عكست انتقادات شديدة اللهجة وجهها السياسي الكوردي العراقي البارز هوشيار زيباري لسياسات القوى الشيعية القائدة للعملية السياسية في العراق تجاه إقليم كوردستان المتمتّع بحكم ذاتي ضمن الدولة العراقية، حالة الغضب الشديد لدى كورد البلاد وقيادتهم السياسية من الضغوط والتضييقات المالية التي تسلّطها السلطة الاتّحادية بقيادة تلك القوى على الإقليم وسكانه عبر عدم منحه حصته كاملة من موازنة الدولة والتلكؤ في تمويل رواتب موظّفيه ومنعه من تصدير النفط المنتج في حقوله.
كما عكست توجّها لدى أبرز قيادات الإقليم نحو عدم الصمت مستقبلا ومواجهة الضغوط بالتشهير وتصعيد المطالبات بحقوق الإقليم المنصوص عليها في الدستور العراقي.
واتّهم زيباري القيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني الأحزاب الشيعية العراقية بالاستقواء بسلاح الميليشيات التابعة لها ضدّ باقي شركائها في العملية السياسية وبنقض الاتفاقات مع هؤلاء الشركاء.
وقارن خلال تصريحات تلفزيونية بين تشدّد السلطات الاتّحادية في موضوع رواتب موظّفي إقليم كوردستان وحالة التساهل مع نهب المال العام وسرقته.
وعاش الرأي العام العراقي على مدى الأشهر الأخيرة على وقع تفجّر الفضائح المتعلّقة بسرقات ضخمة أشهرها ما عرف بسرقة القرن التي تمثّلت في قيام موظّفين حكوميين يرجّح أنهم مدعومون من قوى سياسية متنفّذة بسرقة أكثر من ملياري دولار من أموال الأمانات الضريبية.
ويحزّ في نفس سكان إقليم كوردستان وقياداته حالة التسامح التي عومل بها المدان الأول في تلك السرقة عبر إطلاق سراحه من السجن دون أي ضمان والسماح له بمغادرة البلاد، في مقابل تشدّد الحكومة الاتّحادية في تحويل مبالغ أقل بكثير من المبلغ المنهوب في سرقة القرن لتمويل رواتب موظّفي الإقليم بالاستناد إلى عدد من الذرائع من بينها التشكيك في دقة عدد هؤلاء الموظفين.
وقال زيباري المطلّع على كواليس الحكم في العراق من خلال شغله في سنوات سابقة منصبي وزير للخارجية ووزير للمالية في الحكومة الاتّحادية إن عدد موظفي إقليم كوردستان أكثر من عدد الموظفين في المحافظات العراقية الأخرى “لأن كياننا الإداري أقدم من النظام السياسي العراقي”، معتبرا أنّ محاسبة الكورد على الرواتب وتجاهل المليارات المسروقة أمر غير منطقي.
وشهدت الفترة الأخيرة تصاعدا في حدّة التجاذبات بشأن قضية الرواتب بعد أن أصبحت سلطات إقليم كوردستان تستشعر وجود خطر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مناطقها جرّاء إصرار حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على تشدّدها في المسألة المالية.
وأصدرت وزراة المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كوردستان قبل أيام بيانا وصفت فيه نظيرتها الاتحادية بعدم العدالة في معاملة الإقليم وسكانه، واتهمتها بمخالفة قرارات المحكمة الاتحادية بشأن صرف الرواتب.
وتطالب حكومة كوردستان العراق السلطات الاتّحادية العراقية بتمكينها من حصة الإقليم من موازنة الدولة العراقية والبالغة نسبة اثني عشر في المئة من الموازنة، بينما تقول حكومة بغداد إن على أربيل أن تحوّل إليها ما مقداره ثلاثة مليارات دولار من الإيرادات غير النفطية التي تحصّلها محليا، فيما هي لم تقم بتحويل سوى قرابة ربع مليار دولار عن السنة المنقضية.
وزاد من تعقيد الخلافات المالية بين بغداد وأربيل توقّف تصدير النفط المنتج في حقول إقليم كوردستان بناء على دعوى قضائية دولية أقامتها الحكومة العراقية ما أدى إلى خسارة موارد مالية كبيرة وتعميق الأزمة الاقتصادية والمالية للإقليم.
وباتت إعادة التصدير متوقّفة على تعديل قانون الموازنة الاتحادية باتجاه تحديد كلفة إنتاج برميل النفط في تلك الحقول، وهو أمر متعذّر إلى حدّ الآن بسبب تعطيل قوى سياسية لجلسات البرلمان العراقي المخصصة لمناقشة التعديل المذكور.
وباتت قيادات إقليم كوردستان العراق وخصوصا من أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني القائد الرئيسي لحكومة الإقليم أكثر صراحة في التعبير عن غضبها إزاء حكومة السوداني بعد أن سلكت لفترة طويلة سبيل المرونة آملة في تحصيل حقوق الإقليم عبر التفاوض من الحكومة الاتحادية ومحاولة إقناع القوى الممسكة بزمامها بالتخلّي عن تشدّدها بشأن المسألة المالية.
وخلال اجتماع استثنائي عقدته حكومة الإقليم مؤخّرا لمناقشة مشكلة الرواتب، قال رئيس الحكومة مسرور بارزاني إن الإقليم لن يقبل بعد الآن بالتعامل الحالي لبغداد معه مشددا على ضرورة تصحيح العلاقات بين أربيل وبغداد.
ورأى زيباري أنّ القوى الشيعية العراقية ارتكبت خطأ كبيرا باعتقادها بإمكانية الهيمنة على المشهد السياسي بعد تشكيل الحشد الشعبي، معتبرا أن هذا النهج ساهم في تعقيد العلاقات مع بقية الأطراف.
وتشكّل الحشد سنة 2014 من العشرات من الميليشيات الشيعية في غالبيتها العظمى وذلك لهدف محدّد هو مواجهة تنظيم داعش الذي غزا آنذاك مناطق شاسعة من العراق، لكنّ نفوذه توسّع منذ ذلك الحين حيث أصبح له تمثيل سياسي وبرلماني وبات مشاركا في تشكيل الحكومة من خلال موقعه داخل الإطار التنسيقي الشيعي.
وتقف قوى مرتبطة بالحشد وراء الضغوط المسلطة على كوردستان العراق من منطلق أن أبرز قيادات الإقليم غير محسوبة ضمن معسكر الولاء لإيران داخل العراق.
وقال زيباري إنّ الإطار التنسيقي هو المطبخ الذي تُصنع فيه قرارات تحالف إدارة الدولة والحكومة، منتقدا عدم الالتزام بالاتفاقات السياسية التي تتم في إطار التحالف الذي يضمّ إلى جانب القوى الشيعية، قوى سنية وكوردية من ضمنها الحزب الذي ينتمي إليه زيباري نفسه.
وأشار إلى أن التنسيق مع حكومة السوداني مستمر لكن المشاركة الكوردية في القرارات السياسية تبقى شكلية وغير فعالة بالشكل المطلوب.
ووسع زيباري من دائرة انتقاده للقوى الشيعية الممسكة بزمام السلطة الاتحادية العراقية موجّها لها اتهاما ضمنيا بنكران الجميل. وقال في مقابلته مع تلفزيون دجلة الفضائي “ساعدنا المعارضة الإسلامية الشيعية كثيرا وحملناهم على أكتافنا.” كما كشف أن بول بريمر الحاكم المدني للعراق والمعين من قبل سلطات الاحتلال الأميركي للبلد بعد غزوه سنة 2003 رفض مشاركة حزب الدعوة الإسلامية في الحكم وأن الرئيسين مسعود بارزاني وجلال طالباني تدخلا لإقناعه بالعدول عن قراره.
ويقود حزب الدعوة الذي تحوّل إلى أبرز قوّة قائدة لتجربة الحكم في العراق رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، وهو من الشخصيات المتهمة من قبل كورد العراق وكذلك سُنّته العرب بممارسة سياسات تمييزية على أساس عرقي وطائفي أضعفت وحدة البلد وتسببت له بمشاكل كثيرة سياسية وأمنية.