ئاژانسی هەواڵی زاگرۆس

“الغاز السياسي” الإيراني يخنق العراق

تتمسك إيران منذ سنوات بورقة “الغاز والكهرباء” لتحقيق مكاسب سياسية في العراق، الذي يتحمل بدوره مسؤولية، على المستوى الرسمي، في عدم معالجة هذا الملف الحساس.

فإمدادات الغاز الإيراني إلى العراق تواجه منذ سنوات تحديات مستمرة تؤثر بشكل كبير على استقرار قطاع الطاقة في البلاد.

والمشاكل المتعلقة بالتأخيرات في التوريد والعوائق الفنية في تصاعد مستمر، كما أن الأزمات السياسية التي تطفو على السطح بين فينة وأخرى تؤثر على تدفق الغاز الإيراني.

وتعكس هذه القضايا، حسب خبراء، هشاشة العلاقة بين بغداد وطهران في هذا الملف الحيوي، مما يهدد قدرة العراق على تلبية احتياجاته من الطاقة بشكل مستدام.

ويؤكد الأكاديمي وأستاذ علم الاقتصاد، نبيل المرسومي، لموقع “الحرة”، أن إمدادات الغاز الإيراني مؤخراً لم تتوقف بشكل كامل، لكنها انحسرت كثيراً.

فإيران كانت تصدر، وفق الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، نحو 50 مليون متر مكعب يومياً في أوقات الذروة، إلا أن هذه الكمية انخفضت إلى نحو 8 ملايين متر مكعب يومياً فقط في الأشهر الماضية عبر الخط الناقل إلى جنوب العراق، وفق المرسومي.

وأردف المرسومي قائلاً إن العراق يعتبر هذا التراجع “توقفاً فعلياً للإمدادات”، حيث تسبب ذلك في تعطل عمل نصف المحطات الغازية في البلاد، مما أدى إلى خروج قرابة 9 آلاف ميغاواط من الخدمة، ناهيك عن انخفاض ساعات تجهيز الكهرباء، الأمر الذي أثر على حياة المواطنين بشكل ملموس.

ورأى أن الطاقة الكهربائية المنتجة في العراق تبلغ بحدود 18 ألف ميغاواط، منها 13 ألف ميغاواط منتجة من محطات غازية، إضافة إلى 5 آلاف ميغاواط تُنتج عبر محطات تستخدم وقود الديزل.

ولفت الخبير العراقي إلى أن بلاده تستورد أيضاً من إيران 3 آلاف ميغاواط كطاقة كهربائية، وبالتالي فإن مجموع الإنتاج الكلي يُقدر بـ21 ألف ميغاواط.

ويبيّن أن موعد استئناف ضخ إيران للغاز إلى العراق غير واضح، وهو يعتمد على توفر الفائض من الغاز في إيران.

وفي حين عزت طهران هذا الانحسار في الإمدادات إلى صيانة خطوط الأنابيب، يرى المرسومي أن هذا السبب غير مقنع، لاسيما أن تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا لا يزال مستمراً.

وبالإضافة إلى عراقيل تقنية، قال المرسومي إن الديون العراقية لإيران تُعد من أبرز أسباب انحسار تدفق الغاز الإيراني، إذ تستخدم طهران هذا الملف كورقة ضغط على بغداد.

ويضيف أن هذا الأمر يثير قلق العراق ويعطي انطباعاً بأن الخيار الإيراني لم يعد موثوقاً أو مطمئناً، ولا يستطيع أن يوفر إمدادات غازية منتظمة إلى البلاد، في ظل الحاجة الماسة للغاز الذي تعتمد عليه بغداد في إنتاج الكهرباء.

ويؤكد أستاذ علم الاقتصاد أن المصادر البديلة المتاحة للعراق ليست قصيرة الأجل، حيث تستغرق عملية الربط الكهربائي مع السعودية 3 سنوات لتزويد العراق بأكثر من 1000 ميغاواط، فيما لا يحقق الربط الكهربائي مع الكويت أكثر من 500 ميغاواط.

إضافة إلى ذلك، يحتاج العراق إلى سنتين لتهيئة البنى التحتية لاستيراد الغاز المسال من قطر، وهو ما يُعد أكثر جدوى اقتصادية.

العراق.. بين نار الغاز وفساد النفط

وأُجريت دراسة قبل نحو أربع سنوات في هذا السياق، إلا أن الضغط السياسي الإقليمي حال دون تنفيذ هذا التحول، وأسهم أيضاً في تعثر عملية استثمار الغاز الوطني لسنوات طويلة، وفقاً للمرسومي.

وأكد عضو لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي، ضرغام المالكي، في تصريح لموقع “الحرة”، أن وزارة النفط العراقية تتحمل جزء كبير من الإخفاق فيما يخص تجهيز وزارة الكهرباء بوقود الغاز لتشغيل المحطات الكهربائية، ما دفع بالعراق لاستيراد الغاز الذي جعل بغداد تحت مطرقة طهران سياسياً بسبب هذا الملف.

ويبيّن المالكي، وهو نائب عن تحالف ائتلاف دولة القانون، أن العراق في وضع لا يحسد عليه بسبب عدم قدرته على دفع الديون الإيرانية نتيجة العقوبات الأميركية على طهران، وبذات الوقت لاتزال الحاجة قائمة وملحة للغاز الإيراني، وهذا يرجع لتأخر وزارة النفط في تطوير ملف الطاقة وسوء الإدارة.

ودأبت الولايات المتحدة منذ 2023 على إصدار إعفاءات تسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل إمدادات من الكهرباء، على أنه لا تستخدم طهران هذه الأموال إلا في “معاملات غير خاضعة للعقوبات” مثل شراء السلع الإنسانية ومنها المنتجات الغذائية والزراعية.

وأعرب المالكي عن اعتقاده أن التوجه لاستيراد الغاز من تركمانستان، ربما يضع العراق في مشاكل أخرى لأنه سيمر عبر أنابيب الغاز الإيرانية، فسيكون عامل الضغط السياسي على بغداد قائم أيضاً، مستبعداً أن يكون هذا أحد الحلول الناجحة أو مصدر بديل يحقق متطلبات العراق في توفير الغاز لمحطاته الكهربائية.

ويؤكد أن لجنة النفط والغاز كانت قد قدمت خطة عمل قبل سنتين للجهات التنفيذية المعنية في الحكومة بضرورة إنشاء منصات مخصصة لاستقبال الغاز المسال في ميناء أم قصر والتوجه إلى إبرام عقود استيراد من دولة قطر، بيد أن وزارة النفط العراقية لم تمض في هذا المشروع وأصرت على استيراد الغاز من إيران حصراً، وبالتالي عُطل هذا التوجه لسبب سياسي ،على حد قول عضو اللجنة.

ويرى المالكي أن ما وراء تأخر وزارة النفط في تطوير المنشآت النفطية، هي الشركات المستثمرة التي تقوم بشراء ذمم مسؤولين كبار حسب وصفه.

وأشار، في هذا الإطار، إلى صفقة فساد تبلغ 27 مليار دولار ممثلة بالتعاقد مع شركة “توتال” الفرنسية في العام 2022، والتي كانت تقوم على مد أنابيب لتحويل الغاز المنبثق إلى غاز مصاحب، ولحد الآن لم تقم الشركة بأي أعمال في هذا الاتجاه، فضلاً عن مشاريع أخرى مشبوهة.

ويشير المالكي إلى أن لجنة النفط والغاز تمتلك ملفات كبيرة فيها شبهات فساد تقدر بمليارات الدولارات، وسيكون هناك تحرك قانوني في هذا الإطار، وبناء عليه تقدم تلك الملفات إلى هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية للتحقيق فيها.

بين الهدر والضياع

الخبير النفطي، فرات الموسوي، اعتبر، في حديث لموقع “الحرة”، أن العراق تأخر كثيراً في عملية استثمار الغاز، فمنذ سنوات طوال يتم حرق الغاز دون الاستفادة منه.

ونبه إلى أن توجه العراق لاستيراد الغاز الإيراني يرجع إلى عجزه الكامل في إدامة منظومة الطاقة الكهربائية التي تم استيرادها عام 2014، وما نسبته 70 بالمئة من مولدات تلك المنظومة تعمل بالغاز الجاف في حين لا يمتلك العراق أي كمية من هذا النوع من الغاز.

ويرى الموسوي أن الحكومات المتعاقبة على العراق تفتقر لسياسة نفطية واضحة المعالم، ولايزال ملف الطاقة العراقي يدار من قبل شخصيات غير جديرة، وبالتالي فإن السياسات النفطية منذ 20 عاماً وحتى الآن ما فتئت تتخبط دون أن تحقق تغييرات جذرية في هذا الملف، ومنها استمرار استيراد الغاز من إيران.

وأوضح أن إيران تواجه مشاكل في الطاقة، ووصلت نسبة العجز في الغاز إلى قرابة 350 مليون متر مكعب، وبالتالي، فإن طهران غير قادرة على مواصلة تصدير الغاز من العراق، ما أوقع العراق في مأزق خطير.

وكان من المفترض أن تنوع بغداد من مصادر تزويدها بالغاز والطاقة، وفق الموسوي.

وأشار إلى غياب الشفافية بعمل وزارة النفط على صعيد عرض كافة الأرقام والبيانات الخاصة، وحتى تفاصيل التعاقد مع الشركات الاستثمارية، حيث بلغت قيمة الغاز المحترق منذ سنة 2011 إلى العام 2015 قرابة 15 مليار دولار، وما يتم إهداره من الغاز العراقي عبر الاحتراق يصل إلى أضعاف كميات الاستيراد من إيران، حسب وصفه.

وشدد على أن التكلفة المالية التي يتحملها العراق قبالة استيراد الغاز الإيراني بواقع 50 مليون متر مكعب في اليوم الواحد، إضافة إلى استيراد 3 آلاف ميغاواط من إيران أيضاً تصل إلى 10 ترليون دينار عراقي، أي ما يعادل 6 مليار دولار سنوياً، وأن خسارة العراق من حرق الغاز المصاحب للعمليات النفطية سنوياً تقدر بنحو 2.5 مليار دولار.

ونوه إلى أنه ورغم توجه العراق إلى مصادر بديلة للطاقة، فإن تلك العملية تتطلب سقفا زمنيا طويلا يخص البنى التحتية لتلك المصادر، قد تستغرق من 3 سنوات إلى 5 سنوات، وحالياً هناك تعاقد مع شركة توتال الفرنسية لتوفير نحو 1000 ميغاواط عبر الطاقة الشمسية لتعويض نقص الطاقة الكهربائية، لافتا إلى أنه سيتم إنتاج كل 6 أشهر نحو 250 ميغاواط.

وعن عدم قدرة العراق على استثمار الغاز الوطني، يشير الموسوي إلى أسباب عدة، أبرزها العجز الفني، خاصة أن الغاز يختلف تماماً عن النفط، إذ تتطلب عمليات الاستثمار في حقول الغاز تهيئة بنى تحتية متكاملة وتكنولوجيا حديثة والتعاقد مع شركات لها باع طويل بهذا النوع من الاستثمارات،

“والعراق حتى الآن لم يتعاقد مع شركات مختصة ولايزال يعتمد على شركات صينية دون مستوى الطموح”، يضيف الموسوي.

ويضاف إلى ذلك، غياب الرؤية والخطط الاستراتيجية في استثمار الغاز، لاسيما أن هناك 4 جولات للتراخيص النفطية خلت من عمليات استثمار الغاز، باستثناء أعمال شركة “شيل” التي استثمرت كميات من الغاز المصاحب للعمليات النفطية بلغت “ألف ميلون” قدم مكعب قياسي خلال 10 أعوام وهي كمية قليلة جداً، في حقول الكرنة والزبير والرميلة.

وهناك أيضاً أسباب أخرى، مثل تفشي الفساد المالي، وضعف موقف المفاوض العراقي مع الشركات الاستثمارية، ناهيك عن مساهمة التدخلات السياسية الداخلية والإقليمية في القرار العراقي في دفع البلاد للاستمرار في استيراد الغاز والمشتقات النفطية، وإفشال أي مشروع ناجح تنوي وزارة النفط إنجازه على مدار السنوات الماضية، وفق الموسوي.

“غاز السياسة”

يرى الباحث السياسي، أحمد الخضر، في حديثه إلى موقع “الحرة”، أن التعاون بين بغداد وطهران في ملف الطاقة، خصوصاً استيراد الغاز، يشوبه العديد من المشاكل، وأصبح الملف يأخذ جانباً سياسياً أكثر منه تجارياً. كما أن إيران لها اليد الطولى في التحكم بهذا الملف، مما انعكس سلباً على الطاقة الكهربائية في العراق نتيجة التأثر بالعامل السياسي.

وقال الخضر إن السبب الرئيسي في قطع إمدادات الغاز الإيراني إلى العراق، الذي تتذرع به حكومة طهران، هو عدم التزام بغداد بتسديد الأموال والديون لإيران بسبب العقوبات الأميركية على طهران.

لكن حقيقة الأمر، كما يقول الباحث السياسي، تقع في دائرة الضغط السياسي على بغداد من خلال توظيف ملف الغاز لتحقيق مكاسب سياسية تريدها طهران، إضافة إلى توسيع حجم نفوذها في البلاد، خصوصاً أنها تلعب على عنصر فاعل يمس حياة المواطنين بشكل مباشر.

ويعتقد الخضر أن الإصرار على اعتماد الغاز الإيراني مصدراً وحيداً يدل على سطوة طهران على القرار السياسي العراقي، حسب قوله، مستبعداً أن تجدد الولايات المتحدة الاستثناءات لاستيراد الغاز الإيراني، خاصة في عهد دونالد ترامب المعروف بتشدده في تطبيق العقوبات على طهران.

وفيما يتعلق بإمكانية خروج العراق من تأثير إيران في ملف الطاقة، يشير الخضر إلى أن بغداد، في ظل الوضع السياسي الحالي الذي يشهد نفوذاً كبيراً للإطار التنسيقي (وهو تحالف سياسي إسلامي يضم أحزاباً شيعية وشكّل الحكومة في أكتوبر 2022)، لا تستطيع التخلص من النفوذ الإيراني. ويرى أن أي حكومة تضم أغلبية من الأحزاب الشيعية التقليدية ستكون عرضة لنفوذ طهران.

ورغم الاتصالات المستمرة والملحة، لم تجب وزارة النفط على طلب موقع “الحرة” للحصول على معلومات تتعلق بخطط الوزارة ومساعيها في إطار التفاهم مع إيران بشأن إمدادات الغاز واستئنافها، وما إذا كان هناك رؤى جديدة للوزارة بشأن إيجاد مصادر بديلة للطاقة.

هەواڵی پەیوەندیدار

تريسي جاكوبسون: سأعزز المصالح الأمريكية وأحارب نفوذ الميليشيات في العراق

کەریم

قانون جديد لـ«الحشد الشعبي» يفجر أسئلة عن الموازنة والانتخابات

کەریم

رئيس الحكومة يشارك في احتفال بمناسبة يوم استقلال الولايات المتحدة الأمريكية

کەریم