نظرتان مختصرتان، اولهما في تفاعل الحدث الذي تفجرت بعده الانتفاضة، و فيه تشترك عواملنا و عوامل الاخرين سلبا و ايجابا، و الثانية هي نظرة في العقلية التي ضغطت بضيق فكرها فأنتفضنا ضدها و اودت بنفسها الى زوال و ان لم يكُ زوالا كليا، فبقايا افكارها و بعض اتباعها موجودا بهويته او تمارس هويات اخرى افعاله.
كلامنا يفهمه المناضلون و الباحثون عن حقائق التاريخ ممن لا يريدون ان يكرروا اخطاءه او تقع عليهم اخطاء الشمولية و الاقصاء و الاستبداد بالرأي.
في الخامس من اذار سنة ١٩٩١تفجر البركان الشعبي بوجه السلطة السابقة في جمهورية البعث العراقي، لم يكن عمق الانتفاضة تاريخا و مضمونا عمقا يسيرا، بل كان بعيد الغور مزدحما بالجثث و الصرخات و الانفال و القتل الجماعي و السجون و الحصار، و منطق الامور اذا سارت بما سار عليه نظام مثل نظام الحكم السابق فليس امامه الا مثل ما حصل في سنة ١٩٩١، خاصة لما ذهب بين الغرور و التغطية على تضخمه الامني و العسكري فأحتل الكويت بدعاوى تاريخية لا تصمد امام الواقع و القانون الدولي و العلاقات المنظمة للحدود و السيادة.
الحزب الديمقراطي الكوردستاني كانت له اليد الطولى داخليا و اقليميا في مواجهات امتدت لعقود مع النظام، مواجهات سياسية و عسكرية، وللحزب حراكه و تنظيماته الداخلية و يحسب له ان مواجهاته و تحت اصعب الظروف كانت نقية من الارهاب او الاعمال المضرة بمصالح الدولة، فنحن نفرق بين سلطة منقلبة لتصل للحكم و بين الدولة التي نحن منها و لنا نصيب في تقويم مسارها.
كل الامور كانت تسير نحو اعلان واقع جديد، تزول بموجبه سلطة مفروضة على شعبنا بكوردستان، و تتشكل فيه نواة ستفرز بوقت قياسي منظومة اسفرت عن انتخابات عامة ليتشكل برلمان كوردستان و حكومته في داخل ارضنا لا في المنفى او المهجر او الملتجئ.
كان النظام قد قلب قبل ذلك الواقع فجعل الاستثناء قاعدة، و جئنا فصوبنا الحال لتكون القاعدة المنطقية بمكانها و ليذهب الاستثناء مع السلطة التي فرضته على شعبنا لسنوات.
نضالنا مع اخوتنا شعبا و حركات، و العامل الدولي، وقعدة حقنا، شكلوا مثلث التغيير، و قد كان و عمت الانتفاضة كوردستان، وها قد اقتربت الانتفاضة من ربع قرن الا قليل، تقدمت فيها كوردستان شعبا و ارضا تقدما قياسيا كان يمكن ان يكون افضل و ابعد لولا تضارب مصالح اقليمية اشتركت فيها قسم من ارادات داخلية معروفة فكانت سببا في وجود و تكرار تضحيات و خسارات سجلها التاريخ و سيذيعها بتجرد.
اما النظرة الثانية، فهي التي يجب علينا ان نرقبها بذكاء و ان نحث صناع القرار على تجنب حصيلتها، فالقرار السياسي يجب ان تتخذه عقلية تفرق بين العناوين، فتعرف ما هي اختصاصات الادارة و ماهي حدود الحزبية، وان لا تخلط بينهما و تتوهم ان القيادة ارث في العراق، فزمان القائد الضرورة تنتجه الظروف لا شهوة النفس و لا ضعف الاخرين، والتاريخ يجب ان يدرس لا لاثبات خطأ فلان و صواب خصمه و حسب، بل لمنع تكرار خصومة وقودها الناس و الوطن، ونحن اكثر الناس تضحيات في هذا الدرب، فما ان زال عنا من قصفنا بالغاز حتى طل علينا من يصفي موهوم حساباته بالصواريخ و المسيّرات.
ان تركيزنا و تكرارنا للحديث التنبيهي هذا غايته ان نحول دون اصابة اخرين بلوثة من فكر حكم يعتقد الناس و دمهم و اموالهم حقا الهيا له.
لقد ثرنا و انتفضنا و قاومنا من هو اشد و اعتى، لكن العمران هو افضل لارضنا و الامان و التعليم و الاكتفاء و الكرامة و التحضر هو البرنامج الاوجب لشعبنا، ولذا فنحن نهب حياتنا و ما فيها حتى لا يعود شبح الماضي بوجه و اسم و خديعة اخرى ليغامر بشعبنا مثل سابقيه.
مباركة ذكرى الانتفاضة.
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
صحيفة الزمان