توفي الأحد الكاتب الإسباني – البيروفي ماريو فارغاس يوسا الحائز جائزة نوبل للآداب عن 89 عاما في ليما حيث كان يعيش منذ أشهر قليلة بعيدا عن الحياة العامة، على ما ذكرت عائلته في رسالة عبر منصة إكس.
وتمثل وفاته نهاية حقبة الجيل الذهبي للأدب في أميركا اللاتينية، والذي كان فارغاس يوسا آخر ممثليه الكبار.
وأعلنت الحكومة البيروفية 14 أبريل يوم “حداد وطني” مشيرة إلى تنكيس الأعلام على المباني العامة، بحسب مرسوم صدر منتصف ليل الأحد.
آخر ممثلي جيله
لم تتطرق العائلة إلى سبب وفاة الكاتب، لكنّ صحته كانت ضعيفة منذ عودته إلى العاصمة البيروفية في العام 2024، بعد مغادرته مدريد.
وأضاف أولاده “إن رحيله يبث الحزن في نفوس عائلته وأصدقائه وقرّائه في مختلف أنحاء العالم، لكننا نأمل أن يجدوا العزاء، كما نجده نحن، في حقيقة أنه تمتع بحياة طويلة ومتنوعة ومثمرة.”
أمام منزل الكاتب المطل على المحيط الهادئ في حي بارانكو، تجمعت مجموعة صغيرة من الأشخاص في صمت عند تلقي خبر وفاته، حاملين نسخا من أعماله.
وقال أحد هؤلاء الأشخاص ويُدعى غوستافو رويس، في حديث إلى إذاعة “آر بي بي”، “كان مرجعا مهما جدا بالنسبة إليّ. كان يقول إن الأدب أنقذ حياته.”
وقالت عائلة الكاتب “لن تقام أيّ مراسم جنازة عامة،” موضحة أن الجثة ستُحرَق. وأضافت “سنتصرّف خلال الساعات والأيام المقبلة بحسب ما أوصى.”
وكان فارغاس يوسا الذي نالت أعماله إعجابا كبيرا حول العالم بفضل طريقة تجسيده للحقائق الاجتماعية، أحد أبرز الكتاب في فترة الطفرة الأدبية في أميركا اللاتينية، إلى جانب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز والأرجنتيني خوليو كورتازار والمكسيكيّيْن كارلوس فوينتس وخوان رولفو.
وكتب ابنه الأكبر ألفارو في رسالة وقّعها أيضا شقيقه غونزالو وشقيقته مورغانا “ببالغ الحزن نعلن أن والدنا ماريو فارغاس يوسا توفي اليوم في ليما محاطا بعائلته وفي سلام.”
وواجه فارغاس يوسا الذي انتخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية عام 2021، انتقادات من الدوائر الفكرية في أميركا الجنوبية بسبب مواقفه المحافظة.
وقال الأديب الراحل قبيل تسلمه جائزة نوبل في عام 2010 “نحن في أميركا اللاتينية حالمون بطبيعتنا، ونواجه صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال. ولهذا السبب لدينا موسيقيون وشعراء ورسامون وكتاب بارعون، والكثير من القادة السيئين.”
تُرجمت روايات فارغاس يوسا المحب للغة الفرنسية إلى حوالى ثلاثين لغة، وكان أول كاتب أجنبي يدخل مجموعة “بلياد” المرموقة خلال حياته في عام 2016، وهو العام الذي بلغ فيه الثمانين من عمره.
ا
وكان المؤلف البيروفي الذي حصل على الجنسية الإسبانية في العام 1993، قد قدم قبل بضع سنوات أحدث أعماله بعنوان “النظرة الهادئة (لبيريز غالدوس)،” وهي مقالة أدبية عن الكاتب الإسباني بينيتو بيريس غالدوس (1843 – 1920).
ولد فارغاس يوسا في أريكيبا في جنوب بيرو في 28 مارس 1936 لعائلة من الطبقة المتوسطة، ونشأ على يد والدته وعائلتها في بوليفيا ثم في بيرو. بعد دراسته في الأكاديمية العسكرية في ليما، حصل على شهادة في الأدب واتخذ خطواته الأولى في الصحافة.
انتقل في عام 1959 إلى باريس حيث أمضى سنوات “حاسمة”، كما كتب في مقدمة أعماله المنشورة في مجموعة “بلياد”.
وفي العاصمة الفرنسية كتب فارغاس يوسا أولى رواياته. وكان يقول إنه “بفضل الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير” تعلم أسلوب العمل الذي يناسبه وكيفية أن يصبح “الكاتب الذي أراد أن يكون.”
وفي باريس أيضا – حيث كان فارغاس يوسا مترجما ومعلما للغة الإسبانية وصحافيا في وكالة فرانس برس، تزوج من خوليا أوركيدي، التي كانت تكبره بعشر سنوات، والتي ألهمت المؤلف لاحقا لكتابة “العمة خوليا والكاتب”.
وبعد سنوات قليلة انفصل عنها وتزوج من قريبته باتريشيا يوسا، وأنجب منها ثلاثة أبناء وظل معها لمدة 50 عاما.
بدأت مسيرته الأدبية الطويلة في عام 1959 مع مجموعته القصصية الأولى Les caids/Los jefes. ثم حقق النجاح مع “المدينة والكلاب” سنة 1963، ثم مع “البيت الأخضر” سنة 1966، ورسّخ حضوره في الساحة الأدبية مع “حوار في الكاتدرائية” عام 1969.
تبع ذلك “بانتاليون والزوار”، و “حرب نهاية العالم”، و”السمكة في الماء”، وهي مذكرات تستعيد على وجه الخصوص حملته الانتخابية للانتخابات الرئاسية البيروفية عام 1990. وقد أعلن المؤلف حينها عن نيته مواصلة الكتابة حتى أيامه الأخيرة.
الأدب والسياسة
في البداية انجذب فارغاس يوسا إلى أبي الثورة الكوبية فيدل كاسترو، لكنه ابتعد عن النظام الشيوعي في عام 1971 عندما أجبرت كوبا الشاعر هيبرتو باديا على القيام بـ”نقد ذاتي”.
كان مرشحا لرئاسة بيرو في عام 1990، وبدا فوزه مؤكدا حتى ظهر مهندس زراعي غير معروف، ألبرتو فوجيموري، وجرى انتخابه على نحو فاجأ الجميع.
ثم تخلى الحائز جائزة نوبل الآداب عن السياسة البيروفية. ولكنه لم يتوقف أبدا عن متابعة الأخبار الدولية عن كثب، وكان يندد بانتظام بالشعبوية باعتبارها “مرض الديمقراطية،” بما يشمل سياسات تشافيز وكاسترو في أميركا اللاتينية واليمين المتطرف واليسار الراديكالي في أوروبا.
كان فارغاس يوسا صديقا مقربا من الكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، قبل أن تنتهي علاقتهما بسبب جدال غامض. وتعهد فارغاس يوسا بالتكتم إلى الأبد عن الأسباب التي أدت إلى خلافهما.
وبعد أن انفصل عن زوجته الثانية، تصدر الكاتب عناوين الصحف المتخصصة في المشاهير في عام 2015 بسبب علاقته بالمرأة الإسبانية من أصل فيليبيني إيزابيل بريسلر، الزوجة السابقة للمغني خوليو إيغليسياس. وأعلنا انفصالهما في نهاية عام 2022.
لقد تغيرت أفكار يوسا بسبب قراءاته لمفكرين كبار أمثال آدم سميث، وكارل بوبير، وفريدريك فون هايك، وأشعيا برلين، وأورتيغا إي غاسيت. حيث اعترف بهذا في كتابه “نداء القبيلة”. ولا ينبغي تجاهل أمر آخر، وهو إقامته سبع سنوات في فرنسا (1959 – 1966) تأثّر خلالها بأفكار ألبير كامي، ويعترف بأن إقامته في فرنسا شكلت منعطفا جوهريا في حياته. كما لا يمكننا إغفال قراءته لشهادات المثقّفين المنشقّين عن الاتّحاد السّوفييتي وأثرها العميق عليه.
إنّ انتقال يوسا من الماركسية إلى الليبرالية كان سببا في حدوث قطيعة نهائية بينه وبين كتّاب كبار (خوليو كورتاثار، كارلوس فوينتس، وغابرييل غارسيا ماركيز)، خاصّة مع صاحب “مئة عام من العزلة” الذي كانت تربطه به صداقة وطيدة، فيوسا أصبح يعد الزعيم الكوبي الخالد كاسترو دكتاتورا، ويعتبر نظامه من أبشع الدّكتاتوريّات في أميركا اللّاتينيّة، في حين أنّ الأسماء الأدبيّة الثلاثة المذكورة كانت داعمة لكاسترو ونظامه.