الوعي يعني فهم وإدراك ودراية بما يحيط بالفرد من أشياء وقضايا تتعلق به وبالعالم ومن ثم يستجيب لها ، والوعي القومي يعتبر اساس انشاء الأمة ذو خلفية عرقية ،لغوية ،ثقافية وتاريخية مشتركة .
وفي الواقع مع وجود التغيير الاجتماعي على مر الزمن من عادات وتقاليد وافكار وآراء ونظريات ومشاعر بالضرورة سيعكس واقع اجتماعي مغاير إلا أنه واقعي .
ومع تدهور المعطيات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) فمن المؤكد سيرافقها تدهور بالوعي القومي مما يؤدي الى تدهور في ألأمن القومي ، ومن اجل دعم ألأمن القومي لابد من تقوية وتعزيز الوعي القومي.
في الحقيقة والواقع الشباب هم اساس بناء الأمم ومن اجل زيادة وعيهم القومي لابد من تعريفهم بدورهم الوطني وتثقيفهم وتنمية وعيهم ، فبناء الوعي من اهم أولويات تقوية الشباب لتعزيز دورهم في الأمة والوطن.
ومن اجل تفعيل دور الشباب في الدفاع عن الامة والوطن وبنائه لابد من تنمية روح الانتماء فيهم وذلك من خلال الاهتمام بإمكانياتهم و مقوماتهم و زرع الثقة بهم ، وكل ذلك يبدأ من تربية البيت حيث العائلة ومن ثم المراحل الدراسية وتنتهي بالمؤسسات المختلفة. ارى اليوم ان المؤسسة الإعلامية من التلفاز بقنواتها الفضائية والمنصات الاعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي لها دورا مهما وبارزا في تعزيز الوعي القومي ان تم توجيهها بأكاديمية وذكاء اجتماعي او بالإمكان تكوين منظومة إعلامية تقدم نموذجا مثاليا للدور الذي مفترض ان يكون عليه الإعلام المعاصر .
الشعور القومي الكوردي هو ليس نعره سلبية بل هو شعور صادق منبثق من روابط الحياة الاجتماعية الموروثة ومن تاريخ اجداده كما هو الحال مع اي شعور قومي آخر .
الا إن واقع الوعي القومي عند الكورد له جذور نفسية من أثر التجليات التاريخية السياسية الاجتماعية والاقتصادية , وقد عزز عدم امكانية الكورد في المشاركة السياسية في صنع القرار السياسي في الانظمة الدكتاتورية الوعي القومي للكورد مما دفعهم الى ان يكون سلوكهم السياسي يسير باتجاه الحفاظ على هويتهم المهددة . ولان الهوية تُعبر عن وجود الذات فقد اصبح لزاما على الكورد النضال لاستعادة حقوقهم القومية المسلوبة , فان فقدان الانسانية في التعامل مع الكورد من حملات الابادة جعلهم يبحثوا عن الاسباب , ولان الاختلاف الحقيقي بين الكورد والانظمة الحاكمة لهم يكمن في القومية وهذا ما اثبتته الشعارات السياسية التي كانت تحملها هذه الانظمة في تعاملهم المستبد للكورد ,وبالتالي اصبح الكورد يخافون على هويتهم القومية وبقائها .
فعندما يتحول الشعور القومي الى اساس في التعامل مع الاخرين من القوميات ويدفع بصاحبه الى قمع الاخرين من القوميات ومن ثم اضطهادهم وابادتهم , بمعنى انه يصبح السلوك الى الخطر الذي يحدق بالوطن والامة , وهذا ما حصل تماماً في تعامل الانظمة المتعاقبة مع الكورد وفي جميع اجزاء كوردستان .
فمن أهم المعضلات في السلوك السياسي عندما يكون سلوك الفرد قومياً , بمعنى أن ينظر كل طرف لصالح قوميته فقط دون غيرها الأمر الذي يعطي صورة شوفينية في العمل السياسي والاجتماعي .
الا ان هذا التعامل الشوفيني من الانظمة الدكتاتورية مع الكورد واعتراف العالم بانها جرائم (جينوسايد) بحقهم , لم يدفع الكورد الى ردود فعل سلبية , بمعنى آخر ان هذه الجرائم لم تجعل من الكورد قوميون شوفينيين , وتاريخ الكورد يثبت التعامل الانساني للبيشمركة مع المدنيين والاسرى , فلم تكن القومية ذات تأثير على الكوردي في سلوكه مع الاخر لان شغله الشاغل كان ضمن حدود العشيرة وعدَّ نظام العشيرة هو القانون الأسمى , وهذه الحدود الضيقة غدت عائقا يمنعهم من خدمة قوميتهم , فضلا عن الفكرة الاسلامية والتي لعبت دورا فعالا في الحيلولة دون تكوين وعي قومي .
وبالتالي فإن الشعارات القومية للكورد حكومةً وشعباً ومنذ اول حركة نضالية لهم والى يومنا هذا لم تكن ولن تكون عاملا للسلوك القومي الشوفيني مع الاخرين انما كانت ردود فعل طبيعية وعملاً راقياً دؤوباً في النضال للحفاظ على هويتهم القومية .
فالناظر اليوم الى السلوك السياسي الكوردي نظاماً وشعباً وتعاملهم الانساني مع النازحين من العرب وباقي المكونات العراقية وحتى السورية , له مؤشر واضح لما يحملة الكورد من سلوك انساني , اذ قدمت حكومة كوردستان كل مافي وسعها من الخدمات لمساعدة النازحين فضلا عن محاربة البيشمركة للارهاب وتقديم الضحايا من الشهداء لتحرير مدن وقرى النازحين من داعش حتى اصبح هذا السلوك محل شكر وتقدير كل العالم , وهذا هو انعكاس لما يحمله الكورد ويتمتعون به من ثقافة تقبل الاخر والتعايش السلمي مع كل القوميات .