يتصالح العراق تدريجيا مع حقيقة انهيار النظام في سوريا؛ فقد بدأ يتعامل مع الحكومة الانتقالية في دمشق رغم دعمه السابق للرئيس السوري بشار الأسد.
وأبدى العراق قلقا واضحا من تقدم هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل الإسلامية خلال الأيام القليلة التي سبقت سقوط الأسد. وبرر العراقيون قلقهم بالتخوف من تكرار سيناريو 2014 عندما اجتاح تنظيم داعش في سوريا مدينة الموصل العراقية، بالإضافة إلى المخاوف الطائفية.
وحذر محمد شياع السوداني في 19 ديسمبر الماضي من أن الهجمات على المواقع الشيعية المقدسة في سوريا ستخلف تداعيات في العراق. لكنه خفف من حدة خطابه بالتأكيد على سياسة عدم التدخل.
وشكّلت حماية هذه المواقع مبررا محوريا لتدخل إيران والجماعات الشيعية العراقية في سوريا منذ نشوب الاحتجاجات واندلاع النزاع المسلح خلال 2011.
وتواجه الحكومة العراقية اليوم تغير الواقع على الأرض مع تبدل الظروف. فقررت تبنّي نهج دبلوماسي استباقي.
وتحاور السوداني ووزير الخارجية فؤاد حسين مع بلدان الجوار لتنسيق الاستجابات للتطورات السريعة. وأعرب قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في رسالة مصورة إلى السوداني عن استعداد القيادة السورية الجديدة لإقامة “علاقات إستراتيجية” مع العراق.
وأرسلت قوى إقليمية (مثل تركيا وقطر) ودول أوروبية دبلوماسيين كبار للقاء الشرع بينما أرسل العراق رئيس جهاز مخابراته حميد الشطري إلى دمشق في 26 ديسمبر الماضي.
ومن جهته أطلق الشرع سراح العديد من رجال الميليشيات العراقية الأسرى حتى يمكّنهم من العودة إلى العراق مع الشطري.
وكانت تلك بادرة حسن نية. واتصل الوزير حسين بنظيره السوري الجديد، أسعد حسن الشيباني، بعد أيام للتأكيد على نية العراق إعادة فتح سفارته في دمشق وأهمية الجهود المشتركة في محاربة داعش. وطمأن الشيباني حسين، وأكد له كذلك أن أمن العراق مرتبط باستقرار سوريا.
ويرجح محمد صالح، الزميل الأقدم في معهد أبحاث السياسة الخارجية، في مقال نشره مركز ويلسون أن تكون مخاوف القادة الشيعة العراقيين تراجعت بفضل براغماتية الشرع، إضافة إلى الحماية المستمرة للأماكن الشيعية المقدسة مثل ضريح السيدة زينب.
وأعلن مسؤول عراقي في 5 يناير الجاري عن خطط لإعادة فتح معبر القائم أبوكمال الحدودي. وستسهل هذه الخطوة عودة العراقيين العالقين في سوريا واللاجئين السوريين من العراق.
ويمكن في النهاية أن تعود التجارة الحدودية المهمة لكلا البلدين. ولا يزال العراق وجهة مهمة للعمال السوريين بفضل عملته الأقوى واقتصاده المتنامي. كما تزود سوريا العراق بمنتجات زراعية ومنسوجات بأسعار معقولة. ورغم توقف شحنات النفط العراقية اليومية البالغة 30 ألف برميل إلى سوريا بعد سقوط الأسد فإن العراق قد يصبح مرة أخرى مصدرا حيويا، لقربه واحتياطياته النفطية. لكن هذا الانفراج يبقى مشروطا بإبرام اتفاقيات أوسع.
ورغم ذلك يرى صالح أن موقف العراق تجاه سوريا لا يزال غير محسوم تماما، مرجحا أن يعتمد على التطورات المستقبلية وتصورات بغداد للتهديدات التي تستهدف أمن البلاد.
وتعدّ تركيا من بين العوامل المهمة التي قد تؤثر على موقف العراق، وخاصة الجماعات الشيعية. ويمكن أن تقدم الجماعات الشيعية العراقية (وإيران) الدعم لقوات سوريا الديمقراطية بهدف مواجهة الفصائل المدعومة من تركيا مع تواصل الاستياء الشديد من التطورات في سوريا والنفوذ التركي المتزايد في المنطقة. وتنشط وحدات حماية سنجار (الفصيل العراقي المحلي المتحالف أيديولوجيا مع قوات سوريا الديمقراطية) بالفعل داخل قوات الحشد الشعبي العراقية (التحالف الذي يحتضن أساسا جماعات مسلحة شيعية موالية لإيران ومنضوية داخل جهاز الأمن الرسمي العراقي).