تبذل إيران كل ما في وسعها لمنع أن يشملها اتساع دائرة الحرب في غزة، وكي لا يتجاوز الاستهداف الإسرائيلي والأميركي وكلاءها حماس والحوثيين وحزب الله الذين يشتركون في المعارك بأدوار وأحجام مختلفة كحائط صد حتى لا تتم مهاجمة طهران.
وكشفت مصادر متنوعة أن إيران تعمل جاهدة لمنع الانجرار إلى حرب مباشرة فيما يعرض أمين عام حزب الله حسن نصرالله تولي مهمة الحرب مع إسرائيل منفردا بالرغم من أن ذلك قد يجعل الحزب ولبنان يدفعان الثمن باهظا. وسعى قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، خلال الزيارة التي قام بها إلى بيروت في فبراير ولقائه نصرالله، للتأكيد على أن إيران ليست مستعدة للمشاركة في الحرب بأي شكل من الأشكال.
وجاءت الزيارة والتأكيد الإيراني بعد لقاءات ثنائية غير مباشرة بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين برعاية سلطنة عمان في يناير، ما يؤكد أن حزب الله كان على طاولة المباحثات في مسقط وليس فقط ملف استهداف الحوثيين للسفن، وأن إيران قد تكون تعهدت بالنأي بنفسها عن التصعيد وترك حلفائها يواجهون الموقف بشكل منفرد مقابل تأمين نفسها. ولا يُعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة قد أخذت تعهدات إيران على محمل الجد لتقنع بها إسرائيل.
وتأكيد نصرالله على استعداد الحزب لخوض المعركة بنفسه دليل على أن ذلك جاء بطلب من إيران على أن يتم الإعلان عنه في صيغة موقف للحزب يحمّله وحده فاتورة الحرب كوكيل هدفه حماية موكله، في موقف يظهرهما كما لو أنهما في خلاف. وذكرت المصادر أن قاآني اجتمع في العاصمة اللبنانية مع حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله للمرة الثالثة على الأقل منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي على جنوب إسرائيل وما تبعه من حملة عسكرية إسرائيلية على غزة.
وعلى مدى الأشهر الخمسة الماضية أظهر حزب الله، العدو اللدود لإسرائيل، دعمه لحماس من خلال إطلاق وابل محدود من الصواريخ عبر الحدود الشمالية لإسرائيل. وأشارت جميع المصادر إلى أنه في الاجتماع الذي لم يعلن عنه سابقا طمأن نصرالله قاآني بأنه لا يريد أن تنجر إيران إلى حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة وأن حزب الله سيقاتل بمفرده.
وقال نصرالله لقاآني “هذه هي معركتنا”، حسب ما أدلى به مصدر إيراني مطلع على المباحثات. وقال مصدران متوافقان مع آراء الحكومة في طهران إن إيران وحزب الله يدركان المخاطر الجسيمة التي قد تترتب على حرب أوسع نطاقا في لبنان، بما في ذلك توجيه ضربات إلى المنشآت النووية الإيرانية.
وقال مصدران أميركيان ومصدر إسرائيلي إن إيران تريد تجنب عواقب أي حرب بين إسرائيل وحزب الله. ويرى محللون أن اجتماع بيروت يسلط الضوء على الضغوط التي تتعرض لها إستراتيجية إيران المتمثلة في تجنب تصعيد كبير في المنطقة، وفي الوقت نفسه إظهار القوة والدعم لغزة في أنحاء الشرق الأوسط من خلال الجماعات المسلحة المتحالفة معها في العراق وسوريا واليمن.
وقال جون ألترمان، من مركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية، ردا على سؤال بشأن الاجتماع إن قاآني ونصرالله يريدان “إبعاد إيران بشكل أكبر عن عواقب دعم مجموعة من الجهات الفاعلة بالوكالة في الشرق الأوسط”. وأضاف “ربما لأنهما يقدّران أن احتمالات القيام بعمل عسكري في لبنان تتزايد ولا تتراجع”.
ويسيطر قاآني ونصرالله على عشرات الآلاف من المقاتلين وترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف. وهما الشخصيتان الرئيسيتان في شبكة تحالفات طهران والفصائل الموالية لها إذ أن فيلق القدس هو الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني. وبينما أشار حزب الله علنا إلى أنه سيوقف هجماته على إسرائيل بمجرد أن توقف إسرائيل هجماتها على غزة، قال المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستين مؤخرا “إن وقف إطلاق النار في غزة لن يؤدي إلى استقرار الأوضاع تلقائيا في جنوب لبنان”.
ويقول دبلوماسيون عرب وغربيون إن إسرائيل تبدي إصرارا شديدا على منع وجود مقاتلي حزب الله الرئيسيين على حدودها خشية وقوع هجوم مماثل لهجوم حماس الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 253 رهينة، بحسب الإحصاءات الإسرائيلية.
وقالت سيما شاين، المسؤولة السابقة في المخابرات الإسرائيلية وترأس حاليا برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي، “إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار (في غزة)، فسيصبح هناك اتجاهان داخل إسرائيل، وحسب رأيي الاتجاه الذي يؤيد مواصلة الحرب على الحدود مع حزب الله هو الأقوى”.
واتفق مسؤول إسرائيلي كبير مع الرأي القائل إن إيران لا تسعى إلى حرب شاملة، مشيرا إلى رد فعل طهران المنضبط على الهجوم الإسرائيلي على حماس. وقال المسؤول “يبدو أنهم (الإيرانيين) يشعرون بتهديد عسكري حقيقي. لكن هذا التهديد قد يحتاج إلى أن يصبح أكثر مصداقية”.
وتعمل واشنطن، من خلال هوكستين، وفرنسا على تقديم مقترحات دبلوماسية لنقل مقاتلي حزب الله من المنطقة الحدودية بما يتماشى مع قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي ساهم في إنهاء حرب عام 2006، لكن التوصل إلى اتفاق مازال بعيد المنال في الوقت الراهن. وقال مصدران إقليميان إن “اندلاع حرب في لبنان تؤدي إلى إضعاف حزب الله بشكل خطير سيكون بمثابة ضربة قوية لإيران التي تعتمد على الجماعة، التي تأسست بدعم منها عام 1982، كحصن لها في مواجهة إسرائيل ولدعم مصالحها في المنطقة”.
وقال عبدالغني الإرياني، وهو الباحث البارز في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية باليمن، “حزب الله في الحقيقة هو خط الدفاع الأول عن إيران”. وقالت المصادر الإيرانية في الدائرة الداخلية للسلطة إنه “إذا قامت إسرائيل بعمل عسكري كبير ضد حزب الله، فقد تجد طهران نفسها مضطرة إلى تكثيف حربها بالوكالة”.
ومع ذلك، أقر مسؤول أمني إيراني بأن كلفة مثل هذا التصعيد قد تكون باهظة جدا بالنسبة إلى الجماعات المتحالفة مع إيران. وأضاف أن “مشاركة إيران بشكل مباشر قد تخدم مصالح إسرائيل وتوفر مبررا لاستمرار وجود القوات الأميركية في المنطقة”. وقال مسؤول أميركي إنه “بالنظر إلى علاقات طهران الواسعة والممتدة منذ عقود مع حزب الله، سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الفصل بينهما”.