تعتبر لعبة “المحيبس” (إخفاء الخاتم) من الألعاب الأكثر شعبية لدى العراقيين، خلال شهر رمضان، وتعتمد على الفراسة وقدرة الخصم على اكتشاف حامل الخاتم من بين العشرات من المشاركين. وانخرطت النساء بالمشاركة في اللعبة وذلك للمرة الأولى في تاريخ هذا البلد الذي بدأ يتعافى من مخلفات الفوضى التي ضربته بعد الاحتلال الأميركي العام 2003.
ولعبة “المحيبس” واحدة من أبرز الألعاب الشعبية التي يحرص العراقيون على ممارستها خلال شهر رمضان وجاءت تسميتها نسبة إلى “المحبس” وهو الخاتم، حيث يتم إخفاؤه في أيادي المشاركين الذين ينقسمون إلى فريقين ويتوجب على الفريق الخصم العثور عليه بالاعتماد على فراسة النازل (رئيس الفريق) وقوته الذهنية لاكتشاف الخاتم وأخذه.
ويمارس هذه اللعبة مختلف طبقات الشعب العراقي ومن مختلف الأعمار، وتلعب في المقاهي والحارات الشعبية، وداخل البيوت ولها طقوسها الخاصة ومفرداتها الشعبية التي تستخدم أثناء اللعب، ويرجع تاريخها إلى القرن الـ18 الميلادي، وفقا للباحث في التراث الشعبي العراقي خليل إبراهيم العبدالله.
وتبدأ اللعبة بين فريقين كل فريق يمثل حارته أو مدينته، ويجلس كل فريق مقابل الفريق الآخر ثم يتقابل رئيسا الفريقين ومساعديهم مع حكم اللعبة ثم يتم شراء المحبس أي يقدم كل فريق عرضا، مثلا يقول الفريق الأول لخصمه لكل 10 نقاط مقابل يكون المحبس لديّ وأنا أبدا باللعب أولا.
ويقوم بعدها رئيس الفريق الذي حصل على المحبس بوضعه (المحبس) بيد أحد لاعبيه، ويساعده في ذلك لاعبان يحملان بطانية لحجب أعين الفريق الخصم، وعند الانتهاء من عملية وضع المحبس، يصيح رئيس الفريق، أو أحد مساعديه “بات” بصوت عال، لإعطاء الإشارة للفريق الخصم لكي يبدأ بالبحث عن المحبس في أيدي الفريق الآخر.
ويتخلل اللعبة توزيع الحلويات التقليدية مثل البقلاوة والزلابية على الفريقين والمشجعين، كما يتم ترديد بعض الأغاني التراثية القديمة خلال اللعبة. وطيلة الفترات الماضية كانت هذه اللعبة حكرا على الذكور، لكن حصل هذا العام تطور في ممارستها حيث دخلت النساء في ميدان هذه اللعبة وتم تشكيل فرق نسوية خاصة لممارسة هذه اللعبة بغية نشرها بين النساء أيضا.
وقالت خيرية مهدي صالح، محكّمة في لعبة المحيبس لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا) “اليوم ومن المتحف البغدادي وبمبادرة جميلة نمارس لعبة المحيبس وهي لعبة تراثية كانت تقتصر على الرجال فقط، أما النساء فكنّ فقط يشاهدن ويشجعن ويتناولن الحلويات”. وأضافت “أما اليوم فنحن نمارس هذه اللعبة، وهذا شيء جميل مشاركة المرأة بهذه اللعبة لأول مرة وتحقيق أمنية كنا نحلم بها منذ كنا أطفالا، وكنا نتمنى أن نلعبها ولكن العادات والتقاليد كانت تمنعنا”.
وأكدت “شيء جيد أن تمارس المرأة لعبة المحيبس للترفيه عن نفسها وهو دليل على أن المرأة العراقية بدأت تشارك الرجل في كل شيء”. ومارست النساء خلال شهر رمضان الحالي، لعبة المحيبس مرتين، وفي ليلة العيد سيتم اختيار اللاعبات المتميزات لتشكيل فريق نسوي يلاقي أبطال المحيبس من الرجال، وفقا لصالح. وأوضحت “تم توجيه اللاعبات بارتداء الزي الهاشمي وهو أحد الأزياء التراثية البغدادية لإحياء التراث العراقي، وهذه اللعبة (المحيبس) التي تعد إحدى أركانه”.
وقالت ابتسام علي، إحدى اللاعبات، في تصريح مماثل “أنا سعيدة جدا بممارسة هذه اللعبة لأول مرة ضمن فريق نسائي، بعد أن كنت فقط مشاهدة ومشجعة للفريق الذي يلعب فيه أخي”. وتابعت “أتمنى أن تعمّم هذه اللعبة في كل مدن العراق ويكون لكل مدينة فريق نسائي خاص بلعبة المحيبس ويقام دوري مثل الدوري الذي يمارسه الرجال في هذه اللعبة التي أعشقها منذ كنت طفلة صغيرة بعمر ست سنوات”.
ويعد “دخول النساء في ميدان لعبة المحيبس تطورا كبيرا في تاريخ هذه اللعبة التي تضاهي لعبة كرة القدم في شعبيتها، وسوف يزيد من شعبية هذه اللعبة التراثية”، وفق الباحث التراثي خليل إبراهيم العبدالله. وأضاف “هذه المشاركة النسائية بهذه اللعبة تعد الأولى في العراق وبدأت بالعاصمة بغداد، وأنا من مؤيدي دعم مشاركة النساء بها للحفاظ على اللعبة وزيادة شعبيتها”.
وطالب العبدالله المؤسسات الثقافية والحكومية ووسائل الإعلام بدعم مشاركة النساء في لعبة المحيبس وتشكيل فرق نسوية خاصة. ولفت إلى أن “لعبة المحيبس كان لها دور في إخماد الطائفية عندما بدأ شباب الأعظمية (سنية) والكاظمية (شيعية) بممارستها، وأتمنى أن تكون مشاركة المرأة فيها من أجل تضميد جراح الماضي وتحقيق السلم المجتمعي في العراق بعد تحسن الوضع الأمني بشكل كبير وعودة الحياة إلى طبيعتها”. وتجتذب لعبة “المحيبس”، التي تمارس في رمضان وتبدأ من فترة ما بعد تناول الفطور وتستمر أحيانا إلى ما قبل السحور، أعدادا غفيرة من المشاهدين.