إسلامية أخرى لأجل الوصول إلى السلطة.
وجاء خطابه لطمأنة الداخل السوري مختلفا كليا عما كان متوقعا. وفي مقطع فيديو مقتضب نشرته إدارة عمليات الفصائل على تطبيق تلغرام خاطب الجولاني أهالي مدينة حماة قائلا “أبشّركم بأن إخوانكم المجاهدين الثوار بدأوا بالدخول إلى مدينة حماة لتطهير ذاك الجرح الذي استمر في سوريا لمدة 40 عاما.” وأضاف “أسأل الله عز وجل أن يكون فتحا لا ثأر فيه بل فتحا كله رحمة ومودة.”
وزار الجولاني قلعة حلب، وفق ما أظهرته لقطات على تطبيق تلغرام نشرها الأربعاء حساب تابع للفصائل المعارضة. وبثّ الحساب لقطات يظهر فيها الجولاني وهو يحيّي مجموعة من مناصريه اجتمعت حوله. وأكّد مصدر من الهيئة لفرانس برس أن الزيارة جرت الأربعاء.
واستخدم زعيم هيئة تحرير الشام للمرة الأولى اسمه الحقيقي أحمد الشرع، في منشور على تلغرام. ونشر حساب قيادة الفصائل المعارضة صورة للجولاني مرفقة بعبارة “نبارك لأهل حماة النصر،” وجاءت تحتها عبارة “القائد أحمد الشرع”.
وقال أحد سكان حلب المسيحيين، في تعليقه على الصورة الجديدة لزعيم هيئة تحرير الشام، “ما أثار دهشتنا هو أن سلوك محتلي حلب الجدد يختلف تماما عمّا توقعناه.” وأضاف “كل الإشارات التي يرسلونها تهدف إلى القول إنهم ليسوا هنا لجعلنا نعاني. إنهم هنا لمساعدتنا. ويقولون كل ما نريده هو إسقاط نظام الأسد.”
وفي عظته طمأن رئيس أساقفة حلب للأرمن الكاثوليك المطران بطرس مراياتي المسيحيين في حلب بالقول “لا تخافوا…، وصلتنا تطمينات من الجهات كافة، أكملوا حياتكم وكل شيء سيكون كما كان وأفضل.”
ويقدّم الرئيس السوري بشار الأسد نفسه حاميا للأقليات. وتدين شريحة واسعة من مسيحيي سوريا بالولاء لدمشق، وقد طُردوا أو هُجّروا على أيدي مجموعات إسلامية متطرفة من عدة مناطق خلال سنوات النزاع. واقتحمت الفصائل مدينة حماة بعد معارك ضارية بينها وبين قوات النظام لتعلن إخراج مئات السجناء من سجن حماة المركزي الذي دخلته أيضا.
وأقرّ الجيش السوري بخسارته مدينة حماة الإستراتيجية معلنا في بيان “خلال الساعات الماضية ومع اشتداد المواجهات بين جنودنا والمجموعات الإرهابية (…) تمكنت تلك المجموعات من اختراق محاور عدة في المدينة ودخولها،” مضيفا “قامت الوحدات العسكرية المرابطة فيها بإعادة الانتشار والتموضع خارج المدينة.”
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن فصائل المعارضة دخلت حماة بعد ليلة من المواجهات العنيفة “من جهات عدة” وانخرطت في حرب شوارع مع القوات الحكومية.
واعتبر أرون لوند من “مركز القرن الدولي للأبحاث” أن خسارة حماة “ضربة كبيرة جدا للحكومة السورية” لأنه كان على الجيش أن يبقي سيطرته على المدينة لمنع المعارضة من تحقيق مكاسب “ولم يتمكن من القيام بذلك.”
العرب