منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق، تستخدم بعض القوى السياسية المتنفذة في السلطة شتى أوراق الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري لإيقاف عجلة التطور والتنمية في إقليم كوردستان، والسعي من أجل خلق فجوة بين حكومة الإقليم وجماهير الشعب الكوردستاني، والتصيد في الماء العكر من خلال ضرب بنود الدستور عرض الحائط ومحاولة فرض سياسة الهيمنة المركزية على الإقليم.
مع سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على الموصل ومناطق من محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين في عام 2014، أقدمت بغداد على قطع موازنة إقليم كوردستان، وأوقفت جميع المساعدات العسكرية لقوات البيشمركة التي وقفت بوجه أعتى تنظيم إرهابي على وجه الأرض، فضلاً عن استمرار الحملات الدعائية المغرضة ضد شعب إقليم كوردستان وتضليل المواطن العراقي البسيط بأن الإقليم يعتاش على نفط المحافظات الجنوبية.
رافقت تلك الضغوطات والممارسات غير الدستورية محاولة قطع قوت المواطن الكوردستاني وتجويعه بذرائع وحجج واهية، وتضليل المواطن الكوردستاني من خلال وسائل الإعلام الصفراء بأن سبب قطع الرواتب هو حكومة الإقليم وليست القوى السياسية المهيمنة على الحكومة الاتحادية.
كما قامت بغداد باستخدام القوة العسكرية المفرطة للسيطرة على المناطق الكوردستانية خارج الإقليم والمشمولة بالمادة (140) في أكتوبر من عام 2017، لاستمرار سياسة التعريب والتغيير الديمغرافي، وبالأخص في كركوك وخانقين وسنجار، وإعادة آلاف الأسر من الوافدين الذين تركوا المناطق الكوردستانية منذ سقوط النظام البعثي، بحيث أصبحت عملية تعريب تلك المناطق في العهد الجديد أوسع من زمن النظام السابق، من خلال تقديم تسهيلات ومنح امتيازات للوافدين لإعادتهم إلى القرى والمدن الكوردستانية.
الضغط الأكبر جاء بعد إيقاف صادرات نفط إقليم كوردستان عبر ميناء جيهان التركي، وإصدار المحكمة الاتحادية حزمة من القرارات الجائرة، استهدفت من خلالها تعطيل المؤسسات الدستورية وشل الاقتصاد، والسعي من أجل زعزعة الأمن والاستقرار بوساطة فصائل مسلحة خارجة عن القانون، مدعومة مادياً ومعنوياً من القوى المتنفذة في الحكومة ومجلس النواب.
لكن كل تلك الضغوطات والممارسات لم تحقق الأهداف المرسومة لها مسبقاً، نتيجة صمود شعب كوردستان ووقوفه إلى جانب حكومة الإقليم، التي تشكلت بعد انتصار الانتفاضة الشعبية في عام 1992.
وكان لوعي الناخب الكوردستاني وانضباطه العالي وحضوره الفاعل على صناديق الاقتراع الشهر الماضي، ونسبة المشاركة العالية، بمثابة بركان نسف جميع المراهنات على إيجاد فجوة بين القوى السياسية الكوردستانية وجماهيرها، ونتائج الانتخابات كانت مخيبة لآمال جميع القوى التي سعت خلال العقدين الأخيرين للقضاء على كيان إقليم كوردستان ودوره وتأثيره الكبير على مجمل الأحداث والمتغيرات في العراق والمنطقة.
للأسف، بعض القوى السياسية التي تدير دفة الأمور في العراق الجديد ما تزال لم تستوعب الدرس ولم تستفد من أخطاء السنوات الماضية، من خلال استمرارها بتأخير صرف مستحقات متقاضي الرواتب من شرائح المجتمع الكوردستاني، بحجج وذرائع باتت مفضوحة ومكشوفة لكل عراقي وطني شريف تهمه مصلحة العراق، وتحاول يائسة استخدام حربتها الفاشلة لتحقيق أهدافها.