عجزت واشنطن عن الضغط المباشر لإخراج الحشد من ميزانية الدفاع العراقية، فقررت الضغط على زعامات الفصائل المنضوية تحت الحشد عبر توجيه رسائل تحذيرية لحكومة محمد شياع السوداني تدعوها إلى منع التمويل أو الإنفاق على صفقات تعود إلى بعض قيادات الميليشيات الموالية لإيران.
ويصعب المس من قدرات الحشد المالية؛ لأنه يحصل على ميزانية حكومية تستجيب لكل حاجياته، بدءا من البنزين ومرورا بالمباني ووصولا إلى الأسلحة والصيانة، بالإضافة إلى الرواتب. و من خلال الضغوط على الحكومات العراقية المتعاقبة عمل الأميركيون على تغيير هذه المعادلة، لكن ذلك لم يحصل بسبب سيطرة الأحزاب الموالية لإيران على الحكومة.
وتسعى واشنطن إلى تقليص التمويلات التي تحصل عليها الميليشيات في أنشطتها الذاتية، والتي تمكنها من استقطاب مقاتلين ونشطاء والتأثير في المجتمع على نطاق واسع، واستهداف خصومها، وخاصة التحضير لهجمات على القوات الأميركية.
وأشار موقع “شفق نيوز” العراقي الكردي، وفق مصدر وصف بالمطلع، إلى تلقي الحكومة العراقية رسائل من واشنطن ” تشدد على منع صرف استحقاقات مالية لقيادات بارزة لديها فصائل مسلحة منخرطة في صفوف الحشد الشعبي.”
وأضاف المصدر أن هذه الرسائل تؤكد على “منع صرف استحقاقات تتعلق بتعاملات خاصة بمشاريع استثمارية وأخرى تعاونية، تعود إلى قادة في الحشد الشعبي،” مشددا على أن الرسائل “تفيد باحتمال صدور قرارات من وزارة الخزانة الأميركية تقضي بفرض عقوبات على هؤلاء القادة، بالإضافة إلى مؤسسات أو مشاريع يشرفون عليها.”
ومن الواضح أن الهدف هو تقليص هيمنة الحشد على الاقتصاد العراقي، ما يمكّنه من المزيد من إحكام السيطرة على القرار السياسي، في استنساخ لتجربة الحرس الثوري في إيران لبناء إمبراطورية اقتصادية مستفيدا من وضعه السياسي والأمني بعيدا عن رقابة الدولة.
وقبل عامين وقّعت شركة عراقية لها ارتباطات بقوات الحشد الشعبي مذكرة تفاهم موسعة مع شركة “سي.إم.إي.سي” الصينية العملاقة للبناء، في أول اتفاق معلن مع شركة دولية. وهو ما يؤشر على حجم نفوذ الميليشيات الموالية لإيران وتغلغلها في النسيج الاقتصادي للعراق بعد النفوذ الأمني والعسكري الذي تدعّم خلال العقدين الماضيين.
وقال الحشد إن مجموعة المهندس المملوكة للدولة وقعت مذكرة “تشمل التعاون في مختلف مجالات الإعمار والبناء الهندسي والتجارة والخدمات ومشاريع الطاقة، وذلك بهدف التعاون في إقامة مشاريع مشتركة بين الجانبين.”
ويقاوم الحشد خطط التضييق عليه التي تحاول الحكومة تنفيذها استجابة للضغوط الأميركية، خاصة عقب رواج أنباء تفيد بأن واشنطن طلبت من حكومة السوداني حل الحشد ونزع سلاحه.
وقبل أيام رفض قيس الخزعلي الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، أبرز الميليشيات المرتبطة بإيران، تسليم سلاح الفصائل، معتبرا أنه “لا يوجد شيء اسمه حل الحشد الشعبي.”
وكانت مصادر سياسية مطلعة في العراق كشفت في 18 ديسمبر الماضي عن تلقي الحكومة العراقية رسالة أميركية محرجة تطالبها بحل الحشد الشعبي ومكافحة السلاح المنفلت وإبعاد تأثيرات دول الجوار على قرارها السيادي، مقابل استمرار الدعم للنظام السياسي القائم.
ويرجع تشكيل هيئة الحشد الشعبي في العراق إلى عام 2014 عندما أصدر المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في النجف فتوى بتشكيل حشود شعبية لمواجهة خطر تنظيم داعش، الذي توغل داخل مدن عراقية وسيطر على ثلث أراضي العراق، ووصل إلى مشارف العاصمة بغداد.
وهبت الحشود، وتطوع ما يقارب المليون شخص وتوجهوا إلى جبهات القتال مع الجيش العراقي، وبعد مرور عامين أصدر مجلس النواب العراقي، عقب طلب رفعه نواب من الكتل الشيعية، قانونا خاصا بالحشد الشعبي في العراق، معتبرا إياه أحد تشكيلات القوات المسلحة العراقية.
العرب