تحولت تصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التي وصف فيها قضية التنصت والتسريبات المتهم بها مكتبه بـ”كذبة القرن” إلى ترند على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبرها ناشطون محاولة للهروب من فضيحة جديدة للنخبة السياسية.
ووصف السوداني اتهامات لموظفين في مكتبه بالتنصت على سياسيين وشخصيات بارزة بـ”كذبة القرن”، في إطار فضيحة تتسبب في إحراج للطبقة السياسية العراقية منذ أشهر.
وعلّق السوداني علنا الأربعاء على القضية للمرة الأولى، منذ أن كُشف عنها في أغسطس الماضي، في تصريحات نشرها الإعلام الرسمي الخميس، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تفاعل واسع تراوح بين السخرية والتشكيك في النخبة السياسية بالبلاد التي تحظى بثقة المواطنين.
ويرى محللون أن الفضيحة التي صاحبتها تسريبات إعلامية، تعكس خصومات وصراعات داخلية على السلطة في صفوف الأغلبية البرلمانية المكونة من أحزاب شيعية موالية لإيران.
ولم يعلّق القضاء العراقي على الاتهامات ولم يكشف بذلك أسماء المتهمين المفترضين في هذه القضية. وأبرز من تم تداول أسمائهم محمد جوحي معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء.
وكان أول من كشف القضية النائب العراقي مصطفى سند الذي تحدّث في 19 أغسطس عن توقيف “شبكة” تشمل جوحي وعددا من الضباط والموظفين و”كانت تمارس عدة أعمال غير نظيفة ومنها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين” هو أحدهم.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن السوداني قوله خلال جلسة برلمانية مغلقة الأربعاء إن “قضية التجسس والتنصت والإشكالات التي أُثيرت واتهمت فيها الحكومة بطريقة لا أخلاقية (…) لم تستند لأي شيء.”
وأضاف في مقطع فيديو نشرته قناة العراقية الإخبارية على شبكات التواصل الاجتماعي “إنها كذبة القرن (أن يكون قد حدث) تجسس وتنصت من قبل بعض الموظفين أو مكتب رئيس الوزراء.”
وعندما بدأ تداول القضية قال معلقون ووسائل إعلام عراقية وعربية إن من بين ضحايا التنصت المفترض سياسيين عراقيين بارزين من تحالف الإطار التنسيقي المتمتّع بأغلبية برلمانية والمؤلف من أحزاب شيعية موالية لإيران أوصلت السوداني إلى منصبه الحالي.
وفي بلد تهزه فضائح السياسة والفساد بانتظام واعتاد على تصفية الحسابات من خلال حملات تضليل إعلامي، استنفر الإعلام بشأن القضية في ظلّ ما اعتبره مراقبون نزاعا سياسيا وحملة ممنهجة لتشويه سمعة حكومة السوداني قبل انتخابات متوقعة في نهاية العام 2025.
وتحدث مجلس القضاء الأعلى في مطلع سبتمبر عن “عدم دقة” معلومات على “بعض مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص التحقيق بما يعرف بقضية شبكة محمد جوحي.”
ونفى قبل ذلك بثلاثة أيام “وجود محاولات تنصت على رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان”.
وفي العشرين من أغسطس الماضي أعلنت السلطات القضائية العراقية اعتقال محمد جوحي بتهمة ترؤس “شبكة التجسس”، ثم قدمت أطراف من قوى الإطار التنسيقي شكاوى ضده لكونه كان يراقب اتصالاتهم.
ولدى سؤاله عن شبكة التنصت، قال رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي خلال مقابلة تلفزيونية في سبتمبر الماضي إنه “تعرّض للمتابعة،” موضحا “كلّما كنت أنتقل من مكان إلى آخر، كنت أجد فريقا يتابعني.”
وفي مطلع نوفمبر الماضي انتشر تسجيل صوتي منسوب إلى كبير المستشارين في مجلس الوزراء العراقي عبدالكريم الفيصل، ظهر فيه وهو يتفاوض على مبلغ مالي قدره مليون دولار مقابل تقديم تسهيلات لأحد المشاريع الاستثمارية.
وفي الثامن والعشرين من أكتوبر الماضي تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تسريبا صوتيا منسوبا إلى مدير عام هيئة الضرائب في العراق، علي وعد علاوي، وهو يتحدث عن قيامه بالتلاعب بالنسب الضريبية لصالح إحدى الشركات مقابل الحصول على رشاوى مالية.
وقبل ذلك بأقل من شهر، انتشر تسجيل صوتي منسوب إلى القاضي حيدر حنون رئيس الهيئة العليا للنزاهة، يتحدث فيه عن ضرورة الحذر في نقل رشوة مالية إليه، وذكر أن المبلغ الذي يجب أن يصل إليه هو أكثر من مليار ونصف المليار (دون الإفصاح عن العملة).
وأعلنت هيئة النزاهة في نوفمبر الماضي مباشرتها التحقيق في التسجيل الصوتي المنسوب إلى عبدالكريم الفيصل رئيس هيئة المستشارين في مكتب رئيس الوزراء.
وقالت الهيئة في بيان “باشرنا بتوجيه من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وبالتعاون والتنسيق مع قاضي محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية التحقيق في التسجيل الصوتي المنسوب إلى رئيس هيئة المستشارين في مكتب رئيس مجلس الوزراء.”
وفند الفيصل ما تداولته بعض وسائل التواصل الاجتماعي و”الصفحات الصفراء” من تسريب صوتي “مفبرك”.
وأصدر مكتب السوداني توضيحاً بشأن “تورط” كبير المستشارين في الرشوة وهاجم المنتقدين، ووصف ذلك بأنه “أكاذيب مختلقة”.
ورأى محللون أن هناك جملة من العوامل التي دفعت إلى نشر هذه التسريبات قبل أشهر قليلة على الانتخابات البرلمانية، ورجحوا أن الغرض من نشر التسريبات يأتي ضمن عمليات ممنهجة من خصوم السوداني للتخلص منه في الانتخابات المقبلة خشية حصوله على عدد كبير من المقاعد تؤهله للفوز بولاية ثانية.
ويقول آخرون إن بعض هذه التسريبات، وتحديدا التي تتعلق بالفساد، لم تأت بجديد وإنما تؤكد ما يعرفه الجميع وهو أن الفساد جزء من بنية الدولة والنظام السياسي في العراق، وأن النخبة السياسية متورطة فيه كلّها.