ابدا لا يمكن انكار او نسيان ما تعرضت لها ثورة ايلول التحررية بقيادة القائد الخالد الاب الروحي مصطفى بارزاني لٲنتكاسة كبيرة بفعل التخطیط الشيطاني الغادر بعد توقيع اتفاقية الجزائر الخيانية المشؤومة بين شاه ايران والدكتاتور العراقي السابق صدام حسين بوساطة من الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين في 6 اذار عام 1975 ، تصورا وتوقعا من تلك الدول التي تقاسم احتلال ارض كوردستان عنوة ان نيران الثورة لشعب كوردستان بكل مكوناتها ستنطفي بل تخمد الى الابد ولن يكون بمقدور الشعب الكوردستاني ان ينهض من جديد للمطالبة بحقوقه المشروعة في العيش بحرية وسلام ، ونظرا لكبر حجم المؤامرة وخطورتها والنوايا الخبيثة لدى الانظمة الشوفينية الشمولية خوفا على عروشهم التي بنوها على جماجم الابرياء من الاحرار وادی ذلك الی بقاء دولهم ضمن الدول المتخلفة علميا وحضاريا.
لكن حنكة وحكمة شخصية البارزاني الخالد وذكاءه الخارق وقراءته الجدية و الدقيقة لمسار الاحداث السياسية الاقليمية والدولية ، وكذلك ثقته الغير متناهية بقدرات الشعب الكوردستاني على الفداء وروح التضحية لديه كان اكبر من تداعيات تلك المؤامرة والانتكاسة الخطيرة التي كانت تهدف لإبادة شعبنا عن بكرة ابيه عبر عمليات ممنهجة ( الترحيل والتبعیث والتعریب) و (القتل الجماعي والجينوسايد “الانفال”) التي عشنا مرارتها ومآسيها بعد انطلاق ثورة گولان التقدمية التي اثبتت للجميع ان هذا الشعب لا يقهر ولا يمكن ان يرضخ لارادة المحتلين ، حيث لم تمض على المؤامرة سنة حتى قررت قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بتوجيه من الاب الروحي مصطفى بارزاني القيام بالتخطيط الدقيق والاعداد لثورة جديدة تختلف عن سابقاتها من النواحي التنظيمية والخطط العسكرية وكيفية استغلال الثغرات بسبب الظروف الموضوعية والواقع الجديد الذي شهدته منطقة الشرق الاوسط والحرب الباردة بين القطبين الامريكي والسوفيتي انذاك باسلوب حرب الانصار.
وكلفت القيادة بتشكيل قيادة مؤقتة بناءا علی توصيات مؤتمر برلين 1975 مع المرحوم ادريس بارزاني والرئيس مسعود بارزاني والقادة السياسيين والميدانيين الابطال وذوي الخبرة من قوات البيشمركة الذين كان لهم خبرة و تجربة طويلة في قيادة المعارك الصعبة والشاقة طوال ثورة ايلول بتشكيل مفارز عسكرية صغيرة و باسلحة خفيفة بسيطة وسرية للغاية لاستمرار النضال والتحدي بارادة وعزيمة قويتين.
وانطلقت الثورة من جديد رغم التعاون الوثيق بين نظامي الشاه والبعث الصدامي وتركيا في الجوانب المخابراتية والاستخباراتية وتبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية في مراقبة الحدود المشتركة وتشكيل قوى من مرتزقة الجوانب الثلاثة للحيلولة دون قيام الثورة بثوب جديد.
لكن كل تلك المساعي والمحاولات وبرغم الامكانيات العسكرية الكبيرة في التسليح لنظامي بغداد وطهران باءت جهودهم بالفشل و تمكنت بيشمركة كوردستان من استغلال الثغرات ونقاط الضعف للتغلغل الى عمق المناطق الصعبة قرب الحدود العراقية الايرانية والاتصال بالجماهير لتبعث فيها روح الثورة والفداء مجددا ، اذ استقبل شعب كوردستان في القرى والارياف مفارز البيشمركة البطلة واحتضنهم بالاهازيج والزغاريد والفرحة التي لا یمكن وصفها وقدموا للبيشمركة ما تمتلك من امكانيات بسيطة لدعم ومساندة الثورة وابطالها البيشمركه حتی یمکن الاستمرار والدیمومة في الثورة.
كان يوم السادس والعشرين من ايار من عام 1976 يوم اندلاع ثورة گولان المجيدة بمثابة تفجر بركان وزلزال لنظامي البعث الصدامي والشاهنشاهي ، لانهما لم يتوقعا ان تستعيد القيادة الكوردية قدراتها وبهذه السرعة والعزيمة وتعيد تنظيم نفسها برغم الانتكاسة الكبيرة التي اصابتها جراء غدر الاتفاقية المشؤومة، وما كان امام النظامين في طهران وبغداد خيار آخر الا استغلال كل امكانياتهما المخابراتية والاستخبارية والعسكرية لمواجهة الثورة والحيلولة دون امتدادها للقرى والمدن والقصبات ، لكنهما فشلا في ذلك فشلاً ذریعا ، اذ انتشرت مفارز االبيشمركة من جديد في معظم القرى والقصبات الحدودية وشكلت خطرا جديا وحقيقيا على قوات النظام العراقي آنذاك ومن معهم من العملاء ، اذ لم يكد يمر يوم الا وكانت مفارز البيشمركة تباغت قوات النظام لتنفيذ عملية بطولية ضدها.
ان النظام الصدامي الذي بدأ يتقهقر امام ضربات قوات البيشمركة من جديد، ومحاولة منه لمنع ظهور حاضنة لدعمهم واسنادهم قام باستخدام سياسية الارض المحروقة وذلك بحرق وهدم جميع القرى الحدودية وترحيل ساكنيها الى محافظات الوسط والجنوب وغربي العراق ، ومن ثم قام بعمليات الانفال سيئة الصيت التي راح ضحيتها اكثر من 182 الف مدني من القرويين وتلاها استخدام الاسلحة الكيماوية والجرثومية المحرمة دوليا في مناطق متعددة من محافظة اربيل وبالتحديد ضد المدنيين في وادي باليسان ومن ثم استخدامها في مدينة حلبجة الشهيدة بشكل مكثف ما ادى الى استشهاد اكثر من 5 الاف امرأة وطفل ورجل فضلا على اصابة اكثر من 10 الاف اخرين لايزال العديد منهم من الباقين على قيد الحياة يعانون من اثار تلك الاسلحة المحظورة ، وكذلك في منطقة بادینان لكن ذلك لم يؤثر على معنويات البيشمركة بل ازدادوا عزيمة وثباتا من اجل تحرير ارضهم ، برغم صعوبة الموقف وعدم توفر ابسط الامكانيات العسكرية واللوجستية لاستمرار الثورة.
ان ثورة گولان التقدمية ، كانت زاخرة بالمكاسب والانجازات الكبيرة واهمها الانتفاضة الشعبية ضد النظام في مدن وقصبات كوردستان ضد قوات واجهزة النظام القمعية في اذار عام 1991 ومن ثم كسب التعاطف والدعم الدولي وتشكيل حكومة وبرلمان كوردستان وما تلاها من مكاسب عظيمة من الامن والاستقرار والاعمار والعيش بحرية وسلام في ظل حكومة اقليم كوردستان.
ان مكاسب ثورة گولان التقدمية لم تتوقف عند تشكيل حكومة وبرلمان كوردستان، بل تلتها مكاسب كبيرة اخرى كالفيدرالية والمشاركة الفعالة في كتابة الدستور الاتحادي وبناء العراق الجديد واعتماد الاقليم على موارده وامكانياته الاقتصادية الذاتية بعد قطع موازنته من الحكومة الاتحادية حيث منح ذلك الثقة العالية بالنفس والاعتماد على الامكانيات المتاحة وحشد الطاقات لمجابهة التحديات، وما عملية الاستفتاء على تقرير المصير الٱ امتداداً لمكاسب ثورة گولان من اجل ان يعيش شعب كوردستان على ارضه بسلام وبناء حياة آمنة ومستقرة له وللشعوب المجاورة.
في الختام لم يبق الا ان نحيي روح البارزاني الخالد وشهداء شعبنا من قوات البيشمركة والمدنيين من استشهد منهم على يد النظام الصدامي البائد ومن استشهدوا في مقاومة الارهاب الذين سطروا اروع ملاحم البطولة والفداء للسير بشعبنا نحو بر الامان وتحريره من براثن الدكتاتورية المقيتة والقوى الارهابية الضالة.