تصطدم السلطات العراقية في جهودها لإغلاق ملف النزوح المترتّب عن حقبة سيطرة تنظيم داعش على مناطق شاسعة بشمال وغرب العراق بعائق عدم جاهزية المناطق الأصلية للنازحين لاستقبال العائدين إليها وتوفير أساسيات العيش لهم من مساكن لائقة ومرافق عمومية وبنى تحتية، فضلا عن موارد الرزق ومواطن الشغل.
وتلعب الخلافات السياسية والبيروقراطية الإدارية والاعتبارات الأمنية وكذلك الفساد ونهب الأموال المخصصة لملف النزوح دورا في عرقلة تلك الجهود.
وتعمل حكومة بغداد على تسريع إغلاق حوالي عشرين مخيما في إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي والذي يقيم فيها أكثر من 115 ألف نازح وفق أرقام الأمم المتحدة، لكن قرى كثيرة لا تزال تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستيعاب العائدين.
وأورد تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية نموذجا عن صعوبة العودة من خلال حالة معاذ فاضل الذي كان قد نزح من قريته في شمال العراق إبّان سيطرة داعش عليها وعاد بعد عشرة أعوام بتشجيع من الحكومة ليواجه تحدّي إعادة بناء بيته المدمّر.
ويروي الرجل الخمسيني كيف عاد إلى قريته في قضاء الحمدانية بمحافظة نينوى في أغسطس الماضي، لكنّ عائلته المكونة من عشرة أفراد صدمت بحقيقة أن لا شيء متوافرا في القرية حيث تقيم العائلة في بيت مستعار من صديق وغير مزود بالماء والكهرباء. وفيما لا يزال أبناء فاضل القصّر يرتادون مدرستهم في مخيّم حسن شام الذي يبعد نحو كيلومتر واحد فقط يشير الفلّاح السابق إلى مدرسة القرية التي دمّرها المسلحون بالكامل.
وتعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات، بعدما خصصت مبلغ نحو ثلاثة آلاف دولار لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها. غير أن هذه المنحة غير كافية عمليا لإعادة بناء المنازل وتأمين القوت اليومي.
واتهمت فيان دخيل عضو لجنة النزاهة النيابية في البرلمان العراقي قبل أيام وزارة الهجرة والمهجرين في الحكومة الاتحادية بهدر الأموال المخصصة للنازحين بطرق غير مشروعة. وقالت إنّ هدر تلك الأموال “يزيد من معاناة العائلات التي تعيش في المخيمات.”
وتعتاش عائلة فاضل بشكل أساسي من راتب أحد الأبناء الذي يتلقى كل أربعة أو خمسة أيام مبلغا لا يتجاوز الثمانية دولارات لقاء عمله في قطاع البناء.
وأعلن العراق في نهاية 2017 الانتصار على تنظيم داعش الذي سيطر لمدّة ثلاثة أعوام على ثلث مساحة أراضيه ويسود منذ ذلك الحين استقرار نسبي في البلد الذي يضمّ أكثر من مليون نازح.
ومن شروط العودة حصول النازحين على الضوء الأخضر من الأجهزة الأمنية بعد التأكد من أنهم ليسوا مطلوبين في جرائم مرتبطة بالإرهاب.
لكن بين سكان مخيمات شرق الموصل البالغ عددهم نحو 11 ألفا وفق أرقام رسمية هناك 600 معتقل سابق بحسب وثيقة للأمم المتحدة.
ففي السنة المذكورة ومع بدء عمليات طرد الجهاديين من قضاء الحويجة في شمال العراق سلّم العديد من الأشخاص أنفسهم الى سلطات إقليم كوردستان، واعترفوا بانتمائهم للتنظيم المتطرّف وخضعوا لمحاكمات.
وبعد استيفاء مدة عقوبتهم التي وصلت إلى خمس سنوات والإفراج عنهم، نُقل البعض إلى مخيمات شرق الموصل في منطقة متنازع عليها بين بغداد وأربيل مركز الإقليم. وقد يتعرّض هؤلاء جرّاء عودتهم إلى أراضي العراق الاتحادية، لمحاكمات متكرّرة.
وفي حسن شام يو3 يقول رشيد (32 عاما) الذي اختار اسما مستعارا لحساسية وضعه الأمني، إنه دخل السجن قبل سنوات بتهمة الإرهاب قبل خروجه إلى المخيم الذي غيّر نفسيته وفق ما يقول ومنحه فرصة ثانية في الحياة.
ويضيف عامل البناء، متجنّبا الخوض في تفاصيل حياته السابقة في صفوف التنظيم “إذا خرجت من المخيم قد يُحكم عليّ بالسجن 20 عاما ولن يكون لدي مستقبل.”
غير أن البقاء مصحوب أيضا بوصمة وفق قوله إذ “حتى لو لم يكن لدى الشخص مشاكل أمنية، سينظر إليه الجميع على أنه من داعش حين يرون أنه لا يزال في المخيم.”
ويشير المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس جهانكير إلى أن من عليهم مؤشرات أمنية لا يستطيع أحد منع السلطات من إحالتهم على القضاء.
وتقول مديرة إدارة الهجرة والاستجابة للأزمات في محافظة أربيل ناز جلال سليم إنّ “المخيمات ستبقى مفتوحة حتى مغادرة آخر عائلة قد تكون لا تزال بحاجة إلى مساعدة.”
وحاولت بغداد مرارا في الأشهر الأخيرة فرض مواعيد نهائية لإغلاق المخيمات، حتى أنها ذهبت إلى حدّ مقاضاة مسؤولين في الإقليم، قبل أن تعتمد أخيرا نهجا تعاونيا.
ويوضح مدير حملات المناصرة في المجلس النروجي للاجئين في العراق إمرول إسلام أن بإمكان النازحين لدى مغادرتهم المخيمات إما “العودة إلى منطقتهم الأصلية أو البقاء ي المجتمع الذي استضافهم لسنوات أو إعادة التوطين في مكان ثالث.”
ويشدّد على ضرورة تأمين “مدارس ومستشفيات وطرق وأسواق توفّر فرصا لكسب الرزق،” محذرا من أن يتسبّب عدم توفر البنية التحتية بعودة العائلات مجدّدا إلى المخيمات.