تظهر السلطات العراقية اهتماما مبكرا بالقمة العربية المقررة في بغداد خلال شهر مايو القادم يتجلّى في الاستعدادات السياسية والأمنية والتركيز الإعلامي الرسمي على المناسبة.
ولا يحمل صانع القرار العراقي أوهاما بشأن جودة مخرجات القمة واختلافها عن مخرجات سابقاتها من حيث الفاعلية والتأثير في الواقع ومجريات الأحداث وحلحلة الأزمات الخطرة التي تواجهها عدة بلدان عربية على غرار فلسطين ولبنان والسودان واليمن والصومال، لكنّه يدرك في المقابل الأهمية الرمزية للمناسبة ولاستقبال أكبر عدد ممكن من القادة وكبار المسؤولين العرب في بغداد لتأكيد احتفاظ الأخيرة بمكانتها ضمن المنظومة العربية، وأيضا لتوجيه رسالة بشأن جدية التوجّه السياسي للانفتاح على المحيط العربي بعد سنوات من الجفاء والبرود النسبيين الناتجين عن شدّة الارتباط بإيران وسياساتها.
ويحمل النجاح في تنظيم القمّة بدءا بالتحضير الجيد لها وإزالة العوائق والخلافات من طريقها على غرار الخلاف الذي لاح بشأن استدعاء الرئيس السوري أحمد الشرع لحضورها والذي حسمه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني شخصيا بتأكيده قرار الاستدعاء، إضافة نوعية لرصيد السوداني وحكومته وهو الذي أراد أن يكون مختلفا عن أسلافه من رؤساء حكومات ما بعد سنة 2003 من حيث زيادة منسوب الانفتاح على دول الإقليم وترميم جسور التواصل مع البلدان العربية وتنمية التعاون معها بعد فترة من التراجع والجمود.
وفي سياق الاستعداد السياسي للقمّة العربية ترأس وزير الخارجية فؤاد حسين الاجتماع الخامس عشر للتحضيرات الخاصة بقمة بغداد. وذكرت وزارة الخارجية في بيان أنّ الاجتماع تضمّن “تقييما للتقدّم المُحرز في الاستعدادات النهائية لضمان نجاح هذا الحدث المهم”.
ومثّل مستوى الحضور وتنوعه من حيث الاختصاص بحدّ ذاته علامة على جدية التحضير إذ كان من بين المشاركين في الاجتماع بحسب بيان الوزارة وزير التخطيط محمد تميم والأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي ووكيل وزارة الخارجية أحمد نايف رشيد الدليمي إلى جانب ممثلين عن عدد من الوزارات والجهات الحكومية ذات الصلة.
كما أوضح البيان أن المجتمعين ناقشوا جدول الأعمال المطروح وركزوا على استعراض الخطط التنظيمية والأمنية واللوجستية بما في ذلك ترتيبات استقبال الوفود المشاركة وتنسيق الجوانب الفنية والإعلامية.
وأكد فؤاد حسين بالمناسبة “أهمية تعزيز التعاون بين جميع الجهات المعنية لتحقيق أعلى درجات الجاهزية للقمّة،” مشيرا إلى أن “استضافة بغداد لهذه المناسبة تمثل فرصة لتعزيز مكانة العراق وإبراز دوره في دعم مسيرة العمل العربي المشترك”.
وشدد الحاضرون أيضا على “ضرورة استكمال جميع الترتيبات ضمن الإطار الزمني المحدد بما يضمن انعقاد القمة في أجواء من التنسيق الفعّال والتنظيم المتميّز”.
وفي الجانب الأمني شديد الأهمية من التحضيرات للقمّة العربية أعلن وزير الداخلية عبدالأمير الشمري انتهاء جميع الاستعدادات الخاصة بتأمين المناسبة وتهيئة كل ما من شأنه إنجاحها.
وقالت وزارة الداخلية في بيان إن “وزير الداخلية رئيس اللجنة الأمنية العليا لتأمين القمة العربية ترأس اجتماعا موسعا بحضور نائب قائد العمليات المشتركة وعدد من القادة الأمنيين من جميع الجهات المكلفة بتأمين هذا الحدث المهم المؤمل إقامته في العاصمة بغداد في مايو المقبل”.
وأكد الشمري بحسب البيان “أهمية توحيد الجهود الأمنية وتسهيل الإجراءات المتعلقة بهذه المناسبة، وتهيئة جميع الظروف الملائمة لضمان نجاحها، بما يعكس صورة إيجابية عن العراق وشعبه.”
وأضافت الوزارة أن “الاجتماع شهد مناقشة جملة من الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال بما يسهم في تنظيم القمة بأعلى مستويات المهنية في العمل الأمني المشترك”.
من جهتها أكدت لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، الجمعة، على أهمية عقد القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد خلال الشهر المقبل.
وقال عضو اللجنة عامر الفايز إن “عقد القمة العربية في العاصمة بغداد خلال الشهر المقبل أمر مهم جدا للعراق على مستوى علاقاته الإقليمية، معتبرا في تصريحات لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أنّ “هذه الخطوة تدل على استعادة العراق دوره المحوري والأساسي في المنطقة والعالم”.
وبيّن الفايز أن “العراق خلال الفترة الماضية استطاع أن يؤدي دورا محوريا مهمّا في المنطقة والعالم، خاصة مع دول الجوار. وخلال الأزمات الأخيرة في غزة ولبنان، أثبت مواقفه الداعمة للدول العربية، ولهذا فالقمة العربية في بغداد ستعزز مكانة العراق بين أشقائه العرب، وسوف تدفعه نحو تعزيز وتقوية علاقاته الدولية بصورة عامة.”
وكانت علاقات العراق بالعديد من الدول العربية المركزية لاسيما بلدان الخليج قد شهدت منذ تغيير النظام في 2003 وصعود أحزاب دينية شيعية إلى سدّة الحكم عدّة إضرابات سببها في الغالب شدّة ارتباط تلك الأحزاب بإيران وسياساتها بحيث كانت الخلافات بين طهران وعواصم عربية مثل الرياض أو المنامة أو عمّان تنعكس آليا على علاقة بغداد بتلك العواصم.
وبُذلت منذ ذلك الحين محاولات لترميم علاقات العراق ببلدان المحيط العربي ورفع مستوى التعاون في عدة مجالات بما في ذلك المجال الاقتصادي، لكنّها كثيرا ما كانت تتعثّر وتؤول إلى نتائج دون المأمول بفعل تعرضها لعراقيل وصعوبات تطرحها في طريقها الأحزاب الحاكمة التي كانت بمثابة حرّاس لنفوذ إيران ومصالحها في البلد.
وخلال الفترة الحالية مثّل التراجع النسبي لنفوذ إيران في المنطقة والضغوط الشديد المسلطة من الولايات المتحدة على طهران فرصة للعراق للخروج التدريجي من دائرة التأثير الإيراني وإعادة التموضع في المنظومة العربية، وهو ما يبدو أن حكومة السوداني بصدد العمل عليه، متخطية سطوة الأذرع الإيرانية من ميليشيات وأحزاب طائفية.
العرب