شارك نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، اليوم (الأربعاء، 17 نيسان 2024) في مراسم افتتاح الدورة الثامنة لملتقى السليمانية الذي تقيمه الجامعة الأمريكية – العراق في السليمانية.
وخلال المراسم التي حضرها عدد مشهود من الضيوف من سياسيين وأكاديميين وباحثين من إقليم كوردستان والعراق والخارج، ألقى الرئيس نيجيرفان بارزاني كلمة تناول فيها الأوضاع في العراق وإقليم كوردستان والمنطقة، فيما يأتي نصها:
أيتها السيدات والسادة، قبل أن أبدأ بكلمتي أود أن أبارك باسم ملتقى السليمانية للأخوات والإخوة الإيزديين بمناسبة رأس السنة الإيزدية، نبارك لهم من هنا باسمكم جميعاً، ونرجو لهم سنة سعيدة.
الحضور الأعزاء..
أرحب بكم في مدينة السليمانية، عاصمة إقليم كوردستان الثقافية. أهلاً بكم في ملتقى السليمانية السنوي في الجامعة الأمريكية – العراق. أثني على أخي الكريم فخامة د. برهم صالح، وجميع منظمي ملتقى السليمانية. لقد قدم فخامته الكثير من الأمور الجميلة للسليمانية، وأحد أعماله الجميلة هو هذه الجامعة وهذا الملتقى الذي أصبح تقليداً سنوياً لمدينة السليمانية الحبيبة وإقليم كوردستان والعراق. وأنا ولكون نصفي من السليمانية، أشكره كثيراً. وأشكره عن النصف الآخر أيضاً لكني أشكره الآن عن هذا النصف الذي يخصني بصورة خاصة.
ينعقد ملتقى السليمانية في ظل ظروف إقليمية وعالمية حساسة للغاية. حيث الحروب والتوترات الشديدة تطغى على الشرق الأوسط، وهناك خطر كبير على أمان واستقرار المنطقة ينذر بمزيد من التردي للأوضاع.
ولتجنيب المنطقة التداعيات الخطيرة والسيئة، يجب البدء بالحوار وباللقاءات. ولكي يتحقق السلام، يجب التوصل إلى اتفاق متوازن. وقد أضيف هذا إلى أعباء المجتمع الدولي في صنع السلام في المنطقة.
في أعقاب هجوم حماس في السابع من تشرين الأول الماضي على إسرائيل وخطف عشرات المدنيين، اندلعت حرب مدمرة وأصيبت غزة بدمار كبير. إنها كارثة إنسانية كبرى. ولهذا يجب تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بالإيقاف غير المشروط للقتال وتحرير الرهائن.
أما بخصوص الحل الجذري، فإننا نرى أن سلاماً راسخاً يتمثل في حل الدولتين. وإقليم كوردستان يدعم قيام دولة فلسطين المستقلة. وهذا هو الطريق الوحيد إلى السلام والاستقرار.
الحضور الكرام..
إن إقليم كوردستان يساند دائماً الحوار والحلول السلمية. ومن خلال السلام مع الدول الصديقة المجاورة، خلقنا أنموذجاً جميلاً للشراكة والتقدم الاقتصادي والازدهار المشترك. وخلقنا الكثير من فرص العمل المشترك. وأنا واثق أننا بفضل المشاريع المستقبلية الكبيرة سنعزز هذا التقدم ونوسعه.
لن نسمح بأن يكون إقليم كوردستان مصدر هجمات وتهديدات لأي بلد. وكل سعينا هو من أجل توسيع آفاق الشراكة الاقتصادية بيننا. ونحن متأكدون من أن التقدم الاقتصادي يؤدي إلى استقرار سياسي وتعايش سلمي متين في المنطقة.
بدأت مسيرة الديمقراطية والإعمار في إقليم كوردستان منذ العام 1991. وفي حين اجتمعت عشرات الدول من أجل إسقاط نظام البعث في العراق لأنه كان مصدر تهديد لشعبه ولبلدان المنطقة والعالم. أسسنا لتجربة عظيمة للديمقراطية وللإعمار والاستقرار، بينما كنا بجوار ذلك النظام.
إذ فتحنا حينها أبواب التجارة والانتعاش الاقتصادي مع الدول المجاورة. وبنينا جسور الشراكة والعلاقات الطيبة مع الشعوب المجاورة لنا. استطعنا القيام بذلك لأن قيادتنا وشعبنا يؤمنان بالديمقراطية وبالسلام. فبعد كبرى حملات الإبادة الجماعية المتمثلة في الأنفال والقصف الكيمياوي ضد شعب كوردستان، كانت قناعتنا تتمثل في أن السلام هو الطريق إلى تقدم البلد، وليس الحرب.
وعندما نجحت تجربة إقليم كوردستان، انتصر طلاب الحرية في العراق. وعندما كنا أقوياء، كان العراقيون جميعاً أقوياء. وأصبحت كوردستان قاعدة للاجتماع والاتحاد وانتصار المعارضة العراقية على الدكتاتورية.
ولأن مشروعنا كان الديمقراطية والسلام، فقد حظينا بمساندة المجتمع الدولي. وساعدنا أصدقاؤنا في المنطقة، وخاصة تركيا وإيران، في هذا الانفتاح والشراكة الاقتصادية. وإيماننا هذا بالديمقراطية وبالسلام مستمر لم يتغير.
أيتها السيدات والسادة..
إن طريقنا في الداخل العراقي هو نفس الطريق. ولتأصيل الديمقراطية في العراق، وحمايته من الأخطار وفواجع الماضي، نحن بحاجة إلى حوار هادئ مستمر بيننا.
فالشقاق، وتبادل الهجمات، يؤديان دائماً إلى فتح الطريق في وجه التنظيمات الإرهابية. وهجمات القاعدة والهجمة الكبيرة لداعش، ماكانت لتحدث لو كنا متحدين في الداخل العراقي.
إن الدكتاتورية، وحكم المكون الواحد في العراق، وغياب الحرية السياسية، أغرق تاريخ العراق في الدماء. وسقط ملايين الأبرياء في العراق ضحايا للأنظمة السيئة في العراق. وتم هدر ثروات العراق لعشرات السنين. والوقت الآن مناسب لقطع كل الطرق على استعادة المنظمات الإرهابية في العراق لقوتها.
اتفقت شعوب العراق في العام 2005 على دستور ملائم. فالدستور العراقي، ومن خلال إقرار النظام الاتحادي، خلق طريق شراكة مناسبة لكل قوميات ومكونات العراق. هذه الشراكة هي مصدر قوة للعراق. ولكي يتقدم العراق، من المهم جداً تطبيق النظام الاتحادي عملياً وبصورة كاملة. ولا ينبغي أن يؤدي عدم إيمان طرف أو بعض أطراف بالنظام الاتحادي إلى تعطيل النظام في العراق وإعاقة تطبيق الدستور.
يجب أن تجد قوميات ومكونات العراق كافة نفسها شريكاً فعلياً في إدارة العراق. ولا ينبغي إغفال أي مكون عراقي، لأن ذلك سيفتح طريقاً شائكاً في وجه العراق. وقد تم اختبار ذلك الطريق في العراق سابقاً مرات كثيرة، وكان سبباً لتعاسة جميع أبناء البلد.
يتمتع دولة رئيس مجلس وزراء العراق الاتحادي، السيد محمد شياع السوداني، برؤية واسعة ويؤمن كثيراً بالدستور العراقي. هذه الرؤية كان لها الفضل في استقرار جيد في الإدارة والحوكمة في العراق. ويشعر العراقيون بهذه التغييرات. ومن شأن هذه الرؤية وهذا الأسلوب في الإدارة تحقيق التقدم للعراق، ويمثلان فرصة جيدة جداً أتيحت للعراق.
لكن طريقة تفكير رئيس الوزراء هذه، بحاجة إلى الدعم وإلى تمهيد الأرضية السياسية المواتية. وتقع الآن على الأطراف السياسية العراقية مسؤولية مساندة الحكومة الاتحادية العراقية. فهناك أفق مشرق بانتظار العراق في حال تطبيق الدستور والنظام الاتحادي تطبيقاً تاماً.
إن طريقة التعامل مع إقليم كوردستان هي أكبر اختبار للنظام السياسي العراقي الجديد. لأن عراقاً قوياً مرتبط بوجود إقليم كوردستان قوي، كما أن وجود إقليم كوردستان قوي مرتبط بوجود عراق اتحادي ومستقر.
لا توجد في العراق مشكلة لا يمكن حلها إذا تم تطبيق الدستور. فالدستور العراقي يضمن خصوصيات كل مكونات العراق، وعند تطبيق الدستور سنكون جميعاً مواطنين من الدرجة الأولى في العراق.
أيتها السيدات والسادة..
“ذرو التبن العتيق” عبارة جميلة مفعمة بالعبر متداولة في السليمانية. ونحن في إقليم كوردستان نمر بأوضاع معقدة، والحل يتمثل في أن لا نذرو التبن العتيق. لنتجه بدلاً عن ذلك باتجاه الاتفاق والتقدم. إن لم نتفق، فإن التوترات التي عمت المنطقة ستلحق بنا الضرر الجسيم.
خلاصة ما يشغل أهالي كوردستان، هي المطالبة بوحدة صف الأطراف السياسية. إن الإبادة الجماعية واضطهاد شعب كوردستان أديا إلى أن يغرس التاريخ هدفاً واحداً في قلوب الكورد، ألا وهو الوحدة. هذا هو الاتجاه الأصح ويدل على غاية الوعي لدى شعب كوردستان.
إننا لم نحقق سمعة جيدة في العالم من خلال الشقاق، بل حققنا سمعتنا من خلال الديمقراطية والإعمار والاستقرار في هذه المنطقة. فكل من زار كوردستان قبل ثلاثين سنة، وعاد ليزوره الآن، لن يتمكن من التعرف عليه. لقد صنعنا هذا العمران بعد الأنفال والقصف الكيمياوي. والآن ومع مزيد من الخبرات نستطيع تحسين هذا التقدم وتسريعه.
إن هذه الجامعة والعديد من الجامعات الأخرى في إقليم كوردستان، أنتجت الآن جيلاً كفوءاً للغاية رفيع المستوى. وقد نشأ في كوردستان جيل يفرحنا جميعاً بمستواه الرفيع وبوعيه. ولو أن الأطراف السياسية ومن خلال تمهيد الأرضية الملائمة، خلقت الفرص لهذا الجيل، فستكون النتيجة مزيداً من التقدم لكوردستان.
يسألني البعض: لماذا أنت متفائل؟ في الحقيقة، إن تفاؤلي نابع من صمود شعب كوردستان وكفاءاته المتنوعة. وأعود لأقول: كان لنا ماض صعب، لكن أمامنا مستقبلاً مشرقاً.
إن شعب كوردستان شعب موحد، وعلى الأطراف السياسية أن تحذو حذو شعبها وتتفق من أجل المصلحة الوطنية. وبهذه الصورة يمكننا أن نجري انتخابات شفافة وعادلة، بموافقة ومشاركة كل الأطراف.
إن برلمان كوردستان تجربة مهمة للغاية في المنطقة، يجب أن نحافظ عليها. وحكومة إقليم كوردستان التي أعادت إعمار بلد خرج من الأنفال والقصف الكيمياوي، يجب أن نساندها جميعاً. البيشمركة الأبطال حطموا أسطورة داعش وكسبوا لإقليم كوردستان سمعة عظيمة في العالم. هذه كلها أمور تجعلنا نشعر بالتفاؤل وتدفعنا للإسراع في الاتفاق فيما بيننا. ومن خلال اتفاقنا سنشهد المزيد من الإعمار والنجاح.
يمكن لكل فرد وكل جماعة في كوردستان توجيه كل الانتقاد والعتب للسلطة وللقائمين عليها، ويمكن التعبير عن الاحتجاج بكل الطرق المدنية، لكن في النهاية يجب علينا جميعاً ورغم كل الاختلافات أن نحمي شيئاً واحداً وندافع عنه ونرفعه فوق كل شيء، ويكون الجامع لنا كلنا، يجب أن يكون الوطن هو الجامع لنا.
إن القوى والأحزاب والقادة السياسيين يظهرون ويزولون، لكن الوطن، البلد، كوردستان باق أبداً. لا يصح أن نجعل من كوردستان ضحية لغضبٍ أو سخط على السلطة والسياسيين. وقد أثبت شعب كوردستان أنه قادر على الصمود في وجه كل الصعاب، وقادر على تصحيح كل العيوب، لذا فإن الصعاب كافة ستمرّ، والخلافات كلها ستُحسم، لأننا جميعاً سنجلس في النهاية على طاولة واحدة، ولأن كوردستان أكبر منا جميعاً، والوطن أقوى من كل ما عندنا.
أيتها السيدات والسادة..
إن التطورات العالمية متسارعة بحيث أن علينا في العراق وإقليم كوردستان أن نتجاوز المشاكل والتعقيدات لكي نلحق بها ولا ننقطع عن العالم المتقدم. وعلينا أن نحشد قدراتنا المادية والبشرية من أجل التقدم العلمي والمعرفي والتكنولوجي وتعزيز النظام التعليمي وتطوير البحث العلمي.
إن التطورات العلمية والتكنولوجية والمنافع والفرص والتحديات والمخاطر التي تصاحب الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو والتغير المناخي، تتطلب العمل والسعي الجادين والتخطيط والبرامج طويلة المدى على مستوى الأفراد والمؤسسات.
وعلينا توجيه فكرنا وجهودنا وقدراتنا بهذا الاتجاه وأن ندرك أن المستقبل هو للذين يكرسون وقتهم وتفكيرهم وقدراتهم للعلم والمعرفة، لا للذين يستمرون في الدوران ضمن حلقة الماضي.
كلي ثقة أن ملتقى السليمانية هذا، سيمدّنا بالمزيد من المعلومات والخبرات لكي نتفق وننجح معاً.
أشكر الجميع جزيل الشكر على المشاركة، وأهلاً بكم وسهلاً.