قطعت القيادات السنية العراقية المشاركة في العملية السياسية التي تقودها بشكل رئيسي أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة خطوة جديدة على طريق أسلوبها في العمل السياسي القائم على تشكيل التحالفات الظرفية في ما بينها خدمة لأهداف تكتيكية قصيرة المدى تتعلّق غالبا بإدارة الصراعات في ما بينها والحفاظ على حصصها في غنائم السلطة، بعيدا عن أي أهداف إستراتيجية تتعلّق بتحسين أدائها في خدمة قضايا المكوّن الذي ترفع لواء تمثيله والدفاع عن مصالحه.
وأعلن تحالف السيادة بقيادة خميس الخنجر في بيان عن تشكيل ائتلاف حمل تسمية “القيادة السنية الموحدة” وجاء مشابها في تركيبته وهدفه الأساسي للإطار التنسيقي الشيعي. وكما تشكّل الإطار بعد الانتخابات البرلمانية الماضية بهدف مواجهة زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر وحرمانه من امتياز تشكيل الحكومة باعتبار أنّ تياره حصل في تلك الانتخابات على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، فقد وقف وراء تشكيل الائتلاف السنّي الجديد هدف مواجهة زعيم حزب تقدّم والرئيس السابق لمجلس النواب العراقي محمّد الحلبوسي، وذلك مع دخول مرحلة العدّ التنازلي لإجراء انتخابات برلمانية جديدة منتظرة خلال السنة الحالية.
وتعرّض الحلبوسي باستبعاده من رئاسة البرلمان بقرار قضائي على خلفية اتهامه بالتورط في تزوير وثيقة رسمية لنكسة أوقفت صعوده السياسي السريع، لكنّها لم تفض إلى تحييده واستبعاده من الساحة بشكل نهائي مثلما يريد خصومه وخصوصا من أبناء عائلته السياسية السنية الموسّعة.
ولا يزال الرجل بفعل شبكة العلاقات الواسعة التي أقامها مع جهات سياسية شيعية فاعلة والولاءات التي نسجها داخل أجهزة الدولة والثروة المالية التي تمكّن من الحصول عليها، وأيضا بفضل الشعبية التي تأتت له داخل أوساط سنية وخصوصا في محافظة الأنبار التي سبق له أن شغل منصب محافظ لها، قادرا على المنافسة وضمان حضور وازن لحزبه في الانتخابات القادمة وهو ما يخشاه خصومه ومنافسوه ويبدو أنّهم شرعوا في الاستعداد له بشكل مبكر من خلال محاولتهم تأسيس معسكر سياسي مضاد له.
وكانت مواجهة الحلبوسي في معقل نفوذه بالأنبار على وجه التحديد قد تحوّلت إلى هدف معلن من قبل بعض خصومه حيث سبق لعضو تحالف السيادة عبدالحميد الدليمي أن أعلن عن عقد اجتماع ضمّ عددا من القيادات السنية من بينها خميس الخنجر وأحمد أبوريشة وسطام أبوريشة إلى جانب عدد من الشخصيات العشائرية والدينية الأنبارية تمّ خلاله التوافق على تشكيل تكتل سياسي جديد.
وقال الدليمي آنذاك إنّ المجتمعين أجمعوا على اتخاذ خطوات جادة لعزل حزب تقدم وإنهاء تحكمه بإدارة المحافظة. ويتشكّل الائتلاف الجديد من أبرز منافسي الحلبوسي على الساحة السياسية السنية حيث يضمّ كلا من رئيس مجلس النواب الحالي محمود المشهداني ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر ورئيس تحالف عزم مثنى السامرائي ورئيس حزب الجماهير أحمد الجبوري ورئيس كتلة المبادرة زياد الجنابي.
وورد في بيان إعلان الائتلاف أنّه سيتم لاحقا الإعلان عن برنامجه “السياسي الجديد الذي يأخذ قادته على عاتقهم المضي بإنجاز الملفات الإنسانية والحقوقية والقانونية والسياسية وتحصيلها لأبناء المكون السني في عموم العراق والمحافظات الشمالية والغربية على وجه التحديد”.
ويعتبر ما ورد في الجمل الأخيرة شعارات مكرّرة دأب قادة الأحزاب والتكتّلات السياسية السنية على ترديدها بشكل مستمرّ في مثل هذه المناسبات دون أي متابعة أو جهد لاحق لتجسيدها على أرض الواقع. وكان الحلبوسي الذي تشكّل “ائتلاف القيادة السنية الموّحدة” لمواجهته قد استبق خصومه وشرع في محاولة شقّ صفوفهم وقد نجح في استدراج السياسي مصطفى عياش لإنهاء تحالفه مع الخنجر وتأسيس حزب جديد له تحت مسمّى “الصرح الوطني” يُتوقّع أن لا يتأخر كثيرا إعلان تحالفه مع حزب تقدّم.
ومع اشتداد الصراعات على المناصب بمختلف أنواعها وفي جميع مؤسسات الدولة العراقية بما في ذلك مناصب الحكومات المحلية المكلّفة بإدارة شؤون المحافظات، طفت على السطح ظاهرة استسهال تفكيك التحالفات ونثرها وإعادة تشكيلها وتحوّل المشاركين فيها من حلفاء متعاونين إلى أعداء وخصوم متراشقين بأقسى أنواع التهم من الفساد إلى الخيانة وحتى الإرهاب.
وساهمت الظاهرة في المزيد من إضعاف مكانة المكوّن السنّي في العملية السياسية العراقية لحساب المكوّن الشيعي الذي لم تكن قياداته بعيدة عن إثارة الخلافات في صفوف شركائهم السنّة الذين لم تعرف ساحتهم السياسية طريقها للاستقرار والتماسك.
وكان الخنجر والحلبوسي الجديدان نسبيا على الساحة قياسا بقيادات سنية مخضرمة جزءا من تحالف سياسي كان تشكّل قبل سنوات تحت مسمّى المحور الوطني مستندا إلى كتلة برلمانية وازنة في ما بدا أنّها محاولة جادّة لإضفاء نوع من التوازن مع عملية السياسية وتخفيف هيمنة القوى الشيعية عليها، قبل أن تؤدّي الطموحات المتضاربة لقياداته إلى انشطاره بسرعة.
وكثيرا ما توجّه الاتهامات للشخصيات السياسية السنية المشاركة في العملية السياسية الجارية في العراق منذ أكثر من عقدين، بالانصراف عن خدمة مكوّنهم إلى تحقيق مصالحهم الشخصية والاكتفاء بدور ثانوي ومكمّل قياسا بدور الأحزاب الشيعية المتحكّمة فعليا بمقاليد السلطة. وعلى هذه الخلفية ما تفتأ شعبية تلك الشخصيات تسجّل تراجعا مستمرّا الأمر الذي يدفعها بشكل متزايد إلى التقرّب من الأحزاب الشيعية ورموزها حفاظا على حصة في السلطة.
وكانت حرب داعش التي دارت معظم حلقاتها في مناطق السنّة بالعراق وخلّفت بها أضرارا كارثية قد شكّلت محكّا لاختبار كفاءة القيادات السياسية السنوية في خدمة مكوّنهم وحمايته من المخاطر، وهو الاختبار الذي فشلت فيه تلك القيادات فشلا ذريعا، بينما نجحت طيلة السنوات التي تلت الغزو الأميركي للبلاد في تحقيق الكثير من المنافع الشخصية والمكاسب المادية لها ولأسرها ومقرّبيها.
وكثيرا ما تفضي الخلافات البينية بين القيادات السنية العراقية إلى لجوئها إلى قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية والاستعانة بهم في صراعها ضد أبناء عائلتهما السياسية وهو ما ينطبق في الوقت الراهن على محمّد الحلبوسي المدين بحصانته ضد المحاسبة القضائية وبتماسك حزبه وبقائه على الساحة لصداقته مع عدد من قادة تلك الأحزاب والفصائل.
أمّا خميس الخنجر فطالما توجّهت إليه الانتقادات لضعف خلفيته السياسية وتعويله بشكل أساسي على ثروته المادية وولاءاته الخارجية في محاولته لعب دور سياسي في العراق من دون أن يكون له مشروع حقيقي ومختلف، عدا عن سعيه لتقديم نفسه زعيما لسنّة العراق أملا في الظفر بأكبر قدر من الحصّة المخصصّة للمكوّن في السلطة وهي حصّة مضبوطة بحدود ومقيدة بأدوار لا يمكن تجاوزها.
العرب