تتفاعل في محافظة ذي قار بجنوب العراق تفاصيل فضيحة مدوية تهزّ أركان الحكومة المحلية للمحافظة وتطال حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني، كون أطراف تلك الفضيحة على صلة بأعضاء في الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل للحكومة والذي تصاعدت بشكل لافت الصراعات بين مكوناته وتتالت الفضائح المتفجرة بوجهها لتجعل من تجربة حكم الإطار من بين الأكثر انحطاطا والأقّل التزاما بأخلاقيات السياسة وضوابطها.
وتمثّلت الفضيحة في تورّط مسؤولين محليين منتمين لتيارات سياسية تقودها شخصيات بارزة في الإطار التنسيقي في ابتزاز مسؤول كبير بالمحافظة باستخدام أشرطة جنسية بهدف استبعاده من منصبه.
ولا تنفصل القضية عن الصراعات الشرسة التي شهدتها محافظات العراق إثر الانتخابات المحلية التي أجريت في ديسمبر الماضي، ودارت حول تقاسم المناصب في الحكومات المحلية وفقا لمعايير المحاصصة المعمول بها في النظام العراقي القائم بعد مرحلة الغزو الأميركي للبلاد.
وأدت تلك الصراعات إلى تأخير كبير في تشكيل تلك الحكومات حتى أنّ تشكيل حكومتي ديالى وكركوك لم يتم سوى قبل أسابيع قليلة بسبب الصراع بين ميليشيا بدر بزعامة هادي العامري وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على منصب محافظ ديالى، وبين أحزاب كردية وعربية وتركمانية على قيادة مجلس محافظة كركوك.
وتكتسي السيطرة على مجالس المحافظات في العراق أهمية قصوى للأحزاب والميليشيات كونها تتيح لها التحكّم في موازنات التنمية والأموال المرصودة لإدارة الشأن المحلي من خدمات وغيرها، لتصبح بذلك إحدى الطرق المضمونة لإثراء قادة تلك الأحزاب والميليشيات.
ولم تكن آليات المحاصصة في الكثير من الأحيان فعالة في توزيع تلك المناصب بشكل يرضي جميع المتنافسين عليها، حيث فتح تشكيل الحكومات المحلية على مرحلة جديدة من الصراع الذي ما يزال متواصلا إلى الآن ولم تعد تستثنى لكسبه حتى الوسائل غير الأخلاقية كما هي الحال بالنسبة إلى القضية المتفاعلة في ذي قار.
ومن الصراعات على تلك المناصب ما يدور في نطاق الحزب الواحد الذي قد لا يكون بعض أعضائه راضين عن ذهابها لآخرين من أبناء حزبهم، وهو ما ينطبق على حالة ذي قار التي نتجت الفضيحة الحالية فيها عن تنافس بين أعضاء في تيار الحكمة بقيادة العضو البارز في الإطار التنسيقي عمار الحكيم، فضلا عن قوى وشخصيات أخرى مشاركة في الصراع بسبب عدم رضاها عن حصصها مثل المحافظ السابق لذي قار محمدّ الهادي الغزي الذي سعى للتجديد في المنصب دون أن ينجح في ذلك.
وانطلقت القضية من تقدم المحافظ مرتضى الإبراهيمي بشكوى رسمية ضد عضوي مجلس المحافظة محمد هادي وعمار الركابي المنتمين مثله لتيار الحكمة بتهمة إدارتهما شبكة لابتزازه.
وتتمثّل التهمة الموجهة للعضوين وباقي أفراد الشبكة التي يديرانها في استخدام فتاتين إحداهما موظفة بالمحافظة في تسريب أشرطة تتضمن مشاهد حميمية للمحافظ مع إحدى الفتاتين التي قد يكون عاشرها لفترة على أساس زواج المتعة غير المعترف به قانونا في العراق.
وجاءت الفضيحة الجديدة بالنسبة إلى حكومة السوداني في المكان والزمان الخطأ، إذ أنّ شارع ذي قار يعتبر من الأكثر سخونة بالاحتجاجات الشعبية وقد كانت الناصرية مركز المحافظة في سنة 2019 من أبرز مراكز الانتفاضة التي شهدتها العراق في تلك السنة وشكّلت أكبر تحدّ لنظام الأحزاب الدينية الحاكمة في البلد.
وتدرّج المشاركون في الانتفاضة من رفع الشعارات المطلبية إلى المطالبة بإسقاط النظام على سبيل اليأس من إمكانية إصلاحه. ويعتبر تشكيل الإطار التنسيقي مظهرا على استعادة نظام الأحزاب الدينية لتوازنه والقوى الشيعية القائدة له للحمتها.
لكن الواقع القائم حاليا يشير إلى عكس ذلك حيث تدرّجت الصراعات بين قوى الإطار لتصبح عامل عدم استقرار لحكومة السوداني وسببا ممكنا لسقوطها.
أما زمانيا فقد جاءت في إثر سلسلة أطول من الفضائح التي تفجّرت تباعا بوجه الحكومة بدءا من التلاعب بجداول الموازنة وإضافة تريليونات من الدنانير إليها من قبل طرف مجهول لم يتم الجزم بانتمائه إلى الحكومة أو إلى البرلمان، مرورا بفضيحة التجسس على سياسيين وبرلمانيين والمتهم فيها أفراد من الدائرة القريبة من رئيس الوزراء، وصولا إلى التطورات الدراماتيكية لسرقة القرن والمتعلقة باختلاس مبالغ كبيرة من أموال الأمانات الضريبية والتي أصبح قضاةٌ متهمين فيها إلى جانب المتهم الرئيسي نور زهير الذي يتجه نحو الإفلات من العقاب بعد أن دخلت قضيته متاهة جديدة يصعب حلّها والخروج منها.
وارتفع إلى حدود الثلاثاء عدد المحتجزين على ذمة التحقيق في قضية شبكة الابتزاز في ذي قار إلى ستة بينهم عضو في مجلس المحافظة، بينما تواصل البحث عن أربعة متهمين آخرين بينهم عضو آخر في المجلس.
ولم تستثن جهات مواكبة للقضية إمكانية أن تفجّر فضيحة الابتزاز موجة غضب جديدة في شارع ذي قار المحتقن أصلا بسبب عدم رضاه عن تركيبة الحكومة المحلية التي تقاسم مناصبها تيار الحكمة وميليشيا عصائب أهل الحقّ وميليشيا بدر كغنائم لا كمواقع لخدمة السكان وتلبية مطالبهم التي انتفضوا من أجلها في السابق والمتمثلة في تخفيض نسب الفقر والبطالة وتحسين مستوى الخدمات العمومية.
وكانت ذي قار قد عاشت قبل أشهر على وقع فضيحة مشابهة تمثلت في تورّط أستاذ بجامعة سومر شمالي المحافظة في عمليات تحرش جنسي وابتزاز للطالبات مقابل إغرائهن بالنجاح.
ومثّلت تلك القضية التي لقيت أسوأ صدى في الشارع مظهرا آخر على درجة الانحطاط الذي لم توفّر أيّا من مؤسسات الدولة التي تدار من قبل أشخاص مسقطين على العمل السياسي والإداري بمن فيهم عناصر وقادة ميليشيات.
ومن المفارقات أنّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تدار في العراق من قبل ميليشيا العصائب بزعامة قيس الخزعلي ممثلة بالوزير نعيم العبودي.
وتحمل حكومة السوداني على محمل الجدّ سيناريو تفجّر احتجاجات شعبية جديدة في ذي قار، وعلى هذه الخلفية أبدت السلطات حرصا على التكتم على تفاصيل التحقيقات في قضية ابتزاز المحافظ في محاولة لتجنب استثارة الشارع. ونقلت وكالة بغداد اليوم الإخبارية عن مصدر وصفته بالمطلع قوله إنّ “أوامر عليا صدرت بمنع نشر أيّ نتائج بشأن سير التحقيقات بشكل مباشر لحساسية الأمر واحتمال أن يؤدي إلى أزمة في المحافظة التي تعاني من أزمات متراكمة منذ سنوات طويلة”.
العرب