يرى الإسرائيليون أن إغتيال القيادي الكبير في الحرس الثوري الأيراني محمد رضا زاهدي في الأول من أبريل يعتبر أهم حدث من نوعه بعد اغتيال قاسم سليماني في يناير 2020 ببغداد. ويشير هؤلاء إلى استغلال إسرائيل المجال الكبير للمناورة الذي تتمتع به في مواجهة إحجام الإيرانيين عن الانجرار إلى قتال واسع، في توجيه ضربات موجعة للمحور الذي تتزعمه إيران في المنطقة، وهي آمنة من رد الفعل المباشر رغم الحذر من بعض الاختراقات التي قد تحصل هنا أو هناك.
وبحسب المحللين الإسرائيليين، فإن بلادهم هاجمت مؤخرا مواقع في منطقة بعلبك في عمق لبنان وهو ما يُعتقد أنه دفع إيران إلى بدء هجمات من قبل وكلائها في إيلات والجليل، لإظهار أنهم يعرفون أيضا كيفية الهجوم بعمق. واعتبر المحللون أن اغتيال زاهدي كان بمثابة رسالة تحذير لإيران – إذا شنت حربا عميقة، فسوف تصاب بجروح قاتلة، حتى عندما تكون في مهمة رسمية داخل سوريا.
ويعني ذلك أن إسرائيل لن تبحث عن كل رجل ميليشيا عراقي يطلق طائرة دون طيار، ولكنها ستوجه ضرباتها مباشرة إلى إيران باعتبارها من توجه هذه الأعمال، سواء عن طريق حزب الله أو الميليشيات التي تعمل في سوريا أو تلك التي تعمل في العراق. واعتبر مدير معهد دراسات الأمن القومي الرئيس السابق لجهاز الأمن القومي الإسرائيلي تامير هيمان، أن عملية استهداف القادة العسكريين الإيرانيين في دمشق أهم عملية اغتيال تتم منذ اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في الثالث من يناير 2020 بمحيط مطار بغداد الدولي.
وكان محمد رضا زاهدي أحد أهم الجنرالات في الحرس الثوري الإيراني. وولد قبل 64 عاما في منطقة أصفهان. ومع الإطاحة بنظام الشاه في العام 1979، انضم إلى صفوف الحرس الثوري وأصبح جنديا نظاميا. وشيئا فشيئا، تدرج في الرتب، حتى تولى قيادة القوات خلال الحرب الدامية بين إيران والعراق في الثمانينيات. وهناك، في ميادين القتل التي أرسل إليها عشرات الآلاف من الأطفال الإيرانيين، قاد فرق الإمام الحسين وقمر بني هاشم. وفي عام 2008 تولى قيادة وحدات فيلق القدس في سوريا ولبنان.
وخلال منصبه الأخير، كان زاهدي مسؤولا عن وحدات فيلق القدس في سوريا ولبنان ويعتبر الشخصية الإيرانية الأكثر تأثيرا في هذا القطاع. وكان مسؤولا، من بين أمور أخرى، عن قضية الذخيرة برمتها في سوريا ولبنان. وبالمقابل، اتهم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إسرائيل بتنفيذ الهجوم، وقال إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تعفي نفسها من المسؤولية، لأنها تدعم إسرائيل.
وكتب عبداللهيان على شبكة (X ) أن “الولايات المتحدة يجب أن تتحمل المسؤولية باعتبارها داعمة لإسرائيل”. وفي الأثناء، حاولت إدارة بايدن تبرئة نفسها من الهجوم، وأبلغت إيران بشكل مباشر أنها لا علم لها بالحادثة وليست متورطة فيها “بأي شكل من الأشكال”. وعلق المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري في سوريا ولبنان، بالتأكيد على إن إيران ستنتقم من خلال شعبها، مشيرا إلى أن “إسرائيل ستندم على هجومها على الوفد الإيراني في سوريا”.
وتابع خامنئي “أن العميد زاهدي كان ينتظر الشهادة في ميادين الخطر والجهاد منذ الثمانينيات. لم يخسر شيئًا بل نال أجره، لكن خسارته كبيرة بالنسبة للشعب الإيراني، وخاصة بالنسبة لمن يعرفه”. وكتب عضو البرلمان جلال رشيدي كوتشي في تغريدة “اقتراحي هو استهداف أحد المراكز الدبلوماسية للصهاينة بشكل علني ومباشر في إحدى دول المنطقة ويفضل أذربيجان”.
ولا تخفي مواقف القادة الإيرانيين حقيقة مهمة وهي أن المحور الإيراني بدا عاريا في مناسبات عدة، وأن أكبر قياداته باتت تشعر بالخوف من الاستهداف المباشر، وخاصة في سوريا ولبنان، كما أن حالة من الشك أصبحت طاغية على الجميع، وهو ما يتطلب الكثير من الحذر وعدم الثقة في أقرب المقربين من القادة البارزين. وبحسب المحلل الإسرائيلي يوسي منشروف، فإن عملية الاغتيال الإسرائيلي ساهمت في استعادة ثقة الشعب بالجيش وكشفت أن إسرائيل قد تتجه لاعتماد سياسة الردع ضد كافة عناصر محور المقاومة الذي تقوده إيران.
وأشار منشروف إلى أن ما وصفها بالخطوة الإسرائيلية الجريئة ستجبر كبار قادة “محور المقاومة” على توخي الحذر خوفا على حياتهم، وهم يعلمون أن إسرائيل قادرة على اتخاذ مثل هذه الخطوات بعيدة المدى. وتابع “بالنظر إلى المستقبل، يبدو أننا ندخل في فترة متوترة. من المحتمل أن يسعى الإيرانيون إلى الانتقام من خلال قتل مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، ومن خلال مهاجمة بعثة دبلوماسية، بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق”.
وتعددت اتجاهات ردود الفعل داخل إسرائيل حول النتائج المتوقعة لاغتيال كبار القادة العسكريين والميدانيين الإيرانيين. ورغم أنها أكدت ترحيبها بهكذا عمليات اختراقية، إلا أن الكثير من المحليين يذهبون إلى أن اغتيال هذا القائد أو ذاك لا يعني نهاية الصراع. وأثبت الهجوم حجم الاختراقات الميدانية التي توصلت اليها إسرائيل في دول الجوار، وخاصة سوريا ولبنان، والتي يعتقد بعض المراقبين أنها لا يمكن أن تكون بمعزل عن جهات رسمية أمنية أو سياسية متورطة في التعامل مع تل أبيب، لاسيما أن تحركات الضباط الإيرانيين في الداخل السوري تخضع لتدابير أمنية استثنائية.
ويرى حيزي سيمانتوف، المحلل الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية، في مقابلة إذاعية، أن زاهدي هو أكبر مسؤول إيراني يقتل حتى الآن منذ السابع من أكتوبر على الأراضي السورية، وهذه ضربة قاسية ومؤلمة للنظام الإيراني، يمكن أن تدفع به إلى الانتقام من إسرائيل.
ويضيف سيمانتوف “لقد قمنا بالفعل بتصفية العديد من كبار مسؤوليهم منذ 7 أكتوبر على الأراضي السورية، وقمنا بتصفية مستشارين”، مشيرا إلى أنه “في الفترة التي تريد فيها إيران إظهار أنها تقود محور المقاومة، فإن حماس حاليا في وضع غير موات بسبب القتال في غزة، وهذا لا يعني أن الإيرانيين سيحاولون صباح الغد القيام بشيء متهور، ربما سيحاولون تفعيل ميليشياتهم في سوريا، أو تفعيل الحوثيين في اليمن”.
وأردف “إنهم يمهدون الطريق لمهاجمة بعثة دبلوماسية إسرائيلية حول العالم، في العالم العربي أو أوروبا أو الولايات المتحدة أو أمريكا الجنوبية، في شكل هجوم كبير سيؤدي إلى تغيير الوضع ربما في هذا الأمر”. وتابع “في رأيي إيران مترددة عن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، فهي لا تريد ذلك، وإيران ليست مهتمة بإدخال الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مباشرة معها”.