“تعرض الإيزيديون بسوريا للظلم والاضطهاد عبر التاريخ، حرموا من ممارسة شعائرهم الدينية، ومن تعلم وتعليم أصول ديانتهم، وحُظر عليهم بناء أماكن عبادة جديدة أو ترميم الأماكن القديمة أسوة بباقي الديانات والطوائف الموجودة في سوريا، وأجبروا على دراسة مادة التربية الإسلامية في المدارس”، يقول جابر جندو، الناشط المدني الإيزيدي السوري لـ”الحرة”.
ويضيف جندو “سُجلت نصف أفراد العائلات الإيزيدية في الوثائق الثبوتية كإيزيديين والنصف الآخر مسلمين ضمن قانون الأحوال الشخصية، وشكل ذلك معاناة في مسائل الطلاق والزواج والإرث”.
ويخشى جندو وأقرانه من الإيزيديين من التعرض لانتهاكات جديدة قد تمارسها ضدهم الفصائل المنضوية في الإدارة السورية الجديدة، مشيرا إلى أنه “مع تغيير الأمور في دمشق كان هناك نوع من الضغط الدولي والحماية والتزام من قبل إدارة العمليات العسكرية بعدم التعدي على المسيحيين والإسماعيليين والدروز، لكن لا توجد حماية واضحة وصريحة للإيزيديين ولا يوجد أي تحرك من دمشق لطمأنة الإيزيديين أو حتى تصريحات إعلامية حتى الآن”.
والإيزيدية هي ديانة عرقية توحيدية، يؤمن أتباعها بوحدانية الله، ولغتهم هي الكوردية “الكرمانجية”.
ويتوزع الإيزيديون على الخريطة السورية في مدن عفرين وبعض أحياء حلب ومنطقة الجزيرة شرق الفرات ويعيش أغلبهم في منطقة شرق الفرات والتي تعتبر آمنة للأقليات الإيزيدية والآشوريين والسريان والأرمن ومنهم مهجرون من عفرين ورأس العين وحلب.
من جانبه، يقول علي عيسو، مدير مؤسسة “إيزدينا” المعنية برصد انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا لـ”الحرة”، إنه “من الطبيعي أن يتخوف الإيزيديون في سوريا من تسلم قيادات +هيئة تحرير الشام+ ذات المرجعية الدينية للقيادة في دمشق لأسباب عديدة مشروعة ومبررة”.
ويشير عيسو إلى “تورط الفصائل الجهادية المسلحة بالهجمات التي شُنت على مدينة كوباني (رأس العين) في سوريا بين عامي 2012 و2013، وتسببت بمقتل مدنيين إيزيديين”.
ويضيف عيسو “بعد تولي قائد الإدارة الجديدة أحمدالشرع الحكم في سوريا، لم يتحدّث مطلقاً عن الإيزيديين، رغم علمه وعلم الجميع بوجود أكثر من خمسين ألف إيزيدي سوري يعيشون في البلاد منذ القدم، ولم يقدّم أي تطمينات لهم كما فعل مع بقية الأديان. ولكون الإيزيديين يعانون من الصورة النمطية لدى التنظيمات الإسلامية باعتبارهم (عبدة الشيطان) فإننا نخشى أن يكون الشرع ما يزال ينظر إليهم باعتبارهم (عبدة الشيطان)”.
ووثقت منظمة “إيزيديا” وفق عيسو في بداية الحرب في مدينة حلب، قبل سقوط نظام الرئيس الأسد في 8 ديسمبر 2024، مقتل مدنيين اثنين من الإيزيديين على يد فصائل إدارة العمليات المشتركة، حيث قُتلا بدوافع دينية عقب معرفة المسلحين بأنهما إيزيديان.
وحسب إحصائيات منظمة ” إيزيديا” بلغت أعداد الإيزيديين في عموم سوريا حوالي 200 ألف نسمة، قبل عام 2011 مع بدء الثورة السورية ونتيجة الانتهاكات تناقصت أعداد الإيزيديين إلى حوالي 50 ألف نسمة.
ويركز عيسو على “الجرائم والانتهاكات التي مازالت تحصل في مدينة عفرين ضد الكرد خاصة أتباع الديانة الإيزيدية، ويعتبرها جرائم مستمرة لم تتوقف يوما منذ عام 2018، حيث يتم إجبار الإيزيديين على اعتناق الدين الإسلامي، فضلا عن تدمير واسع لأكثر من 15 مزار ديني يعود إلى الإيزيديين، وجرائم موثقة طالت الفتيات الإيزيديات من قتل متعمد وخطف وتعذيب، ومعظم هذه الجرائم تم نشرها وتوثيقها من قبل لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة”.
ويدعو عيسو الإدارة الحالية في سوريا إلى تقديم الضمانات وتعديل الدستور السوري والاعتراف دستورياً بوجود الإيزيديين في سوريا، ويطالب “بإصدار قانون يجرّم معاداة الإيزيدية والقضاء على خطابات الكراهية، ونطالب بتشريع قانون للأحوال الشخصية خاص بالإيزيديين، أسوة بباقي الأديان في سوريا. ومنحهم نظام (الكوتا) لضمان تمثيلهم الحقيقي في البرلمان والمؤسسات الحكومية”.
نفي وتعهد
في المقابل نفى رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان في تصريح لـ “الحرة” سيطرة هيئة تحرير الشام على المناطق التي شهدت انتهاكات بحق الإيزيديين.
وكان قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع قد طمأن في أكثر من مناسبة، الأقليات والطوائف في سوريا الجديدة بحمايتهم وضمان حقوقهم المشروعة.
ويشير عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري عبد الله كدو لـ “الحرة” إلى أن القلق الذي يراود الإيزيديين يأتي نتيجة عدم الاعتراف بالديانة الإيزيدية منذ عقود طويلة في سوريا، وهم ينتظرون الدستور الجديد وكيفية تطبيقه على أرض الواقع، وهل سيتم احترام خصوصيتهم الدينية دستورياً، شأنهم شأن المسلمين والمسيحيين، أم أنهم سيتعرضون لسياسة عدم المساواة، بالتالي الإقصاء والتهميش مرة أخرى.
وأضاف كدو أن تبديد المخاوف مرهون باحترام حقوق المكونات وتثبيتها في الدستور الجديد وتطبيقه على أرض الواقع في سوريا المستقبل.
مرحلة استثنائية وحساسة
من جهتها، تصف هدية شمو، الناطقة باسم اتحاد المرأة الإيزيدية، المرحلة التي تمر بها سوريا بالاستثنائية والحساسة جدا، كونها لم تتبلور بعد مشاهد المرحلة بوضوح.
وتضيف لـ”الحرة”، “يعيش الإيزيديون في سوريا وضعاً مختلفا، فهناك مخاوف من النعرات الطائفية والدينية، لذا كإيزيديين نرى أن المرحلة الحالية في سوريا هي مرحلة خطرة تتطلب اليقظة والتقرب منها بحساسية، وخاصة الإيزيديين الذين ينظر إليهم بنظرة تختلف عن النظرة للمسيحيين والدروز”.
وتؤكد شمو على ضرورة “أن سوريا المستقبل يجب أن تكون جامعة لجميع الشعب السوري، فسوريا معروفة بتنوعها الثقافي والديني والقومي، لذا فمن الضروري أن يعيش الجميع بقلب واحد ويفكروا بعقل واحد على جغرافية تتسع للجميع”.
أما الأكاديمي الإيزيدي، نسيم شمو، المختص بالديانة الإيزيدية فيقول “كنا نمارس طقوس ديانتنا سرا لكون الديانة لم تكن معترف بها في الحكومة السورية، رغم إقرار الدستور السوري بضمان حقوقنا، كما ولم يُنظم قانون أحوال شخصية للإيزيديين إسوة بباقي الديانات والطوائف، ولم يسمح لنا بترميم مزاراتنا الدينية وبعضها هدمت، ونأمل من الإدارة الجديدة ونطالبهم بضمان حقوقنا وضمان تمثيلنا في الدولة السورية”.
كما يتخوف شمو من عدم الاعتراف بديانتهم وتكرار هضم حقوقهم وعدم الاعتراف بهم في دستور سوريا الجديد ويتخوف من حرمانهم من ممارسة طقوسهم والتحدث بلغتهم الكوردية “اللهجة الكرمانجية”.