تستعد عدة فصائل مسلحة مدعومة من إيران في العراق لنزع سلاحها لتجنب خطر ضربات أميركية مماثلة لما يجري في مناطق سيطرة الحوثيين باليمن، في خطوة يقول مراقبون إنها تجعل الطريق معبدا أمام رئيس الحكومة محمد شياع السوداني لإنهاء الحشد، ولا يقف عائقا أمامه سوى وجود نوري المالكي.
ويرى مراقبون أن إيران يمكن أن تتخلى عن الحشد، وعن المالكي باعتباره ورقة محروقة، إذا طمأنتها الولايات المتحدة بأن الحوار حول البرنامج النووي سيكون من دون شروط مسبقة، وخاصة ضمان عدم تعرضها لضربات أميركية أو إسرائيلية.
وإذا وجد الإيرانيون أنفسهم مخيرين بين التخلي عن أذرعهم في العراق وبين أمنهم القومي فسيختارون التخلي عن حلفائهم في بغداد مرورا بالحشد ووصولا إلى المالكي، تماما مثلما تخلوا عن حماس وحزب الله ويتجهون إلى التخلي عن الحوثيين ضمن صيغة لترضية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وسيكون من الصعب على المالكي أن يقنع الإيرانيين بالاستمرار في دعم الحشد الشعبي في حين أن قادة الحشد أنفسهم صاروا خائفين على مصيرهم الشخصي ويعملون على إيجاد مكان لهم في المشهد السياسي بعد إعلان وقف الهجمات والتخلي عن السلاح ودمج العناصر التابعة لهم في القوات العراقية، مثلما يريد السوداني.
وأرسل القصف الأميركي العنيف على الحوثيين إشارة قوية إلى زعماء المجاميع الموالية لإيران تحذرهم من أن واشنطن قد لا تكتفي بقصف معسكراتهم أو نقاط تواجدهم، وأنها يمكن أن تترصدهم واحدا واحدا وتصفيهم فردا فردا.
يضاف إلى ذلك أن قادة الصف الثاني وعموم مسلحي الحشد غير مقتنعين وغير متحمسين للجهاد وتحمّل ضربات قوية تودي بالعشرات منهم فيما كان انتماؤهم إلى الحشد من بوابة المصالح والتمتع بالأموال والحظوة الاجتماعية.
ولا يريد قادة الحشد أن يكون مصيرهم مثل مصير الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين اللذين قامت إسرائيل بتصفيتهما رغم لجوئهما إلى التخفي. ولا يزال استهداف أميركا -في الأيام الأخيرة من ولاية ترامب الأولى- لقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في يناير 2020 ماثلا في ذهن إيران والمسؤولين عن الحشد.
ويسيطر التوتر على قادة الحرس الثوري الذين لا يريدون أي مواجهة مع إدارة ترامب خوفا من ضربات قوية تزيد من كشف محدودية القدرات الإيرانية كما حصل خلال ضربات إسرائيلية سابقة في العام الماضي. ولأجل ذلك من الصعب أن تتدخل إيران لصالح المالكي، الذي سيجد نفسه بلا حلفاء فيما تخدم الظروف كلها مصلحة السوداني.
ومن المرجح أن يميل الإيرانيون إلى التهدئة الكاملة على مدى السنوات الأربع القادمة إلى أن يرحل ترامب، ما يعني رجحان أن يفرضوا على المجموعات الموالية لهم تسليم السلاح وحل الميليشيات بشكل كامل والانضمام إلى الجيش، على أن يلتحق بعض القادة البارزين بالعملية السياسية ويبدوا مرونة في الخطاب ويقللوا الظهور ويتجنبوا الصدام مع الحكومة وإجراءاتها المالية أو الأمنية.
وتأتي ضمن هذا السياق التسريبات التي تشير إلى أن الحشد قبل طلب السوداني، ومن ورائه الولايات المتحدة، دمج مسلحي الميليشيات في القوات العراقية والجيش.
وقال عزت الشابندر، السياسي المقرب من الائتلاف الحاكم في العراق، لرويترز إن المناقشات بين السوداني وعدد من قادة الفصائل المسلحة وصلت إلى مرحلة “متقدمة للغاية”، وإن الجماعات تميل إلى الامتثال لدعوة الولايات المتحدة إلى نزع سلاحها.
وأضاف “الفصائل لا تتصرف بعناد أو تصر على الاستمرار بصيغتها الحالية،” مضيفا أن الفصائل “تدرك تماما” أنها قد تكون هدفا للولايات المتحدة.
وينتمي قادة الفصائل، الذين عبروا عن رغبتهم في تغيير الموقف باتجاه التهدئة، إلى كتائب حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء وحركة أنصارالله الأوفياء.
وقال قيادي في كتائب حزب الله، أقوى الفصائل الشيعية، متحدثا وهو يرتدي كمامة سوداء ونظارة شمسية “ترامب مستعد لتصعيد الحرب معنا إلى مستويات أسوأ، نحن نعلم ذلك، ونريد تجنب مثل هذا السيناريو السيء.”
وأكد القادة أن حليفهم وراعيهم الرئيسي، الحرس الثوري الإيراني، منحهم موافقته على اتخاذ أي قرار يرونه ضروريا لتجنب الانجرار إلى صراع مع الولايات المتحدة وإسرائيل قد يكون مدمرا.
ووفقا لمسؤوليْن أمنيين يراقبان أنشطة الجماعات المسلحة، تنتمي هذه الفصائل إلى تحالف المقاومة الإسلامية في العراق، الذي يضم حوالي عشرة فصائل شيعية مسلحة ومتشددة تقود مجتمعة ما يقرب من 50 ألف مقاتل وبحوزتها ترسانات تشمل صواريخ بعيدة المدى وأسلحة مضادة للطائرات.
وقال فرهاد علاء الدين مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية، ردا على استفسارات حول محادثات نزع السلاح، إن رئيس الوزراء ملتزم بضمان أن تكون جميع الأسلحة في العراق تحت سيطرة الدولة من خلال “حوار بنّاء مع مختلف الجهات الفاعلة الوطنية.”
وذكر المسؤولان الأمنيان العراقيان أن السوداني يضغط من أجل نزع سلاح جميع فصائل تحالف المقاومة الإسلامية في العراق، والتي تعلن الولاء للحرس الثوري الإيراني أو فيلق القدس التابع له، وليس لبغداد.
ويقول مسؤولون وقادة إن بعض الفصائل أخلت بالفعل مقراتها الرئيسية إلى حد كبير وقلصت وجودها في المدن الكبرى، بما في ذلك الموصل ومحافظة الأنبار، منذ منتصف يناير خشية التعرض لغارات جوية. وأضافوا أن الكثير من القادة عززوا أيضا إجراءاتهم الأمنية -بما في ذلك تغيير هواتفهم المحمولة ومركباتهم ومساكنهم- بشكل متكرر خلال تلك الفترة.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أنها تواصل حث بغداد على كبح جماح الفصائل المسلحة. وأضافت “يجب على هذه القوات أن تستجيب للقائد العام للقوات المسلحة العراقية، لا لإيران.”
وقال مسؤولان حكوميان ومصدران أمنيان مطلعان على الاتصالات بين واشنطن وبغداد إن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث قال للسوداني في مكالمة هاتفية في 16 مارس، بعد مرور مدة وجيزة على تنفيذ الولايات المتحدة ضربات على الحوثيين، إن عليهم منع الفصائل المسلحة من تنفيذ هجمات انتقامية على قواعد إسرائيلية وأميركية في المنطقة دعما لحلفائها.
وشنت فصائل مسلحة في العراق عشرات الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل دعما لحماس منذ بدء حرب غزة، وقتلت ثلاثة جنود أميركيين في هجوم بطائرة مسيرة في الأردن قرب الحدود مع سوريا العام الماضي.
وقال إبراهيم الصميدعي، وهو مستشار سياسي سابق في حكومة السوداني، للتلفزيون العراقي إن الولايات المتحدة تضغط على القيادة في العراق منذ فترة طويلة لنزع سلاح الفصائل الشيعية المسلحة ولكن واشنطن ربما لا تقبل الرفض هذه المرة. وأضاف “هذه المرة إن لم نستجب تلقائيا وذاتيا فقد يُفرض (الأمر) علينا من الخارج وبالتأكيد عن طريق القوة.”
العرب